الدولة اللبنانية لن تتعامل مع خاطفي اللبنانيين في سوريا. هذا ما أعلنته اللجنة الوزارية المختصة. ستتعامل مع تركيا، فقط، شرط أن تتعامل الأخيرة مع لبنان كدولة!
محمد نزال - صحيفة الأخبار
الدولة اللبنانية لن تتعامل مع خاطفي اللبنانيين في سوريا. هذا ما أعلنته اللجنة الوزارية المختصة. ستتعامل مع تركيا، فقط، شرط أن تتعامل الأخيرة مع لبنان كدولة! أهالي المخطوفين تحرّكوا وهددوا، فما كان من تركيا إلا أن حذرت مواطنيها من السفر إلى لبنان... ويستمرّ المسلسل.
«مطلوب من الدولة التركية التعامل معنا كدولة». هذه الكلمات لوزير العمل سليم جريصاتي. ماذا يمكن لمواطن لبناني سمع هذه العبارة أن يفهم؟ الجواب هو، ببساطة، أن الدولة التركية لا تُعامل لبنان كدولة. المعادلة محرجة. احتاج جريصاتي، أمس، إلى القول إن «لبنان دولة» في مؤتمره الصحافي. كرّرها مراراً. بدا كمن يكشف سراً: «لبنان دولة»! جريصاتي، ومعه ثلاثة وزراء، يشكلون لجنة وزارية مكلفة متابعة قضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا. (سليم جريصاتي ومروان شربل وشكيب قرطباوي وعدنان منصور). جلسوا أربعتهم، في وزارة الداخلية، وراحوا يتحدثون عن قضية المخطوفين في سوريا.
ربما هي المرة الأولى، منذ خطف الزوار اللبنانيين في شمال سوريا، التي تتوجه فيها الحكومة اللبنانية إلى السلطات التركية بهذا الوضوح: «نطالب تركيا باستعمال جميع الوسائل المتاحة للإفراج عن أهلنا المخطوفين في نطاق خارج عن سيطرة الدولة السورية. فالدولة اللبنانية لن تتواصل مع غير الدولة التركية للإفراج عن المخطوفين». هذا ما أكّده جريصاتي، في مقابل رفضه تصوير تركيا على أنها الجهة الخاطفة. يتقاطع كلام الوزير مع ما كان قد أبداه زميله وزير الداخلية مروان شربل، سابقاً، من تذمر حيال الدور التركي. لم يقل شربل مرة إن تركيا متورطة في الخطف، لكنه، وفي أكثر من مرة، كان عندما يُسأل عن هذا الأمر يتنهد عميقاً، قبل أن يقول: «ربما يأتي اليوم الذي نتحدث فيه عن حقيقة ما جرى ويجري». هكذا تحدث شربل، قبل نحو شهرين، في إحدى الجلسات الخاصة.
في المؤتمر الصحافي الذي حضره الوزراء الأربعة، أمس، بدا أن الدولة اللبنانية متحسّرة على ضياع فرصة إعادة اللبنانيين المخطوفين، بعد عملية إعادة مواطنين تركيين خطفا في لبنان. آنذاك، ظن كثيرون أن صفقة شاملة قد أبرمت مع تركيا، وهذا ما لمّح إليه أكثر من مسؤول، ليتبيّن لاحقاً أنها اقتصرت على عودة لبنانيين فقط. لامس جريصاتي هذا الواقع أمس، من دون أن يكشفه صراحة، إذ قال: «عملنا هو التواصل مع السلطات التركية، التي نطالبها أكثر من أي وقت مضى بالتواصل مع الدولة اللبنانية. فكما تعاملنا مع السلطات التركية عندما أفرجنا عن المخطوفين التركيين، المطلوب من تركيا أن تعاملنا هكذا».
