المسألة في البحرين لم تعد موضوعاً داخلياً بحرينيا، وانما تحولت الى مسألة اقليمية - دولية تعقد المناخ المتوتر أصلاً في العلاقات الاقليمية، والسعودية تتعامل مع الوضع في البحرين وكأنه شأن داخلي.
كتب علي عبادي
الى اين تسير الاوضاع في البحرين ؟ سؤال كبير لم يعد يخص اهل هذا البلد وحدهم منذ ان دخلته قوات درع الجزيرة بداعي "حماية المنشآت". السعودية على وجه التحديد تتعامل مع الوضع في البحرين وكأنه شأن سيادي داخلي وهي لا تتقبل اية مطالبة بانسحاب قواتها منها ، معطية ًالانطباع بقصد او بدون قصد بأن حدود دول مجلس التعاون الخليجي لا تقبل مطالبات ديمقراطية من نوع إحلال ملكية دستورية وأن ما "يصيب" دولة من دولها في هذا الشأن يصيب الجميع. كما انها تتمسك "بالورقة البحرينية" في ما تعتقد انها مواجهة مفتوحة مع "النفوذ الايراني" . على ان هناك من يناقش في مسألة النفوذ هذه : الى اي مدى هي واقعية؟ وهل هي مبرر كاف لوضع دولة كبيرة يدها على دولة اخرى رغماً عن أنف شعبها او في مواجهة مطالب داخلية بحتة ، وهذا ما يخالف تصريحات مسؤولين خليجيين ومنهم وزير الخارجية الكويتي عام 1984 (امير الكويت حاليا ) الشيخ صباح الاحمد الصباح حين اكد ان قوات درع الجزيرة ليست لها وظيفة داخلية بل ينحصر اهتمامها بمواجهة التهديدات الخارجية لدول مجلس التعاون.
هذه المقدمة ضرورية لفهم ما يجري الآن، فالمسألة لم تعد موضوعاً داخلياً بحرينياً ، وانما تحولت الى مسألة اقليمية - دولية تعقد المناخ المتوتر أصلاً في العلاقات الاقليمية. واذا كانت السعودية تريد ان تساعد حكومة البحرين على اعادة الإمساك بالوضع، فهي لا تساعد عندما تمنح هذه الحكومة تغطية مفتوحة تتصرف فيها كأنها وكيل امني يسدّ كل أبواب الحل ويذهب الى تحدي الناس في شعائرهم الدينية ومساجدهم، وليس فقط في مطالبهم السياسية. الوضع ينطوي على قدر من الرعونة لا نظن ان السعودية تخفى عليها عواقبه وارتداداته ، وها نحن نشهد ما يجري في السعودية نفسها حيث أضحى علم البحرين شعارا وقضية ضمير للكثير من المتظاهرين الذين يريدون خروج قوات بلادهم من البحرين.
من مصلحة السعودية ان لا تشكل غطاء لما يُرتكب من انتهاكات مريعة توحي وكأن الرياض موافقة على تحول رجال الامن "مُطوِّعين" غايتهم التصدي لمن يخالفهم في المذهب!
حكومة البحرين تتعامل مع الوضع حالياً بذهنية "المنتصر" على شعبها ، وعقلية ُ "الفاتح" تتحكم بالاجهزة الامنية والعسكرية : هدم للمنازل والمساجد وسلب وبطش حتى بـ"الأسرى" من المحتجين الذين يساق بعضهم الى التحقيق- او يسلم نفسه لا فرق - ثم يعاد الى أهله جثة هامدة.
لا دولة تتصرف مع شعبها بهذه الطريقة ، والا انتفت معاني الوصاية والرعاية وأضحى الناس في حِلّ من من اي ارتباط بها .هكذا تفتح الدولة امام مواطنيها باب "العقوق" او التمرد لأنها لم تعد دولتهم بل دولة ناس آخرين ، والحديث الشريف يقول : "رحم لله من أعان ولد على بره" ، فهي السلطة اولاً ان تأخذ المبادرة في الحَل بدلاً من التوغل في نفق التصعيد والتأزيم مسؤولية.
من يأخذ الامور الى هذا المنحدر الرهيب في البحرين ؟ سؤال وجيه .
الملك لم يعد يسيطر على الوضع ، ولي العهد يطل بالمناسبات ، ورئيس الوزراء يتصدر الصورة : يقرر ويعطي التعليمات والتوجيهات ، ويزوره القريب والبعيد، حتى ولي العهد يبدو أسيراً لديه يزوره ليتفق معه على كيفية تنشيط الوضع الاقتصادي المتعثر . هذه الصورة تكتمل مع صورة "القبضة الحديدية" التي تنتهجها الاجهزة الامنية والعسكرية، ومع المعطيات التي أفادت سابقاً عن وقوف رئيس الوزراء وراء سياسة التشدد مع المعارضة ورعايته التجنيس الهادف الى تغيير تركيبة البلاد السكانية لغايات سياسية.
ولا تترك حكومته فرصة إلا وتدفع فيها الامور ناحية الطلاق مع الشعب ، ومن ذلك اعلان وزارة العدل عن رفع دعوى لحل جمعيتي الوفاق والعمل الاسلامي . خطوة اعترض عليها وزير الخارجية الذي يقف في جناح آخر من العائلة الحاكمة يرى في جمعية الوفاق "شريكا مستقبليا" محتملا.
لا أحد في السلطة يتحدث الآن عن الحوار، حتى ولي العهد يكتفي بتعهد خجول غامض بالمضي في "الاصلاحات" . لكن كيف يتم الاصلاح من دون حوار وطني ومن دون شريك ، والأهم من دون الاعتراف بضرورة حصول تحول يتيح قدرا من المشاركة في السلطة ؟ هل هو مطلب فيه الكثير من المثالية واللاواقعية ؟
ثمة مؤشرات اخرى على بلوغ الوضع مرحلة تقرب من نقطة اللاعودة : جمعية الوفاق التي تتمسك بالحوار وتنشد التغيير السلمي الديمقراطي تحت السقف الملكي باتت تلمح الى انها لا تضمن ان الاحتجاجات ستبقى سلمية في حال استمرت السلطة في نهج القمع، الاقتصاد البحريني تراجع وثمة محاولة لاعادة عجلة العمل في اجهزة الحكومة ولكن من دون نجاح يذكر، في ظل حملة تطهير بحق الموظفين الذين ُيشتبه بمشاركتهم في التظاهرات. رئيس الوزراء يصنف الناس "موالين" و"غير موالين" ، فيقرر "إعطاء الاولوية " للأولين ، ويتعهد بمعاملة شديدة للآخرين . يبدو هنا ان رئيس الوزراء قرر ( طبعاً ليس لوحده في ظل الدعم الذي يلقاه) ان الحكومة ليست مسؤولة عن توفير اي نوع من الخدمات او الأمن لمن لا يلقي اليها عهد الطاعة المطلقة .
الموقف الاميركي يترك للعناصر المحلية والاقليمية هامشا واسعا من التصرف ويكتفي بإبداء توجيهات اشبه بالمواعظ غير الملزِمة ، ما دامت اللعبة لم تخرج عن حدود نفوذه ، وما دام الشعار المرفوع حاليا : محاربة نفوذ ايران اولوية لا تعادلها اولوية اخرى.
تبقى اشارة اخيرة الى تصريحات لوزير خارجية البحرين تحمل مغزى كبيرا ، حين تحدث عن "انقسام طائفي" في بلاده ، ليعترف ضمناً بأن الازمة داخلية وليست خارجية كما تقول بعض دول الخليج ، وهو كان يحاول تبرير فرض حالة الطوارئ التي تصادر كل الحريات وترجئ الاصلاحات وتوفر ذريعة لوضع البحرين تحت الوصاية السعودية المباشرة ،والأهم في هذه التصريحات ان الوزير قال اننا ظننا انها "قصة نجاح"، قبل ان يكتشف انها ليست كذلك . ويقودنا الوزير الى الاستنتاج ان البحرين تحولت في وضعها الراهن عبئا على السعودية اقتصاديا وسياسيا وامنيا ، اي الى "دولة فاشلة" .
الجزء الأول من "معايير مزدوجة"