باتت الساحة اللبنانية احد الاماكن المقصودة من قبل «الجهاديين» العرب وغير العرب. سوريا هي هدف اولي، ولكن ماذا بعد
سامي كليب
يقول عارفو الرئيس السوري بشار الاسد انه لن يتنازل عن السلطة حتى آخر يوم في عهده. يفتح هؤلاء خرائط مرسومة بألوان ثلاثة، اولها أصفر يشير الى المناطق التي استعادها الجيش السوري بعد معارك عنيفة، وبرتقالية هي الباقية في ايدي المعارضة المسلحة، وخضراء هي التي لم تخضع اصلا للقتال. يشيرون الى ان وضع الجيش لا يزال اقوى من الدعايات ضده، وان مفاجآت امنية كبيرة ستشهد قريبا على ذلك.
يختلف التقييم السوري الرسمي مع الصورة التي يقدمها بعض مسؤولي المعارضة. يؤكد هؤلاء ان الوقت لا يلعب لمصلحة النظام، وان المسلحين نجحوا في مشاغلة الجيش في معظم المناطق السورية وفي السيطرة على معابر ومناطق رئيسة. ويقول هؤلاء انهم اخترقوا كل الساحات السورية وانه لو وصلتهم اسلحة متطورة اكثر لاستطاعوا حسم المعركة، ويتوقعون وصول هذه الاسلحة بعدما اطمأن الغرب الى تشكيلة ائتلاف المعارضة رغم حذره من «جبهة النصرة».
بعد مشارفة الحرب السورية على انهاء عامها الثاني، يقدم كل طرف أدلة كثيرة على قوته. كلاهما يبدو قادرا على تبرير ذلك. اما في لبنان فالمشكلة ان الكثير من القادة اللبنانيين يبنون تحليلاتهم وسياساتهم الداخلية على هذه التقييمات العسكرية، رغم ان الصراع في سوريا يخرج يوما بعد آخر عن سيطرة السوريين ليصبح بيدقا دوليا بامتياز خصوصا بين روسيا والولايات المتحدة.
ينقل زوار الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي عنهما تأكيدهما ان النظام السوري لا يزال قويا وغير قابل للسقوط في المدى المنظور. يقول رئيس الجمهورية ان في سوريا 3 اطراف هم: النظام والمعارضة ومقاتلون متطرفون. ويشدد على ضرورة الحفاظ على سياسة النأي بالنفس. من جانبه، لا يستبعد ميقاتي، وفق زواره، ان تكون واشنطن قابلة عمليا ببقاء النظام شرط تطبيق خطة جنيف التي كان ميقاتي نفسه اقترح مثيلا لها في خلال لقائه مع الامين العام للامم المتحدة قبل اشهر من طرحها.
يتقاطع هذا التقييم مع معلومات امنية لبنانية تؤكد وجود تغيير جدي في النظرة الاميركية الى وضع سوريا او على الاقل «بداية تغيير». يقول بعض المسؤوليين الامنيين اللبنانيين ان بعض الدول الغربية بدأت تنظر بكثير من القلق الى تعاظم دور «الجهاديين» القريبين من تنظيم «القاعدة» في جسد المسلحين السوريين وفي مقدمهم «جبهة النصرة». يستندون الى معلومات وصور وتقارير دقيقة سلمها السوريون الى الروس ليسلموها بدورهم الى الولايات المتحدة الاميركية لتأكيد نظرية الاختراق القاعدي لبعض الاطرف السورية المسلحة. يذهب البعض الى حد الحديث عن لقاءات امنية سورية اميركية روسية.
وفي المعلومات أيضا ان خلايا من تنظيم «القاعدة» باتت تنشط على الاراضي اللبنانية. لا يقتصر نشاطها على تسهيل مرور المقاتلين الى سوريا، وانما يركز أيضا على رصد بعض الشخصيات اللبنانية المؤيدة لدمشق او تلك التي تلاحق رجال «القاعدة»، وتضعهم على لائحة الاغتيالات. ثمة قلق فعلي من اختيار القاعدة للبنان وسوريا كساحة جهادية جديدة وطويلة الامد.
يدفع القلق من تمدد «القاعدة» بعض المسؤولين الغربيين الى طرح اسئلة كثيرة على نظرائهم اللبنانيين حول مآل الوضع في سوريا في حال سقوط الاسد. لا اجابات محددة. الوضع يزداد غموضا وخطرا اكثر من اي وقت مضى. خطر على سوريا ولكن ايضا على لبنان. باتت الساحة اللبنانية احد الاماكن المقصودة من قبل «الجهاديين» العرب وغير العرب. سوريا هي هدف اولي، ولكن ماذا بعد.
تنقل صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية عن مسؤولين اردنيين رفيعي المستوى تحذيرهم من ان «الجهاديين الذين يقاتلون في سوريا يستعدون لتوجيه ضربات ضد اهداف في الاردن واسرائيل». اسرائيل تأخذ الامر على محمل الجد، رجال القاعدة يقتربون منها عبر جبهات عدة: سيناء المصرية، الاردن، حدود الجولان ، الشمال اللبناني ناهيك عن العمق العراقي.
التنسيق الاستخباراتي على خط سوريا ـ الاردن ـ لبنان ـ العراق وصولا الى مصر قائم. يحكى عن زيارة قام بها رئيس الاستخبارات المصرية لدمشق ولقاء مع الرئيس الاسد. يحكى ايضا عن تشدد اردني كبير في منع تهريب السلاح عبر الحدود. قتل الامن الاردني شابا كان يريد تهريب السلاح بعد ان القى القبض عليه. يقال انه قتله عمدا ليردع الآخرين.
في هذه اللحظة المفصلية، تتسع شقوق الخلافات بين بعض دول الخليج والاخوان المسلمين من مصر الى المغرب العربي. لا يتردد بعض قادة الاخوان المصريين في الحديث عن اموال كثيرة تدفع في القاهرة للضغط على الاخوان. الامر نفسه يقال في تونس مع حركة النهضة .
هل يمكن لبعض دول الخليج وبينها السعودية والكويت والامارات التحرك ضد «الاخوان المسلمين» من دون التنسيق مع واشنطن؟ هل ثمة رأيان في اميركا حيال «الاخوان» بعدما ادى تمدد السلفية الى اثارة القلق الاميركي خصوصا في اعقاب قتل القنصل الاميركي واغتصابه في بنغازي الليبية؟ وهل ثمة تنافس او خلاف سعودي قطري حيال «الاخوان» فعلا؟ الاولى تناهضهم، والثانية تواليهم وتدعمهم؟ يجيب مسؤول لبناني كبير «بأن الخلاف جدي بين السعودية وواشنطن حول ملفات كثيرة بينها «الاخوان» و«الجهاديون»، لكن بينها ايضا طبيعة الدعم العسكري للمسلحين السوريين، فضلا عن أن الرياض تريد سقوط النظام السوري مهما كان الثمن بينم تصر واشنطن على أن يكون رحيل الأسد جزءا من تسوية مع الروس».
وسط هذه الاسئلة، تظهر مؤشرات عدة. حديث نائب الرئيس السوري فاروق الشرع للزميلة «الاخبار» (وهو على ما يبدو لم يكن منسقا مع القيادة السورية خلافا لما قيل، لا بل ربما ازعج القيادة). يخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقول «لسنا منشغلين بمصير الاسد وانما بمستقبل سوريا، وان موقفنا ليس الاحتفاظ بالاسد ونظامه في السلطة بأي ثمن»... كلام كان ضروريا قبل انعقاد القمة الروسية الاوروبية في بروكسل، وضروريا أيضا للحوار غير المعلن بشأن الازمة السورية بين واشنطن وموسكو .
ان انتشار التنظيمات الجهادية في المنطقة، يدفع الجميع الى التفكير بسؤالين: هل بقاء النظام السوري قويا هو الانجع لضرب هذه التنظيمات، ام الاسراع باسقاطه هو الاسلم؟
اتفق الروس والاميركيون ضمنا على بقاء النظام، لكنهم اختلفوا حتى الآن بشأن الاسد وايضا حيال المصالح الروسية المقبلة في منطقة باتت تعد بالكثير من الثروات الغازية وغيرها. اتفق الروس والاميركيون ايضا على ان لا احد في سوريا سينجح في الحسم العسكري، لكنهم مختلفون حول كيفية وقف القتال وما بعده. اتفقوا كذلك على ضرورة نقل الصلاحيات الابرز من الرئاسة الى الحكومة لكنهم لا يزالون مختلفين قليلا على من سيكون في الحكومة المقبلة او بالاحرى في النظام المقبل لسوريا. واتفقوا اخيرا على ضرورة الابقاء على مهمة المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي لانها الامل السياسي الوحيد المتوفر الآن فقرروا دعمها رغم معارضة بعض دول الخليج وجزء كبير من المعارضة السورية.
ماذا عن المستقبل؟
تدرك موسكو ان الجيش السوري لا يزال قادرا على القتال طويلا فلا تتراجع عن شروطها. وتعرف واشنطن ان المسلحين باتوا اكثر قوة من السابق فتحجم عن التنازلات. لكن من يراقب تصريحات الطرفين يستنتج ان الهوة باتت اقل اتساعا من السابق، وهي ستضيق اكثر مع التعيينات الادارية العتيدة في ادارة باراك اوباما. لا يختلف اثنان على ان جون كيري الذي قد يعين وزيرا للخارجية هو الاكثر معرفة بسوريا والاقل رغبة بالحرب ضدها.
احتمال التسوية قائم اذاً، لكن الاحتمالات الاخرى قائمة ايضا في حال فشل التسوية، تبدأ باستمرار الحرب وادارة الازمة طويلا، وتمر باحتمالات انشطار سوريا الى نصفين متقاتلين لفترة طويلة، لتصل الى خطر توسيع رقعة الحرب الى بعض دول الجوار... في هذه الحالة الاخيرة سيكون لبنان الساحة الاكثر هشاشة ذلك ان فيه اطرافا جاهزة للقتال، وربما سيصبح القتال مطلوبا كلما اقتربت بعض الاستحقاقات السياسية اما للتأثير فيها او منعها كليا اذا ما تطلب الوضع السوري ذلك. ولعل في «ديبلوماسية الجثث» القائمة حاليا بين لبنان وسوريا مع مسلسل تسليم جثث لبنانيين قتلوا اثناء عبورهم الحدود للقتال في سوريا خير دليل على ان سياسة النأي بالنفس تشبه الكثير من شعارات اللبنانيين التي بقيت على مدى العقود الماضية مجرد شعارات.
حين تصل الحرب في دولة ما الى العنف الذي وصلته في سوريا، لا شيء يصبح مستبعدا بما في ذلك توسيع جبهات القتال لتشمل دولا مجاورة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه