29-11-2024 01:40 AM بتوقيت القدس المحتلة

كيف يخدع "المنجّمون" الكثيرين، وما هي مصادر "تنبّؤاتهم"؟!

كيف يخدع

يلعب المنجّم دور صحافي التحقيقات، ويستغلّ المنجّم عدم إطلاع العموم على كل الأخبار في كل الوقت، لإطلاق تنبّؤات، ما هي في الواقع إلا مجرّد متابعة دقيقة لأصغر الأخبار

حب معرفة ما تخبأه الأبراج تسيطر على الناس البسطاءفي نهاية كل عام، تمتلئ رفوف المكتبات بكتب الأبراج، وتستضيف وسائل الإعلام الإلكترونية والمسموعة والمرئيّة، من يُصنّفون في خانة "المنجّمين" ليُتحفونا بالرؤى القريبة والبعيدة المدى في شتّى أمور حياتنا المستقبلية!.. وإذا كان بعض المنجّمين المبتدئين مضحكين بأقوالهم وبتنبّؤاتهم، فإنّ الأكثر ذكاء وخبرة من بينهم، يملكون ما يلزم لخداع فئات واسعة من المجتمع، بتسهيل ودعم من قبل عدد من وسائل الإعلام الواسعة الإنتشار. فكيف يتم ذلك، وما هي مصادر "التنبّؤات"؟..


أوّلاً: يلعب المنجّم دور صحافي التحقيقات، بحيث لا يكتفي بما يسمعه من هنا أو من هناك، بل يبذل جهداً لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات. فإذا كان معدّو النشرات الإخبارية التلفزيونية والإذاعية يختارون بضع عشرات من الأخبار، ويتجاهلون الباقي لضيق الوقت، فإنّ المنجّم لا يُسقط في قراءته أيّ خبر. وهو - إذا كان محترفاً طبعاً - يتابع أكبر عدد ممكن من الجرائد والمجّلات والمواقع الإخباريّة المحلّية والأجنبيّة، ويسجّل المعلومات بشأن الأخبار المميّزة والمثيرة، مثل المحاكمات القضائية، والجرائم، وأخبار الطلاق والخيانات، والمشاكل الصحّية، إلخ.

ويستغلّ المنجّم عدم إطلاع العموم على كل الأخبار في كل الوقت، لإطلاق تنبّؤات، ما هي في الواقع إلا مجرّد متابعة دقيقة لأصغر الأخبار. وعلى سبيل المثال، فلنفترض أنّ المنجّم وقع خلال بحثه وقراءاته على خبر مفاده أنّ الحكم القضائي بحق إثنين من أعضاء الحزب الديمقراطي الأميركي متّهمين بالإختلاس، سيصدر في شهر نيسان المقبل، وأنّ فرصهم بالبراءة ضعيفة. وهذا الخبر الذي لا تذكره وسائل الإعلام المحلّية، إلا عند صدور الحكم وبشكل ثانوي في أفضل الأحوال، يحفظه المنجّم. ثم يقول عند إعلان تنبّؤاته، أنّ هزّة سياسية – قضائية ستضرب الرئيس الديمقراطي في الربيع المقبل! وعند صدور الحكم بالإدانة، وحصول بلبلة سياسية وإعلامية في أميركا، سيُذهل متابعو المنجّم، في حين أنّ المسألة معروفة سلفاً من قبل الصحافيّين المتخصّصين.


المنجمون هو اكثر من يتتبع الاخبار اليومية بتفاصيلها ثانياً: إنّ المنجّم المحترف يدفع ثمن تنبّؤاته. مثلاً، في حال أوردت إحدى المجلات الفنّية أنّه من المرتقب حصول طلاق بين فنّان مشهور وزوجته من دون أن تذكر الإسم، يقوم المنجّم، بفضل شبكة علاقاته الصحافية والإعلامية، بمعرفة من هي الشخصيّة المعنيّة.

 وهو لا يتردّد بدفع ثمن كل خبر مميّز يحصل عليه من أيّ مصدر كان. وبالتالي، إذا كان خبر المجلّة الصحيح بقي مبهماً للقرّاء، والذين عادة لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف قارئ، فإنّ المنجّم يحصد النجاح والشهرة عبر إعلانه أنّ الفنّان الفلاني يمرّ بمطبّ عائلي خطير نتيجة تأثير كوكب الزهرة عليه، على سبيل المثال! ..


ثالثاً: يلعب المنجّم دور المحلّل السياسي، حيث أنه ينطلق من أحداث ومعطيات قائمة، ويغوص في عمقها، ويحلّلها، ويحاول الوصول إلى نتيجة ممكنة لخط بياني من الأحداث المتلاحقة. فكما أنّ المحلّل السياسي يقول إنّ هذا النظام سيسقط أو يصمد، أو هذا المرشّح سينجح أو يرسب، بناء على تحليله للمعطيات المتوفّرة، فإنّ المنجّم يقوم بالدور نفسه تحت راية التنجيم وليس التحليل! والمضحك – المبكي أنّ تنبّؤات المنجّمين مرتبطة مباشرة بإنتمائهم السياسي، فنرى مثلاً المنجّم المؤيّد لخط قوى "8 آذار" لا يرى سقوطاً للنظام السوري، في حين أنّ المنجّم المؤيّد لخط قوى "14 آذار" يتوقّع سقوط هذا النظام في المستقبل القريب! ..


رابعاً: إنّ المنجّم المحترف لا يُطلق تنبّؤات يمكن أن ترتدّ عليه فشلاً ذريعاً في المستقبل، حيث يُبقي كلامه غامضاً وعمومياً. فيقول مثلاً "إنّ خطراً يلاحق الشخصيّة الفلانية"، وبالتالي إذا جرى إغتيال الشخص المعني أو زلّت قدمه في الحمّام، يكون المنجّم مصيباً، وهو قد يذكر بضعة أسماء مدعياً أنها في خطر، وذلك من بين لوائح التهديد الفعليّة المعروفة من قبل وسائل الإعلام! ويقول المنجّم مثلاً "أرى بكاء وحزناً بين جَمع من الفنّانين"، بحيث تصدق تنبّؤاته بمجرّد وفاة أيّ فنّان من الفنّانين المسنّين الكثر أو الذين يعانون من مشاكل صحّية خطيرة! ويقول المنجّم أيضاً، ودائماً على سبيل المثال لا الحصر، إنّ "غيمة سوداء" فوق منطقة معيّنة، بحيث إذا وقع حادث سير أو ضربت هزّة أرضيّة ضخمة المنطقة، يكون مصيباً بتنبّؤاته!...


خامساً: يستفيد المنجّم من التسويق الإعلامي الكثيف الذي تؤمّنه له وسائل إعلام مشهورة، هدفها الربح المادي، نتيجة إرتفاع نسبة مشاهدة هذا النوع من التنبّؤات، إمّا بداعي الحشريّة أو نتيجة بساطة الطباع! وتقوم هذه الوسائل بأعمال "مونتاج" عدّة، وبتحوير للحقائق والمعطيات، لتبدو تكهّنات المنجّم صحيحة. فإذا تحدّث عن كارثة جويّة، يتم عرض سقوط طائرة في زيمبابوي للدلالة على صحّة تنبّؤاته، علماً أنّه في كل سنة يسقط أكثر من طائرة في أكثر من مكان في العالم! وإذا تحدّث عن خضّة في المجلس النيابي، يتم عرض تلاسن بين نائبين، وهو حدث يتكرّر عشرات المرّات في السنة الواحدة، إلى ما هنالك من أمثلة. من جهة أخرى، وبعد أن فشلت الكثير من التكهّنات السابقة، نتيجة سوء تحليل وإستنتاج، أصبح بعض المنجّمين يحمي نفسه أكثر ويتجنّب الوقوع في الخطأ، عبر القول إنّ تنبّؤاته ليس لسنة واحدة، بل تمتد إلى فترة زمنيّة أطول، بحيث يضيع المتابع بين التنبؤات السابقة والحالية، ونتائج كل منهما!..


لا يعلم الغيب الا الله سبحانه وتعالى

في الخلاصة، لا شك أنّ الكثير من المنجّمين، خاصة من يدّعون الرؤى السمعيّة – البصريّة، وربما الثلاثية الأبعاد أيضاً (3D)، يكسبون الكثير من الأموال من جيوب من يزورهم على مدار السنة للمشورة ولكشف الغَيب. والمؤسف أنّ الكثير من الأشخاص يقعون ضحيّة دَجَل هؤلاء، نتيجة قلّة الثقافة والإيمان بأمور لا أسس علميّة لها، إضافة إلى كونها مناقضة للشرائع السماوية، وبفعل وجود الكثير من البسطاء. وإذا كان العلم والثقافة الشخصيّة غير متاح للجميع، فإنّه من المعيب تسويق الخداع على العموم، عبر وسائل الإعلام المشهورة.

والمطلوب بالتالي، التكاتف لمواجهة هذه الظاهرة، والضغط لإصدار قوانين تعاقب ممارسي التنجيم ومسوّقيه أيضاً. فإذا كان البعض يجد هذه الظاهرة ممتعة ومسلّية، فإنّ الكثيرين يقعون ضحيّة خداع ممارسيها ومروّجيها!..

موقع النشرة الالكتروني