إذا تجرأ فريق الرابع عشر من آذار على القيام بجردة حساب سنوية، فسيجد نفسه حتماً أول الخاسرين في الساحة اللبنانية.
ميسم رزق
إذا تجرأ فريق الرابع عشر من آذار على القيام بجردة حساب سنوية، فسيجد نفسه حتماً أول الخاسرين في الساحة اللبنانية. من حيث لا يدري، اتخذ هذا الفريق خطوات غير مدروسة. فسجّل في مرماه أهدافاً خاطئة لم تكن في الحسبان، حتّى بات «لاعباً» بصفة «متفرّج»!
هرول فريق الرابع عشر من آذار بقابلية مفرطة نحو الهزيمة. أضحى منذ خروجه من السلطة لاعباً يهوى الخسارة، حتّى أتقنها وباتت في عرفه «أمراً روتينياً». ليست الخلافات العميقة بين رموز القوى فيه، التي غالباً ما يجري «التستّر» عليها، وحدها السبب. فمحبّو السلطة، والسلطة وحدها، لا يهوون المعارضة. في العملية السياسية الديموقراطية، أراد هذا الفريق أن يظهر بمظهر المعارض تحت سقف القانون. لكنه ركّز جهوده، دوماً، للعودة إلى «مكانه الصحيح» كما يرى. في طريق العودة هذه، اتخذ خطوات غير مدروسة، من دون أن يدرك أن الأوراق التي استخدمها على المستويين السياسي والشعبي لن تكون مربحة له.
باعتراف بعض نوابه وشخصياته السياسية، تلقّى فريق الرابع عشر من آذار، منذ خروج أهم سياسي فيه، زعيم تيار المستقبل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، من السرايا الحكومية والبلد معاً، ضربات لم يتلقّ مثيلاً لها منذ انطلاقته عام 2005. أولاها «ظنّه أن المجيء بشخص سنّي غير الحريري رئيساً للحكومة، سيُسقط الأخير شعبياً»، ما دفعه إلى «الإسراع في التحرك في الشارع، الذي أثبت فشله قبل أن يبدأ حتّى».
بحسب الأرقام التي لطالما تغنّى بها «المليونيون»، أثبتت السنة التي شارفت على نهايتها، عجز الآذاريين عن تجميع الحشود اللازمة لقيادة «المعركة». من «الملايين» إلى بضعة آلاف وأقلّ، تقلّصت الدائرة الشعبية التي استقوى بها فريق «ثورة الأرز» للقول إنه «الممثل الشرعي» للشعب اللبناني. أخطاء بالجملة سجّلها لاعبو «السيادة والحرية والاستقلال»، محرزين بطاقات «صفراء» فتحت عيون «الحكام» الإقليميين والدوليين عليهم.
لم يتدّرب هؤلاء على كيفية الإمساك بمفاصل «الملعب» اللبناني، ولا سيّما بعد تصاعد حدّة الأحداث السورية. وبدلاً من الدفاع عن موقعهم، كثّفت الشخصيات السياسية «هجومها» على الفريق الآخر، فوجدت نفسها من حيث لا تدري تسجّل «أهدافاً» في مرماها بدلاً من مرمى الفريق الآخر، لتزيد إلى رصيد الأخير نقاطاً من دون تعب.
وباعتراف بعض شخصيات فريق المعارضة، تمكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من أداء دوره بجدارة، لجهة «إجبار» الجهات الدولية على الاعتراف بحكومته، رغم محاولة تصويرها كـ«مؤسسة» خاضعة لسلطة حزب الله وولاية الفقيه. وما كان من هذا الاعتراف إلا أن أحبط من عزيمة فريق الوشاح «الأحمر والأبيض». بدا مهزوزاً يتصبب منه العرق، كأنه يلعب في الوقت الضائع، من دون أن تكون لهذا الوقت «صفارة» تُنهي «المباراة» السياسية لمصلحته.