هذا المؤتمر الصحافي، جاء بعد تحرّك لأهالي المخطوفين، أول من أمس، أمام السفارة التركية في منطقة الرابية. كان اللافت في التحرّك أنه ضم جميع عائلات المخطوفين، على عكس التحركات السابقة، التي كانت تشهد انقساماً بينهم حول الأماكن التي يفترض التحرّك أمامها. قوى 14 آذار سعت، في أكثر من مرة، لتوجيه الأهالي للتحرك أمام السفارة السورية، محاولين الاستفادة من وجود أدهم زغيب إلى جانبهم. الأخير هو نجل أحد المخطوفين، وقد رفض التجاوب مع المطلب المذكور، بل توجه إلى الرابية مع سائر الأهالي، محمّلا المسؤولية للأتراك.
أعلن الأهالي، في تحرّكهم، أنهم ينوون تعطيل المصالح التركية، مطلع العام الجديد، في حال عدم تعاون تركيا مع مطلبهم. وصلت هذه الكلمات إلى المعنيين في تركيا، ليخرج المكتب الإعلامي للسفارة التركيا في لبنان، أمس، ويدعو الرعايا الأتراك المقيمين في لبنان إلى «أخذ الحيطة والحذر، وذلك رداً على تهديدات أهالي المخطوفين اللبنانيين في منطقة أعزاز السورية، باستهداف المصالح التركية، واختطاف أتراك في لبنان ابتداءً من مطلع العام المقبل». ذهبت السفارة أبعد من ذلك، لتطلب من كافة المواطنين الأتراك «عدم القدوم الى لبنان خلال هذه الفترة، تجنباً لأي من التهديدات المبلغ عنها».
إلى ذلك، أكّد قريب أحد المخطوفين لـ«الأخبار» أن قرار الخطف لم يتخذ بعد، ولكن «يمكن أن يتخذ من قبلنا في مرحلة لاحقة، وذلك على ضوء التطورات والتفاعل من جانب السلطات التركية». وأضاف الشخص نفسه: «هناك برّاد لتجارة السمك عائد للأتراك في لبنان، ووكالة سفريات، وسوى ذلك، يمكننا أن نمنع العمل في هذه الأماكن. أرادوا لنا، وبإيعاز من سياسيين لبنانيين، أن نتظاهر أمام السفارة السورية، لكن فعلنا العكس لأننا لسنا أغبياء. نحن نعلم أن الأتراك مسؤولون ويمونون على الخاطفين، إن لم نقل أكثر، وبالتالي عليهم أن يتوقعوا ما لم يخطر ببالهم».
يُذكر أن الخاطفين، وبعدما قالوا إن ملف التفاوض قد أقفل، عادوا في مرحلة لاحقة للمطالبة بإطلاق سراح بعض السوريين الموقوفين بقضايا جنائية في لبنان. طبعاً، هم لم يقولوا قضايا جنائية، بل سموها «قضايا رأي سياسي». بالنسبة إلى الدولة اللبنانية، بحسب اللجنة الوزارية، فإن هذا الطلب مرفوض.
ففي المؤتمر الصحافي أمس، كان وزير العدل واضحاً في مداخلته، إذ قال: «لا يوجد معتقلو رأي في لبنان، ولا يجوز ان يمر هذا الموضوع دون التعليق عليه، وفي لبنان كل شخص يحق له التعبير بحرية عن رأيه ضمن القوانين، فالموقوفون في لبنان موقوفون بجرائم عدلية». من جهته، سخر دانيال شعيب، شقيق المخطوف عباس شعيب، من النائب عقاب صقر الذي «يدعي بأنه يساعد مع ما يسمى بالثورة السورية، إنسانياً، منذ نحو عامين. أيعقل ألا يتجاوبوا معه في طلب بسيط، مثل الإفراج عن المخطوفين، بعد كل ما قدمه من مساعدات لمن يسمون أنفسهم ثوارا؟ مللنا هذه التجارة الرخيصة بعواطفنا».
هكذا، مع دخول عملية الخطف شهرها الثامن، لا يجد أهالي المخطوفين حراكاً رسمياً حقيقياً لقضيتهم، اللهم باستثناء مؤتمر صحافي، عقده أربعة وزراء، جهدوا فيه بالقول إن... «لبنان دولة».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه