العارفون بالوضع الغربي يقولون إن وزير خارجية فرنسا كان كالذي يطلق النار على قدمه، بسبب معرفة الأتراك ومعهم السوريين بأن هناك عجزا غربيا تاما عن التدخل والضغط عل سورية.
كتب نضال حمادة
شهد المنتدى حول "الربيع العربي" في باريس والذي عقد في قاعة المؤتمرات في معهد العالم العربي من 16 من الشهر الحالي إلى 18 منه كلمتين لوزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، تميزت الكلمة الثانية في ختام المؤتمر بتقسيم للأوضاع في الدول العربية بوضع الوزير الفرنسي في أحد خاناتها سورية واليمن في مقام واحد.
وخلافا لتقارير نشرتها بعض الصحف اللبنانية، لم تتخلل كلمة الوزير الفرنسي أي تحذير مباشر أو مبطن لسورية، وإنما بدا جوبيه كمن يقدم نصيحة في هذا المجال. الوزير الفرنسي قال حرفيا في ذكره سورية ما يلي: "كما هي الحال في سورية واليمن حيث الأوضاع مقلقة، على هذه الدول أن تعرف أنه ليس هناك حل سوى في حوار يؤدي إلى إجابات واضحة على تطلعات الناس الذين يجب أن يعبروا بحرية."
الوزير الفرنسي الذي تشهد بلاده تخبطا واضحا في ليبيا منذ تدخلها العسكري هناك بداية الشهر الماضي، يحمّل تركيا المسؤولية عن الموقف الأميركي المتردد من حسم الموقف عسكرياً، والذي وصل في بعض المراحل إلى الابتزاز مع الحلفاء المندفعين في الحرب والداعين لها كـ "نيكولا ساركوزي" و"دايفد كاميرون." فالفرنسيون يقولون في السر وفي العلن أن تركيا، التي تعارض التدخل العسكري في ليبيا ولها مواقف متقلبة في هذا الأمر، إنما تفعل ذلك انتقاما من فرنسا على موقفها الرافض لدخول تركيا في الاتحاد الأوروبي. ولو لم تكن فرنسا مشاركة مباشرة في هذه الحرب لوجدنا مواقف تركية مغايرة للتي نشهدها حاليا.
في خطابه في معهد العالم العربي، ظهر وزير الخارجية الفرنسية عند كلامه عن سورية كمن يعني تركيا أكثر من سورية ونظام الحكم فيها، خصوصا وأن الفرنسيين كما الأوروبيين تبلغوا من الأتراك موقفا رافضا لأي تدخل عسكري في سورية، فضلا عن مساعي المسؤولين في أنقرة لتسوية في سورية تحافظ بالمقام الأول على نظام الرئيس بشار الأسد مع فتح المجال لتعديلات دستورية تفتح الباب أمام حراك سياسي منظم كما بدا على الطريقة التركية منذ بداية التحولات في تركيا في ثمانينات القرن الماضي.
هنا يعتقد آلان جوبيه أن بمكانه الضغط على الأتراك لدفعهم إلى تليين موقفهم من التدخل العسكري في ليبيا خصوصا في شقه الفرنسي، غير أن العارفين بالوضع الغربي عموما والأميركي خصوصا يقولون إن وزير خارجية فرنسا كان كالذي يطلق النار على قدمه، بسبب معرفة الأتراك ومعهم السوريين بأن هناك عجزا غربيا تاما عن التدخل والضغط عل سورية أو التأثير عليها من خلال ضغوط سياسية أو اقتصادية أثبتت عدم جدواها سابقا.
بعض المحللين في باريس يحذرون من استخدام الورقة الاقتصادية للضغط على دمشق لأن هذا من شأنه أن يساهم في تقربها أكثر من طهران التي على استعداد تام لمساعدتها حسب رأيهم، فيما تبقى التطورات في العالم العربي مجهولة بالنسبة للغرب عموما، وهذا ما أكده الوزير جوبيه في خطابه الافتتاحي للمناسبة حيث قال: "يجب القول إننا لم نستطع توقع هذه التحركات الكبيرة من أجل الحرية والتي تغير بشكل جذري معطيات الجغرافيا السياسية، ولا نفهم أيضا الطريقة التي تعمل بها هذه التحركات، ولا الذي تنتظره، كما أننا نتردد بين الفضول والقلق."
وحول ما ذكره من جهل بما يجري في العالم العربي، لم يذكر وزير خارجية فرنسا ما إذا كان التدخل العسكري في ليبيا أتى نتيجة لهذا الجهل، أم أن الدعم الكبير الذي تشهده فرنسا حاليا لمجموعات سورية معارضة، يأتي عن سابق معرفة بماذا، طالما أن الجهل وعدم الإدراك للأوضاع العربية هو سمة الموقف الفرنسي هذه الأيام؟
وأيضا هنا، وبالتحديد حول خطاب جوبيه، يعلق المستشار العسكري السابق في رئاسة الحكومة الفرنسية العقيد آلان كورفيس في حديث لموقع المنار قائلا: "لا استغرب شيئا من ساركوزي ومن جوبيه هذه الأيام لكن المؤكد انه لن يكون هناك أي تدخل عسكري في سورية وليس بالإمكان الضغط عليها من الناحية الاقتصادية."