عاد القضاء المصري مجدداً الى خط الأزمة مع السلطة الحاكمة على أكثر من مستوى، أولهما الهجوم الذي شنته المستشارة تهاني الجبالي، التي استبعدت من منصبها كنائبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، على الاخوان
محمد فوزي
عاد القضاء المصري مجدداً الى خط الأزمة مع السلطة الحاكمة على أكثر من مستوى، أولهما الهجوم الذي شنته المستشارة تهاني الجبالي، التي استبعدت من منصبها كنائبة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، على جماعة «الإخوان المسلمين»، واتهامها قياداتها ونوابها بالسعي للنيل من المؤسسة القضائية، وثانيهما إصرار أعضاء النيابات العامة على إقالة النائب العام المستشار طلعت عبد الله، الذي عينه الرئيس محمد مرسي مؤخراً خلفاً للمستشار عبد المجيد محمود.
يأتي ذلك، في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع حكم المحكمة في الخامس عشر من كانون الثاني الحالي في الدعاوى المطالبة بحل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور الجديد للبلاد.
وعقدت نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشارة تهاني الجبالي مؤتمراً صحافيا حذرت فيه من أن ثمة نية مبيتة من جانب جماعة «الإخوان المسلمين» للنيل من المحكمة الدستورية وقضاتها.
وقالت الجبالي ان هذه النية ظهرت من خلال مشاريع القوانين التي تقدم بها نواب «حزب الحرية والعدالة» الحاكم في مجلس الشعب المنحل، والتي كانت تحاول النيل من المحكمة الدستورية وتقليص صلاحياتها، ومن خلال النصوص المنظمة لعمل المحكمة في الدستور المصري الجديد، الذي استبعد عن المحكمة ستة مستشارين عرف عنهم مناهضة تحركات «الإخوان» ضد المحكمة ومستشاريها.
وبررت المستشارة السابقة في المحكمة السبب الذي دفعها إلى عقد المؤتمر الصحافي، قائلة انه «ليس من أجل قضية شخصية... وإنما لإعلان شهادتي أمام التاريخ تجاه الدستور، وما حدث من عدوان على المحكمة الدستورية العليا خلال الفترة الماضية».
ووصفت الجبالي النص الخاص باستبعاد قضاة المحكمة بأنه «انتقامي»، ومخالف لكل الأعراف الدستورية، وينتهك حرمة مبدأ مستقر في الدستور، وهو عدم قابلية القضاة للعزل، مشيرة إلى أنها تتوقع ان يتم عزل قضاة آخرين في حال تعديل قانون السلطة القضائية وتخفيض سن تقاعد القضاة.
وأشارت الجبالي إلى أنها تقدمت بطعن أمام المحكمة الدستورية العليا ضد الدستور الجديد وضد إقصائها من العمل في المحكمة، مؤكدة ان اخطر ما تواجهه مصر الآن هو تهديد دولة القانون واستقلال القضاء، ومحذرة من أنه من دون تلك العناوين يغيب مفهوم الدولة الحديثة.
وقالت الجبالي، التي كانت محاطة بعدد كبير من رموز الحركة الوطنية والقانونيين، ان القدر ساقها لتقديم أول طعن ضد مشروعية وثيقة الدستور، مشيرة إلى أن الطعن تضمن الدفع أصليا بانعدام وثيقة الدستور لعدم مشروعيتها.
واعتبرت الجبالي أن وثيقة الدستور أريقت على جنباتها دماء، وتم حصار المحكمة الدستورية من اجل تمريرها، مشيرة الى ان المحكمة الدستورية العليا أصبحت كالأسد الجريح بعد تعرضها لذلك الحصار بخطة ممنهجة.
«لم نأت دفاعا عن المستشارة تهاني الجبالي، وإنما جئنا لندافع عن دولة القانون وعن القضاء وعن مصر ضد الطغيان والاستبداد وهدم المؤسسات». هكذا تحدث عدد من القانونيين وأساتذة القانون الدستوري الذين حضروا المؤتمر، حيث قال القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية الدكتور فؤاد رياض، إن أول عهود الاستبداد والطغيان هو الاعتداء على السلطة القضائية وهو ما حدث مع الجبالي والنيابة العامة.
ولم تتوقف المواجهة أمس على اتهامات الجبالي للنظام الحاكم، بل امتدت الى أزمة تعيين النائب العام طلعت عبد الله الذي عينه الرئيس مرسي مؤخرا، وإصرار أعضاء النيابة على رحيله، حيث أثار القرار المفاجئ الذي اتخذه أعضاء النيابة العامة بتعليق الإضــراب الكــلي عن العــمل في نيابات مصر، والذي كان مقــررا أن يبدأ تنفــيذه لمدة ثلاثة أيام تبدأ من أمس الثــلاثاء حتى غد الخميس، العــديد من التــساؤلات حول أسبابه والدوافــع التي أدت الى تأجيل تنفيذه والاكتفاء بالتعليق الجزئي.
وقالت مصادر قضائية ان أعضاء النيابة العامة اتخذوا قرارا بإرجاء تعليق العمل، بعدما أكد لهم عدد من أعضاء مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار محمد ممتاز متولي أن الأزمة الراهنة في طريقها إلى الحل وأن الوقت الحالي يشهد التفاوض بشكل جدي مع المستشار طلعت عبد الله لتقديم استقالته كحل نهائي للمشكلة، وأن مجلس القضاء الأعلى باتت لديه معلومات مؤكده بأن المستشار طلعت عبد الله يرغب في تقديم استقالته، لكنه غير راض عمّا سماه «سياسة لي الذراع» التي يستخدمها أعضاء النيابة العامة معه حيال تلك الأزمة.
وأشارت المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، إلى أنه من الصعب على النائب العام الاستمرار في المنصب بينما يرفض أعضاء النيابة التعاون معه، لا سيما أن العمل في النيابة العامة يعتمد على أعضائها بشكل كلي، واستمرارهم في رفض التعامل معه يعني توقف العمل بشكل تام.
لكن على الجانب الآخر، قال عدد من أعضاء النيابة العامة انهم تعرضوا لضغوط بهدف إجبارهم على عدم تنفيذ الخطوات التصعيدية التي توافقوا عليها خلال جمعيتهم العمومية الطارئة التي عقدوها يوم الأربعاء الماضي في مقر نادي قضاة مصر، والتي تعتبر أشد خطوات التصعيد، حيث رفعوا من خلالها سقف تصعيدهم بشكل يثير قلق المستشار طلعت عبد الله، بعدما اتهموا المجلس الأعلى للقضاء بالتخلي عنهم والوقوف في صف وزير العدل.
الضغوط التي يتحدث عنها وكلاء النيابة كانت قد ظهرت في بداية الأزمة، حيث اشتكى البعض من تأخر رواتبهم، وتهديدهم بالنقل إلى أماكن نائية، والتلويح بالاستعانة بالموظفين لتسيير العمل في حال إصرارهم على مواصلة الإضراب عن العمل.
بعودة القضاة من جديد الى واجهة المعارضة، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها البلاد، تجد السلطة نفسها في خندق ضيق أمام جبهة معارضة تتسع يوما بعد يوم وتتضامن معها شرائح كبيرة من المجتمع.