الجامعة العربية في قمتها المنعقدة بمدينة سرت الليبية في مارس / آذار عام 2010 قررت عقد مؤتمراً دولياً للتضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي
عبد الناصر فروانة
الجامعة العربية في قمتها المنعقدة بمدينة سرت الليبية في مارس / آذار عام 2010 قررت عقد مؤتمراً دولياً للتضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، وبعد عامين جاءت القمة العربية المنعقدة في بغداد أواخر مارس / آذار الماضي لتؤكد على القرار السابق ، بهدف تسليط الضوء على معاناة الأسرى وواقعهم المأساوي وما يتعرضون له من انتهاكات فظة وجسيمة مخالفة لكافة المواثيق والأعراف الدولية ، ولحشد أوسع حملة تضامن معهم على كافة الصعد والمستويات الاقليمية والدولية .
وحينما طُرح الأمر على اجتماع الجامعة العربية استعدت جمهورية العراق لترجمة القرار واستضافة المؤتمر وتوفير كافة الإمكانيات لإنجاحه .فانعقد المؤتمر بالعاصمة العراقية بغداد في 11-12 كانون الأول / ديسمبر الجاري ، وحضره مشاركون جاءوا من أكثر من سبعين دولة بينهم دبلوماسيون وحقوقيون وبرلمانيون وممثلون عن مؤسسات ومنظمات المجتمع الدولي بالإضافة لعشرات الأسرى المحررين .
ولعل أبرز ما ميز هذا المؤتمر عن غيره من المؤتمرات خمس مميزات هي :
أولاً: يُعتبر المؤتمر الأول من نوعه ، حيث وللمرة الأولى يُعقد ويُنظم برعاية وإشراف الجامعة العربية وهذا له معاني ودلالات كثيرة ، كما وله استحقاقات عربية أيضاً .
ثانياً: حجم المشاركة الرسمية والشعبية والحقوقية والدولية كانت واسعة جداً وعالية المستوى ، ومضمون الدراسات والتقارير التي قُدمت ووزعت أثناء المؤتمر كانت هي الأخرى قيمة ، وان النشطاء والحقوقيين الدوليين تميزوا بمداخلاتهم وأوراق العمل التي قدموها ، وسجلوا نجاحاً في ترأسهم وادارتهم لجلسات المؤتمر كافة ، مما منح المؤتمر زخماً دولياً إضافياً .
ثالثاً: توزعت أعمال المؤتمر على أربعة محاور أساسية هي :
- وضع الأسرى في القانون الدولي واستحقاقات قبول دولة فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة وانعكاساتها على الأسرى .
- ممارسات سلطات الاحتلال تجاه الأسرى واعتقال الأطفال وظروف الاحتجاز والتعذيب والاعتقال الإداري والمحاكم العسكرية واحتجاز الجثامين .. الخ،
- دور مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وحقوق الإنسان تجاه الأسرى والأسرى المحررين وسبل دعمهم لمساعدتهم في الاندماج بالمجتمع .
- تقديم شهادات حية من قبل مجموعة من الأسرى والأسيرات وأهالي الأسرى عما تعرضوا ويتعرضون له من ممارسات تعسفية ولا إنسانية .
ولأجل مناقشة ذلك عُقدت ست جلسات في نفس القاعة شارك فيها أكثر من خمسين متحدثاً ومتداخلاً ، وتناول المتحدثون خلالها غالبية ملفات الحركة الأسيرة ، ان لم أقل جميعها .
رابعاً: حُسن التنظيم وإجادة التحضير والتوفيق في إدارة الجلسات والاهتمام بتوثيق وقائع المؤتمر بالصوت والصورة والكلمة المكتوبة ، وفي هذ1 الصدد أوجه فائق احترامي وجل تقديري لسعادة السفير د.محمد صبيح بصفته المنسق العام للمؤتمر ، ولوزير الأسرى السيد عيسى قراقع ولكافة أعضاء اللجنة التحضيرية ، ولوفد الأمانة العامة للجامعة العربية .
خامساً : حسن الاستقبال ، وكرم الضيافة ، وتوفير كافة الإمكانيات لإنجاح المؤتمر من قبل العراق الشقيق لا سيما من قبل وزارة الخارجية العراقية ، مما يدفعنا لنُسجل شكرنا وتقديرنا لهم على ما قدموه للمؤتمر وضيوفه وللمشاركين فيه .
هذه العوامل والمقدمات هي التي أدت بالتأكيد الى نتائج ايجابية تمثلت بمجموعة من القرارات والتوصيات خرج بها المؤتمرون في البيان الختامي الذي عُرف وسُمي بـ " إعلان بغداد " ، ولعل أبرز ما جاء فيه :
- تشكيل لجنة قانونية دولية لمتابعة قضية الأسرى، واستخدام الآليات والأدوات والوسائل القانونية والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة لحماية حقوقهم وملاحقة إسرائيل على ما اقترفته من جرائم بحقهم .