تعتبر «14 آذار» أنها ارتكبت «الكثير من الأخطاء التي يصعب تجاوزها في هذه المرحلة»، وربّما في مراحل لاحقة. لعلّ أهم الأسباب، التي دفعتها إلى ذلك، «الأزمة المادية الحادة التي أصيبت بها الإمبراطورية الزرقاء»، ما أدى إلى وقف «المنشّطات» المالية التي كانت تغذّي «حرّاسها» السياسيين وحلفاءها. تلهّى زعيم المستقبل بـ«غربته» ومشاكل إرثه، ووقع فريقه في فخّ الأزمات الداخلية المتتالية. كانت رائحة الخلافات تفوح من البيت الآذاري، الذي كان يدرس خطواته كلّها على وقع «النيران» السّورية. ولسخرية القدر أن الاغتيالات التي تصيب في فريق المعارضة مقتلاً، كانت السبب شبه الوحيد الذي يمكنه من إعادة رصّ صفوفه واستقطاب بعض التعاطف المفقود. بداية، مع رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، مروراً بالنائب بطرس حرب، لحين وقعت الواقعة، واغتيل «الظل الأمني» لفريق الرابع عشر من آذار اللواء الشهيد وسام الحسن. وقتها ظنّ هذا الفريق أنه استعاد الكرة، وبات قادراً على تسديد «الركلات» كما يشتهي. لكن الواقع كان مختلفاً تماماً، فكانت عملية الاغتيال بمثابة «بطاقة حمراء» أخرجته من اللعبة، ليصبح «متفرجاً» لا يملك سوى «التعليق». كانت محاولة استخدام «واقعة اغتيال الحسن» ممراً للعودة إلى السلطة من «أكبر الأخطاء». فتّتت محاولة «الاقتحام المتهوّر» للسرايا الحكومية «التضامن» مع تيار المستقبل، بعدما سارعت القوى المسيحية إلى سحب يدها من الموضوع ورفع الغطاء السياسي عنه، فضلاً عن الغطاء الدولي. وما كان من علم المعارضة السورية، الذي طغى على كل الأعلام الموجودة في «غزوة السرايا»، إلا أن حصّن ميقاتي الذي وجّه «ضربة قاضية» لخصومه، بعدما أعلن «إصراره أكثر من أي وقت مضى، على البقاء في موقعه»، انطلاقاً من «حرصه على حماية الاستقرار». وبدلاً من محاولة تصحيح الخطأ، أُصيب هذا الفريق «بالعمى»، وقع مجدداً في حفرة من صنع يديه، فكان «الانفلات المسلّح» الذي نفّذه عناصر من تيار المستقبل في عدد من مناطق بيروت، وأفقده الكثير من الرصيد السياسي، مثيراً انزعاج الحلفاء قبل الخصوم. لم تخفِ حينها شخصيات آذارية بارزة، حقيقة أن «ما حصل أثّر سلباً على صورة الثورة السلمية التي أطلقت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري»، رغم محاولات التبرير المتكررة لردّ الفعل المتسرع وغير المدروس، وخصوصاً أن «لا شيء يؤكّد هوية المسلحين».
سياق الأحداث الداخلية والخارجية لم يدع للمعارضة سوى خيار واحد. فكانت «المقاطعة» عنواناً للمرحلة في ظل «الإفلاس السياسي». لا حوار ولا جلسات لجان نيابية لحين سقوط الحكومة. ورغم التعنّت الواضح في مواصلة هذا القرار، يُقرّ العديد من النواب بأن «القرار ليس سوى عبارة عن نكايات، أحرجت فريقنا قبل أي أحد آخر»، وخصوصاً أنه «لم يعُد قادراً على المبادرة ولا التراجع»، الأمر الذي «دفعه إلى الاستعانة برئيس مجلس النواب نبيه برّي لطلب المساعدة».
وعلى هامش التخبّط الداخلي، بدا أن «اللعنة» السياسية لا تريد أن تغادر هذا الفريق. فخروج بعض القيادات «المتطرفة» إلى الشارع، الشيخ أحمد الأسير في صيدا، والجماعات المسلّحة في طرابلس والشمال، أحرج المعارضة التي تعوّل على «صورتها المعتدلة»، مع العلم أن «المتطرفين يتحدثون بلسان حالها» لجهة العداء الذي تكنّه لحزب الله والنظام السّوري. ولم ترَ مكونات 14 آذار مهرباً من هذا الإحراج إلا في «الدفاع عن هؤلاء محمّلين المسؤولية لفريق السلطة».
إلى سوريا توجه بعض «اللاعبين». انقسم الفريق بين مؤيد لدعم «الثورة» السورية سياسياً، عبر الخطابات والبيانات، ومَن استهواه اللعب على أرض «الجهاد»، وخصوصاً تيار المستقبل الذي لم يبقَ أمر مشاركته المباشرة، قيد الكتمان. فضحها رئيس التيار نفسه، على اعتبار أن ما يقوم به «واجب إنساني تجاه الشعب السوري». مع العلم أن «إنسانية» الحريري لم تلقَ الترحيب عند الحلفاء الذين يُصرّون على أهمية تبنّي موقف حيادي ممّا يحصل في سوريا، تفادياً لأي تداعيات سلبية، لبنان بغنى عنها. ومشاركة الحريري عبر أحد أبرز نوابه (عقاب صقر) في تسليح جماعات المعارضة السّورية، يُعدّ من «أكبر الخسارات التي مُني بها فريق الرابع من آذار، الذي وجد نفسه أمام مأزق آخر»، حيث أظهره اعتراف الحريري بمظهر «الغاطس بدماء السوريين».
________________________________________
لاعب منفرد
في فريق الرابع عشر من آذار لاعب منفرد يُدعى عقاب صقر. نائب لبناني ارتأى «التخبيص» بموافقة رئيسه في تيار المستقبل سعد الحريري.
لا ملعب آخر لصقر سوى سوريا، التي توجّه إليها لمساعدة «الثوار». بالمال والسلاح، يدعم صقر الجماعات المعارضة لنظام بشار الأسد. تهوّر صقر «المفضوح» يحرج 14 آذار، ولا سيما بعد تداول اسمه كمموّل للجماعات المسلّحة في سوريا، في أبرز الصحف الأجنبية. ولم يكن ينقص هذا الفريق، سوى التسجيلات التي نشرتها «الأخبار»، ليفعّل الانقسام بين المكونات في داخله، فتجد نفسها أمام «هدف خاطئ» لم يكن في الحسبان.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه