تكتسب إيران مهارة متزايدة في ابتكار سبل لتجاوز أثار العقوبات الغربية، حيث تمكنت من بيع كمية متزايدة من زيت الوقود لتحقيق ايرادات توازي ما يصل إلى ثلث صادراتها من الخام التي تضررت بسبب العقوبات.
تكتسب إيران مهارة متزايدة في ابتكار سبل لتجاوز أثار العقوبات الغربية، حيث تمكنت من بيع كمية متزايدة من زيت الوقود لتحقيق ايرادات توازي ما يصل إلى ثلث صادراتها من الخام التي تضررت بسبب العقوبات. ومقارنة مع النصف الأول من العام ارتفع متوسط صادرات إيران الشهرية من زيت الوقود منذ تموز/يوليو حين دخلت عقوبات الاتحاد الأوروبي على استيراد النفط والتأمين الملاحي حيز التنفيذ.
وتحظر عقوبات الاتحاد الأوروبي استيراد وشراء ونقل المنتجات النفطية الإيرانية في مسعى لخفض الايرادات التي قد تستخدمها طهران لتمويل برنامج نووي سلمي لكن الغرب يدعي أن يمكنها من صناعة أسلحة نووية. وحتى بالنسبة للشركات التي لا ترتبط بالاتحاد الأوروبي فإن العقوبات على التمويل والتأمين على السفن تثني عملاء محتملين. وتستخدم إيران زيت الوقود لتوليد الكهرباء وكوقود للسفن، لكن لديها -على عكس الوضع بالنسبة للمنتجات المكررة ذات القيمة الأعلى مثل وقود الديزل أو البنزين- فائضا للتصدير من انتاجها البالغ 70 ألف طن يوميا. وقال تجار ومحللون إن عقوبات تموز خفضت مبيعات إيران العضو في أوبك من زيت الوقود في بادئ الأمر، إذ ألغى زبائن العقود محددة المدة اتفاقاتهم. لكن المبيعات انتعشت بعد ذلك بفضل الوسائل المبتكرة التي يستخدمها وسطاء بالخليج ومسؤولو النفط الإيرانيون أصحاب المعرفة الكبيرة بالسوق.
ووفقا لبيانات من شركة ترصد شحنات النفط الإيرانية فإن الجمهورية الإسلامية باعت 648 ألف طن من زيت الوقود شهريا في المتوسط بين تموزو تشرين الأول ارتفاعا من 636 ألفا بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو. وجلبت تلك المبيعات ايرادات قدرها 410 ملايين دولار شهريا في المتوسط. وبلغ الايراد في آب/أغسطس أكثر من مثلي ذلك الرقم ما ساعد إيران على تعويض جزء كبير من تراجع إيرادات صادرات الخام الشهرية .
وقال سالار مرادي محلل النفط لدى فاكتس غلوبال انرجي إن صادرات زيت الوقود الإيراني ارتفعت من مستويات منخفضة حول 400 ألف طن شهريا هذا الصيف. وأضاف "شركة النفط الوطنية الإيرانية حققت نجاحا كبيرا في ايجاد استراتيجيات جديدة للتحايل على العقوبات وباعت زيت الوقود لآسيا في أغسطس وسبتمبر. والآن نعتقد أن مشتري زيت الوقود الإيراني من الشرق الأوسط قد عادوا".
وقال عدد من المصادر التجارية وبقطاع النفط المطلعة على الأمور بالمنطقة إن وسائل مثل نقل زيت الوقود من سفينة لأخرى والتفريغ والتحميل في موانئ نائية وخلط زيت الوقود الإيراني بأنواع وقود أخرى لاخفاء مصدره أصبحت أساليب شائعة بين الوسطاء بالخليج وساهمت في الابقاء على المبيعات مستقرة.
وأظهرت بيانات الشركة التي ترصد الشحنات الإيرانية تفاوتا حادا في تدفقات زيت الوقود الأمر الذي قالت مصادر إنه قد يكون بسبب تأخر شحنات أو عدم توفر ناقلات. وهبطت الصادرات إلى الصفر في يوليو ثم قفزت إلى 1.389 مليون طن في أغسطس وذهب ثلث هذه المبيعات إلى الشرق الأوسط. وظلت صادرات إيران من زيت الوقود فوق 1.1 مليون طن في أيلول/سبتمبر وتلقى الشرق الأوسط نحو 900 ألف طن منها. وأظهرت بيانات رويترز عن تدفق زيت الوقود الإيراني على شرق آسيا رقما قياسيا جديدا بلغ نحو 1.4 مليون طن في ايلول و1.1 مليون طن في أكتوبر.
والعقوبات الغربية ليست أمرا جديدا على إيران وإحدى الوسائل الشائعة للتحايل عليها هي التعاون مع تجار صغار للنفط بالخليج يعملون كوسطاء للمشترين الذين ربما لا يعلمون أن الشحنة مصدرها إيران. وقال عدد من التجار بالشرق الأوسط إنهم تلقوا اتصالات من شركات صغيرة بالإمارات العربية المتحدة تعرض نوعا من زيت الوقود يسمى في السوق 'بالمزيج العراقي المخصوص' يحتوي على مزيج من أنواع مختلفة من زيت الوقود من الشرق الأوسط أو تقول إنه عراقي المنشأ.
وقالت مصادر تجارية إن هذه المواصفات تشير إلى أنه خليط من المنتجات تم مزجه في صهاريج تخزين وعادة ما يتم طرحه بميناء الحمرية الهادئ على الخليج ومركز تموين السفن بالفجيرة من خلال عمليات نقل بين السفن في معظم الحالات.
وقال تاجر بالشرق الأوسط 'زيت الوقود الإيراني الذي يتم طرحه على انه عراقي غمر السوق في الفجيرة وأدى لتراجع العلاوات السعرية على الشحنات وعمليات تموين السفن في سبتمبر'.
وقال بعض تجار النفط الذين يخشون الوقوع تحت طائلة العقوبات الغربية إن فحصا دقيقا لما يسمى بالمزيج العراقي المخصوص يعطيهم مبررا للارتياب. وأضافوا أن شهادة الجودة الخاصة بإحدى شحنات هذا المزيج قالت إن كثافة المنتج نحو 0.9655 كيلوغرام لكل لتر وهو مستوى يشير إلى احتمال أن يكون إيرانيا. وتصدر الجمهورية الإسلامية في العادة زيت الوقود بدرجة لزوجة 280 سنتي ستوك من ميناء بندر ماهشهر بكثافة نحو 0.965.
وأظهرت بيانات ايه.آي.اس لايف لرصد السفن لرويترز أن ناقلات تتجه بشكل منتظم صوب المرفأين الرئيسيين لتصدير زيت الوقود الإيراني وهما بندر عباس وبندر الإمام الخميني ثم تغلق أجهزة التعقب بالقمر الصناعي قبل أن تظهر مرة أخرى بعد ذلك قرب الفجيرة بالإمارات. وقال مصدران بصناعة النفط إن من الوسائل الأخرى أن تغادر بوارج صغيرة ميناء بندر الامام الخميني قرب مصفاة عبادان ثم تفرغ حمولتها في ناقلات أكبر متجهة إلى الفجيرة. ومن جهة أخرى طرح بائع إيراني على موقع علي بابا الصيني للتجارة الالكترونية 100 ألف برميل على الأقل من زيت الوقود العراقي للبيع.
وأفادت رويترز في وقت سابق أن إيران صدرت زيت الوقود إلى ماليزيا على سفينة تابعة لشركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية قبل ان تنقلها في البحر إلى ناقلة تستأجرها فيتول. ومن المنتظر أن يؤدي تطوير مزمع في أواخر 2012 أو مطلع 2013 لمحطتي اراك وبندر عباس إلى تقليص الكمية المتاحة للتصدير من زيت الوقود الإيراني لكن معدلات تشغيل المصافي في ارتفاع متزايد هذا العام. ويقول تجار للنفط إن تقديم الصادرات الإيرانية على أنها عراقية غطاء مثالي إذ أن كميات ضئيلة من زيت الوقود العراقي يجري تهريبها بالفعل عبر الحدود ثم من الموانئ الإيرانية.
وقال مصدر كبير بشركة تجارية سويسرية على دراية بالمنطقة 'بعض الكميات من زيت الوقود يتم تهريبها بالفعل من العراق بالشاحنات. أتصور أن يتم استغلال ذلك لشحن بعض الكميات الإيرانية.' وهناك علامة أخرى على أن شحنات المزيج الخاص من المرجح أن تكون إيرانية وهي انخفاض سعرها بشكل مريب. وقال تاجر بالشرق الأوسط 'يتم طرحها بأسعار شديدة الانخفاض بخصم كبير عن أسعار السوق. خصومات مثل 10-15 دولارا'. وقال تجار إنه من الفجيرة يتم نقل شحنات 'المزيج العراقي المخصوص' إلى ناقلات كبيرة مثل ناقلات من نوع سويز ماكس والناقلات العملاقة ثم يتم شحنها إلى آسيا.
وقال شريك في مؤسسة قانونية طلب عدم نشر اسمه إن الحيرة بشأن مصدر زيت الوقود تسبب خسائر في سوق تموين السفن بسنغافورة وهي الوجهة النهائية لمعظم صادرات زيت الوقود الإيراني. وأضاف 'أصبحت مشكلة كبيرة في سنغافورة إذ أن كثيرا من وقود التموين هناك ربما يحتوي على وقود إيراني. الناس يدركون الأمر تماما ويحاولون الحصول على شهادات ضمان للمنتج'. وقال تاجر آخر في سويسرا 'سوق تموين السفن بسنغافورة ثقب أسود... لا تعرف أبدا من أين أتى (الوقود) بمجرد أن يصل هناك'.