- تقديم طلب باسم الجامعة العربية إلى الأمم المتحدة لاستصدار رأي استشاري من محكمة العدل الدولية في لاهاي حول الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال والالتزامات القانونية المترتبة على المحتل لمواجهة الانتهاكات والخروقات الاسرائيلية بحقهم لا سيما بعد قبول فلسطين دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة .
- دعوة الهيئات والمؤسسات المعنية بقضية الأسرى إلى توثيق تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة.
- إطلاق حملة دولية وإعلامية للمطالبة بالإفراج عن الأسرى وتسليط الضوء على معاناتهم لا سيما الأسرى المضربين عن الطعام .
- إنشاء صندوق عربي لدعم الأسرى الفلسطينيين والعرب وعائلاتهم وتأهيل المحررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتكليف الجامعة العربية وجمهورية العراق ودولة فلسطين بوضع مشروع الصندوق وآليات عمله ورفعه إلى اجتماع القمة العربية القادم في آذار/ مارس 2013 لإقرارها ، مع الإشارة إلى أن العراق قرر في ختام المؤتمر بدعم الصندوق بمبلغ مليوني دولار .
تلك القرارات و التوصيات بتقديري ستكون حاضرة وبقوة على جدول أعمال اجتماع القمة العربية في مارس / آذار القادم ، ولكن حتى تخرج القمة القادمة بقرارات فاعلة ومؤثرة تتوافق وتنسجم مع تطلعاتنا ، لا بد وان تُعد آليات ومشاريع ، واضحة وعملية ، وترفع لاجتماع القمة العربية القادم حتى يتم إقرارها ومن ثم ترجمتها .
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أننا نعول كثيراً على الجامعة العربية في دعم الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي وقضاياهم العادلة، ونتطلع لأن تلعب الدول العربية جمعاء دوراً مهماً ومؤثراً في دعم الأسرى والأسرى المحررين على كافة الصعد والمستويات، وأتوقع بأن يصدر عن اجتماع القمة العربية القادم قرارات مهمة بهذا الصدد .
وأقترح بأن تسمى القمة العربية القادمة بـ " قمة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي " وان يشارك فيها لجنة مختصة منبثقة عن مؤتمر بغداد برئاسة وزير الأسرى السيد عيسى قراقع لتعرض قرارات وتوصيات مؤتمر بغداد والآليات والمشاريع ذات الصلة .
وفي السياق ذاته أعتقد جازماً بأن المؤتمر الدولي للتضامن مع الأسرى بالعراق شأنه شأن باقي المؤتمرات الأخرى التي عقدت من قبل أو التي ستعقد لاحقاً ، لن تُوقف الاعتقالات الإسرائيلية لطالما بقىّ الاحتلال جاثما فوق أرضنا ، ولم تُطلق سراح كافة الأسرى ، لكنني أرى بأنها مؤتمرات مهمة ، وأن مؤتمر بغداد فيه ما يميزه عن غيره ، و يُعتبر خطوة مهمة ومهمة جداً في تسليط الضوء على معاناة الأسرى وما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة وفظة ترتقي في بعض الأحيان إلى جرائم حرب وفقا للتوصيف الدولي ، ويشكل بتقديري خطوة جادة نحو تدويل قضية الأسرى وتقليص مساحة الانتهاكات وتحسين الشروط الحياتية للأسرى وانتزاع بعض الحقوق الأساسية والإنسانية ، إذا ما توحدنا وتوحدت جهودنا وتواصل عملنا التراكمي .
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن مؤتمر التضامن مع الأسرى بالعراق قد حظىّ بدعم وموافقة كافة الفصائل الفلسطينية دون استثناء ، وأن جميعها أرسلت مندوبين عنها ، فيما هناك من اختلف على مستوى التمثيل ، ونفر قليل قاطع وطالب بمقاطعة المؤتمر بحجة أنه ينعقد في دولة تحتجز حكومتها عشرات الفلسطينيين في سجونها ، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، فهناك أنظمة عربية عديدة كانت تُسجن أبنائنا ومجاهدينا ، وبعضهم لم يُعرف أماكن احتجازهم ، فيما قادتنا وفصائلنا كانت تقيم فوق أراضيها ولم تفكر يوما في مقاطعتها.
وهذا ( لا ) يعني الصمت إزاء ما يتعرض له نفر من أبنائنا ومجاهدينا من سجن واعتقال في السجون العربية ، وإنما وجب التحرك وفتح ملفاتهم مع الجهات الرسمية في تلك الدول وعدم مقاطعتها ، فالمقاطعة غير مجدية .
وتبقى الدول العربية كافة هي حاضنتنا وعمقنا الحقيقي وسندنا القومي .
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه