30-11-2024 02:44 AM بتوقيت القدس المحتلة

معركة الدولار بين مرسي والدولة: إمـا السـيـطـرة... أو التـدمـيـر!

معركة الدولار بين مرسي والدولة: إمـا السـيـطـرة... أو التـدمـيـر!

على أبواب أحد محال الصرافة في وسط القاهرة يقف محمود (٣٥ عاماً)، العامل في شركة الصرافة، ليستبق زبائنه بسؤالهم «معاك دولار؟ اشتري منك بسعر كويّس».


احمد عبد الفتاح

على أبواب أحد محال الصرافة في وسط القاهرة يقف محمود (٣٥ عاماً)، العامل في شركة الصرافة، ليستبق زبائنه بسؤالهم «معاك دولار؟ اشتري منك بسعر كويّس».
 
يبحث محمود، كمعظم أبناء مهنته، عن الدولار بشغف في ظل انخفاض كبير في سعر الجنيه المصري، وزيادة الطلب على الدولار، خاصة من قبل قطاعات المال والأعمال في مصر.
 
محمود كغيره من العاملين في مجال الصرافة يسعى لتوفير كميات كبيرة من الدولار لزبائنه الذين يسعون لشرائه بأسعار مرتفعة في ظل مخاوف من انهيار الجنيه المصري.
 
صراع الجنيه والدولار طغى على المشهد المصري بقوة، ووصل الأمر إلى حد نشوب خلافات بين مؤسسة الرئاسة والمصرف المركزي المصري، في مشهد أقرب ما يكون إلى حرب تصريحات بين المؤسستين، ففي حين تحدث الرئيس المصري محمد مرسي عن ازدياد أعداد السياح القادمين إلى مصر، خرج محافظ المصرف المركزي ليؤكد ان دخل مصر من السياحة قل بنسبة 30 في المئة. وفي حين تحدث مرسي عن زيادة الاستثمارات الوافدة من الخارج، وأكد ان أزمة الدولار أزمة مؤقتة، تحدث محافظ المصرف المركزي عن انحسار شديد في تدفق الاستثمارات، وانخفاض قياسي في احتياطي العملة الأجنبية، ما دفع المصرف المركزي المصري إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لمعالجة الأزمة.
 
وبينما كانت قيادات «إخوانية» تطلق تصريحات عن مسؤولية المصرف المركزي عن جنون الدولار، كشفت مصادر اقتصادية عن تخوفاتها من دور غامض لأصحاب شركات الصيارفة المرتبطين بـ«الإخوان» (وهم يمثلون في بعض التقديرات ٨٠٪ من العاملين في سوق الصرافة) في إعادة السوق السوداء إلى سوق العملات.
 
ويبدو ان هذه جولة جديدة في الصراع بين نظام مرسي مع مؤسسات الدولة التي تتم تحت شعار إما السيطرة أو التدمير... خاصة بعد فشل العثور على بديل للدكتور فاروق العقدة المحافظ الحالي.
 
يقول محمود «أتعجب من ما يحدث... أذكر جيداً ماذا جرى في منتصف التسعينيات عندما بدأت العمل في مجال الصرافة مع والدي. حينها كان الدولار لا يتعدى الثلاثة جنيهات ونصف الجنيه، وكان أبي يحكي لي كيف كان الدولار يساوي ١٥٠ قرشاً في العام ١٩٩٠. أما الآن فقد وصل إلى ستة جنيهات ونصف الجنيه في زمن قياسي».
 
تاريخ الجنيه المصري مع الدولار ممتد، فبالرغم من أن الجنيه لم يرتبط رسميا بالدولار قبل العام ١٩٦٢، إلا ان علاقة العملة المصرية بالعملة الأميركية كانت أقدم من ذلك التاريخ بكثير، فالإشارة الأولى التي وردت بشأن سعر صرف الجنيه أمام الدولار تعود إلى العام ١٩٣٩، حين كان الدولار يساوي وقتها ٢٠ قرشاً، وكان السبب حينها وراء ارتفاع قيمة الجنيه، ربط أسعار العملات بالذهب، إذ كان مخزون مصر من الذهب كبيرا، ويستطيع أن يغطي قيمة قوية للعملة المصرية.
 
في العام ١٩٦٢ تم فك الارتباط رسميا بين الجنيه المصري والجنيه الإسترليني وربط الجنية بالدولار عند مستوى ٢.٣ دولار لكل جنيه مصري، ثم تغير سعر الصرف في العام ١٩٧٣ إلى ٢.٥٦ دولاراً لكل جنيه مصري بعد انهيار الدولار غداة حرب أكتوبر. وفي العام ١٩٧٨ تغير سعر الصرف إلى ١.٤ دولاراً لكل جنيه، وذلك بعد انخفاض قيمة الجنيه، وتم تعويم الجنيه جزئيا في العام ١٩٩٨ بحيث أصبح الدولار يساوي ٣.٣ جنيهات، إلا أن المصرف المركزي كان مسيطرا على الصــــرف الأجنبي، حيث ظــــل يحافظ على قيمة شبه ثابتة للجنيه، إلى أن تم تعويمه بشكل كامل في العام ٢٠٠٣.
 
يذكر محمود جيدا ما حدث في العام ٢٠٠٣، حين استيقظ سوق الصرافة ليجد أن الدولار أصبح قريباً من حاجز الستة جنيهات، بعدما كان يحوم حول الأربعة جنيهات ونصف الجنيه. وقتها خرجت حكومة أحمد نظيف لتعلن أنها عوّمت الجنية بشكل كامل بعدما كانت حكومة عاطف عبيد قد عومته بشكل جزئي في العام ١٩٩٨. وقصد بالتعويم حينها تحرير سعر الصرف للجنيه المصري بحسب حجم العرض والطلب عليه في التجارة الداخلية والخارجية، وبذلك يتحول الجنيه المصري من كونه مجرد عملة إلى سلعة مثمنة في حد ذاتها.
 
لم يعرف معظم المصريين وقتها معنى تعويم الجنية ولم يفهموه، لكنهم كرهوا ما حدث بشدة بعد ارتفاع أسعار معظم السلع المسـتوردة، ما أثر سلباً على حياتهم.
 
يقول محمود «أعجب ما في الأمر أنني لم أشهد ارتفاعا واحدا حقيقيا وملموسا للجنيه أمام الدولار طوال عمري، فغالباً ما يرتفع الدولار أمام الجنيه ولا ينخفض أبداً. وبالرغم من سماعنا المستمر عن الأزمات الاقتصادية العالمية كما حدث في العــام ٢٠٠٨ وانخفاض سعر صرف الدولار في العالم كله إلا أننا في مصر لم نشعر تقريبا بهذا الانخفاض، بل نشعر دائماً بالارتفاع فقط».

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه