30-11-2024 02:42 AM بتوقيت القدس المحتلة

حصاد البيدر الفلسطيني ...

حصاد البيدر الفلسطيني ...

تقترب لحظات انبلاج فجر عام جديد يتطلع اليه العالم الحر قاطبة بأن يحمل في طياته بذور الامل المتجدد نحو غد أفضل تنتهي به فصول الظلم الذي طال أمده عقود من الزمن بسبب المفاهيم الخاطئة القائمة


محمد السودي

تقترب لحظات انبلاج فجر عام جديد يتطلع اليه العالم الحر قاطبة بأن يحمل في طياته بذور الامل المتجدد نحو غد أفضل تنتهي به فصول الظلم الذي طال أمده عقود من الزمن بسبب المفاهيم الخاطئة القائمة على الاستبداد وغطرسة القوة الغاشمة التي تسلكها الدول المهيمنة ظنا منهم بأنها ستجلب الاستقرار والامن الدوليين على حساب الشعوب المقهورة بالرغم من وضوح مسار حركة التاريخ التي أثبتت استحالة تفوق نظرية القوة او العنصر امام ارادة الحرية والتحرر من اغلال الاحتلال والنهب المنظم لمقدرات الشعوب مهما طال الزمن .

إنقضى عام اخر كان متخما بالاحداث الدراماتيكية منها ما هو كارثي نتيجة تداعيات المرحلة الانتقالية التي تشهدها المنطقة العربية اثر انتفاضة الشعوب ضد تسلط الانظمة المستبدة ما زالت مفاعيلها مستمرة للعام الثاني على التوالي بعد دخول عوامل سلبية كامنة ركبت موجة وميض الثورات باتجاهات متشعبة بعيدة عن الاهداف المأمولة التي انطلقت من اجلها ،  غير ان هذه المفاعيل لن تستكين طالما لا تلبي متطلبات الحد الادنى للاغلبية الساحقة الذين كابدوا ويلات الحرمان والتهميش على أرصفة القلة الباغية .

إن طريق التغيير السلمي المنشود نحو بناء مجتمعات عربية ديمقراطية تعددية توفر تكافؤ الفرص للجميع اخذ بالتلاشي رويدا رويدا ، جراء التدخلات الخارجية واسقاط الاجندات الدولية والاقليمية عليها بما يحفظ مصالحها الجيواستراتيجية في المنطقة خاصة الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل بغض النظر عن ما هية القوى الجديدة الحاكمة حيث عقدت معها صفقات مشبوهة لقاء ضمان الدعم السياسي والاقتصادي وبقاءها على رأس السلطة ، مما يؤكد مرة اخرى سرعة تغيير جلد الدول الكبرى التي كانت من اشد حلفاء الانظمة المستبدة ، وبالتالي فان امكانية تأثير الثورات العربية بشكل ايجابي تعزز القضايا العربية عموما والفلسطيني بشكل خاص في المدى المنظور لا زال بعيد الاحتمال على الاقل خلال العام الجديد المثقل باعباء الملفات المرحلّة شديدة التعقيد .

لاشك ان الملف الفلسطيني الذي يشكل مفتاح الحرب والسلام العالمي يبقى الابرز من بين الملفات الاخرى وعليه يتحدد مستقبل الاستقرار في المنطقة من عدمه ، حيث لا تبدو ملامح انفراج تلوح بالافق القريب ، إذ ينهمك قادة الاحتلال بالمشهد الانتخابي للكنيست في ظل الجنوح نحو العنصرية اساسه التنكر للحقوق الفلسطينية من اجل كسب اصوات غلاة المستوطنين الاكثر تطرفا حيث يتوقع فوز معسكر اليمين " الليكود بيتنا والحريدم " بهذه الانتخابات حسب مراكز استطلاعات الرأي الاسرائيلية ، كما يتزامن مع تشكيل اركان الادارة الامريكية الجديدة الامر الذي يجعل من اي تحرك سياسي ذو جدوى خلال الربع الاول من العام الجديد غير واقعي بعد انسداد الافق السياسي نهائيا بسبب تهرب حكومات الاحتلال من الالتزامات المترتبة عليها تجاه عملية التسوية من جهة والانحياز الامريكي الكامل لمخططات الاحتلال الرامية الى شطب الحقوق الوطنية الفلسطينية من جهة اخرى ...

لقد شكل العدوان الغاشم على قطاع غزة بداية تحول في الصراع الدائر مع قوات الاحتلال بعد الفشل الذريع في محاولته البائسة عسكرة المجتمع الدولي باتجاه ما تعتبره الخطر الداهم القادم من ايران محوره البرنامج النووي السلمي الذي تسعى ايران امتلاكه لاغراض انتاج الطاقة بعد تحويل الانظار عن جرائمها المتواصلة ضد الانسان الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته وتغيير الملامح الجغرافية والتاريخية للارض الفلسطينية التي تشهد حركة استيطان استعماري بوتائر متسارعة لم يسبق لها مثيل ضاربة بعرض الحائط استنكار واحتجاجات الدول الاربع عشر الدائمة العضوية باستثناء الولايات المتحدة بالاضافة لكل التكتلات الدولية الاخرى المتمثلة بالاتحاد الاوروبي ، ودول عدم الانحياز والاتحاد الافريقي وغيرهما الكثيرون ، الامر الذي دعا قادة كبار وسياسيين مخضرمين ومفكرين اكاديميين اسرائليين يحذرون من سلوك رئيس حكومة المستوطنين بأنه يقود اسرائيل نحو الهاوية والعزلة الدولية المتزايدة ، اضافة الى تفاقم الازمة الاقتصادية الاجتماعية الداخلية التي جعلت نسبة 37 % من المستطلع اراؤهم يفكرون بالهجرة لتحسين اوضاعهم الاقتصادية في سابقة هي الاولى تؤكد تآكل فكرة الارتباط بالصهيونية للجيل الجديد مع تقييد حرية حركة الاحتجاجات وتراجع الحريات العامة ، وبالتالي كشفت نتائج العدوان على قطاع غزة هشاشة البنية الاجتماعية وزيف الادعاءات الاحتلالية عن قوتها التي لا تقهر وجاهزيتها لشن الحروب على اكثر من جبهة .

ان الانجاز الفلسطيني الاستراتيجي بالحصول على مكانة الدولة غير العضو في الامم المتحدة بالاغلبية الساحقة من دول العالم ما عدا حلفائها التقليديين الذين لا يتجاوز عددهم اصابع اليدين اظهر بما لا يدع مجالا للشك مدى العزلة الحقيقية للسياسات الامريكية في المنطقة وهي رسالة قوية ينبغي قراءتها بموضوعية تامة مفادها ان العالم ضاق ذرعا من سلوك الازدواجية المقيته التي يتعاملون بها تجاه قضايا الشعوب في الوقت الذي يتم استثناء اسرائيل من الادانة على جرائمها التي ترتقي فوق مستوى جرائم الحرب ضد الانسانية من خلال توفير الحماية لها ومشاركتها بشكل مباشر بالعدوان على حقوق الشعب الفلسطيني وممارسة شتى انواع الضغوط على الدول التي تدور في فلكها بما فيها الدول العربية التي وعدت بتوفير شبكة امان عربية في حال اقدمت حكومة الاحتلال على اجراءات عقابية اثر حصول فلسطين على مرتبة الدولة غير العضو ، غير ان واقع الحال يؤكد نجاح الادارة الامريكية حتى الان منع وصول المساعدات العاجلة نتيجة سرقة الاموال الفلسطينية المجباة وهي تندرج ضمن اطار العقوبات الجماعية لحرمان الشعب الفلسطيني من ابسط مقومات الحياة الانسانية .

وفرّ العدوان الهمجي على قطاع غزة مناخ مثالي لم يسبق له مثيل لاجل تخطي عقدة المصالحة الفلسطينية التي ظلت تراوح مكانها سنوات عديدة حيث استعادت الوحدة الوطنية الشعبية ألقها في مواجهة العدوان مما اذهل قادة الاحتلال من سرعة التحرك الذي أبدته مختلف مكونات الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده ، الامر الذي فرض لغة تصالحية استثناية لكنها حذرة خشية ان تكون مؤقته تنتهي تدريجيا من خلال الاصطدام بجدار المصالح الفصائلية الضيقة وهو ما بدا واضحا الايام القليلة الماضية التي تعيد بالذاكرة اجواء الشحن والتوتر ثم التراجع ، تعتمد سياسة جديدة تتناقض فيها الاقوال مع الافعال لاستثمار حالة الانقسام الى ابعد مدى ممكن حيث تؤكد نوايا البعض امكانية السيطرة على المؤسسات الفلسطينية عامة ومنظمة التحرير الفلسطينية بشكل خاص من خلال محاصصة جديدة تمليها ظروف ما بعد العدوان وكذا الاجواء الدولية والعربية وحتى الاسرائيلية الضالعة بالمخططات الامريكية مضمونها اضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية وتكريس حالة الانفصال من خلال مغازلة طرف على حساب طرف اخر بينما يكون المشروع الوطني برمته اكبر الخاسرين في تلك المعادلة الخطيرة لذلك لا بد من مراجعة حقيقية لمجمل الاداء الفلسطيني يستند الى عوامل استنهاض الطاقات الكامنة لدى الشعب الفلسطيني وتصعيد المقاومة الشعبية الشمولية واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني على قاعدة التمثيل النسبي الكامل بغض النظر عن المواقف الانتظارية تعيد اللحمة والوحدة ويحرر الاسرى الابطال من قيود الاحتلال الى فضاء الحرية ، الامر الذي يتطلب توحيد الجهود والمؤسسات ذات العلاقة بالقدس والاسرى ورسم السياسات الوطنية وهكذا يتضح جليا حجم البيدر الفلسطيني الضخم ... لكن موسم الحصاد لم يحن وقته بعد ...

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه