يقترن اسم تركيا اليوم بقضية المخطوفين اللبنانيين في سورية، سلسلة مواقف أُطلقت على مدار أشهر خلت حمّلت الدولة التركية المسؤولية مباشرة عن عملية اختطاف مدنيين لبنانيين عبروا الأراضي التركية
يقترن اسم تركيا اليوم بقضية المخطوفين اللبنانيين في سورية، سلسلة مواقف أُطلقت على مدار أشهر خلت حمّلت الدولة التركية المسؤولية المباشرة عن عملية اختطاف مدنيين لبنانيين عبروا الأراضي التركية في طريق العودة إلى وطنهم. يجزم أهالي المختطفين أن لتركيا الدور الأبرز والأكثر تأثيراً في عرقلة عملية الإفراج عن المختطفين ويلمّحون إلى دور لعبته دولة عربية أخرى. وفي مقابل رواية الأهالي، يتحفظ المسؤولون اللبنانيون عن الإشارة إلى تورط دول ما في القضية، إلا أن الملفت أن الإتصالات والتحركات التي باشرها المسؤولون اللبنانيون في إطار الجهود المبذولة للإفراج عن اللبنانيين لم تنشط إلا على خط بيروت – أنقرة وحده.. ما يطرح مزيداً من علامات الإستفهام حول علاقة تركيا بعملية الاختطاف.
في أيلول/سبتمبر المنصرم ومع إطلاق سراح المخطوف التركي تيكين توفان، انتشرت في الشارع اللبناني شائعات تحدثت عن صفقة تمت بين الجانبين اللبناني والتركي، على أن يتم مقايضة المواطنين التركيين بالمختطفين اللبنانيين في سورية. وأتى تصريح وزير الداخلية اللبناني مروان شربل يومها ليُدعّم ما تم تداوله في الشارع، عندما قال: "سوف نأتيكم بأخبار طيبة حول المخطوفين اللبنانيين في سورية".
أتت الشائعة لتعزز قناعة سادت في الشارع اللبناني مفادها أن "القصة بيد الأتراك"، فما حقيقة ما جرى يومها؟ وما دقة الحديث عن صفقة عُطلت لاحقاً بعد أن أخل الجانب التركي بوعوده؟
معلومات "موقع المنار" تقول إن أي صفقة لم يتم إبرامها بين الجانبين، بل إن ما جرى في عملية إطلاق سراح المواطن التركي لم يتعدَ كونه مساعٍ بذلتها الدولة اللبنانية يومها بمبادرة منها، على أمل أن يبذل الأتراك جهوداً أكبر في المساعدة لإطلاق سراح المختطفين في اعزاز.
وتضيف المعلومات أن الدولة اللبنانية في خطوتها تلك قامت بواجباتها وأن ما عبّر عنه وزير الداخلية كان تمنيات لا أكثر. وتؤكد بالمقابل أن للأتراك حسابات خاصة تحكم تعاطيها مع ملف المختطفين اللبنانيين، ليست مرتبطة بالدولة اللبنانية أو بأي جهة سياسية في البلد.
أُطلق سراح المواطنين الأتراك ونُفذت مذكرات توقيف بحق المتورطين بعمليات خطفهم، وعلى الجانب الآخر لم تسفر الاتصالات الرسمية بين الجانبيين اللبناني والتركي إلا عن إطلاق سراح إثنين من المختطفين على مدار الأشهر السبع الماضية. فلم يجد الأهالي بعدها إلا التهديد بتعطيل المصالح التركية، لكون تركيا تمثل اللاعب الأبرز والأكثر تأثيراً في قضية المختطفين، على حد تعبيرهم.
فعلامَ يستند الأهالي في تحميلهم الدولة التركية مسؤولية خطف أهاليهم؟
يؤكد أهالي المختطفين أن قائد ما يُسمى بـ "لواء عاصفة الشمال"، ويُعرف بـ "أبو ابراهيم" ليس إلا رجل تركيا الأول في اعزاز، كما سبق وصرّح عناصر من"حزب العمال الكردستاني" في سورية. ويجزم الأهالي أن للرجل إرتباط وثيق بجهاز الاستخبارات التركي.
في سلة الأهالي عدد من القرائن التي يقول هؤلاء إنها تُثبت بأن تركيا هي الجهة الراعية والداعمة لعملية خطف المدنيين اللبنانيين، أطلعنا عليها كلٍ من دانيال شعيب، شقيق المختطف عباس شعيب، وأدهم زغيب، نجل المختطف علي زغيب، في حديثين منفصلين خصّا بهما موقع "قناة المنار".
في حديثه، يكشف دانيال شعيب أن قرائن عدة استند إليها أهالي المختطفين لاعتبار تركيا المسؤول الرئيسي عن عمليات الخطف. ويتوقف عند قصة هرب عباس شعيب من مكان اختطافه، وتمكنه من دخول الأراضي التركية إلى أن وصل إلى مدينة عنتاب: "كنا نتواصل معه لحظة بلحظة، عبر جهاز خلوي تمكن من تهريبه معه.. كنا نسمع أصوات الرصاص حوله، قال الحاج عباس إنها تُطلق من قبل الخاطفين الذين لم يتمكنوا حينها من تحديد مكانه".
عندما وصل الحاج عباس إلى الأراضي التركية، سارع شقيقه للاتصال بوزير الخارجية عدنان منصور، الذي أجرى اتصالاً بالقنصل اللبناني في تركيا هاني شميطلي طالباً الاهتمام بالموضوع. شميطلي اتصل بالمختطف شعيب، وعاد بعدها لينسق مع المخابرات التركية للمساعدة على توفير مخرج آمن لشعيب، فكان أن تم إلقاء القبض عليه مجدداً من قبل الخاطفين.
"مكان الحاج عباس لم يتم تحديده بدقة الا بعد ما حصل جهاز المخابرات التركية على رقمه من خلال القنصل اللبناني"، بحسب شقيق شعيب.
ويقول دانيال إن من قصدوا أعزاز ذكروا بأن ما بحوزة الجهة الخاطفة من أجهزة وخطوط إتصال، أُمنها الأتراك، وأن مسلحي ما يُسمى بـ "لواء عاصفة الشمال" يتنقلون بحرية بين سورية وتركيا، بعلم السلطات التركية. وينقل عن المُفرج عنه عوض إبراهيم أن سيارة تابعة للمخابرات التركية دخلت اعزاز واصطحبته إلى تركيا عند الإفراج عنه.
وفي لقائهم مع السفير التركي في لبنان اينان اوزيلدز، لم يعلّق الأخير على ما عبر عنه الأهالي من قناعة بأن الجهة الخاطفة تتلقى الدعم والإمداد من تركيا، هذا ما يقوله دانيال شعيب، ويؤكده أدهم زغيب في حديث آخر.
"في البداية أكد السفير أن بلاده تبذل جهداً للمساعدة في حل هذه المشكلة، وأشار أن الأمن التركي سيلقي القبض على هؤلاء فور دخولهم الأراضي التركية.. ولكن عندما واجهناه بالحقائق، كان رده: هناك مصالح تجمعنا بالمعارضة السورية، وهناك دول أكبر منا متورطة بالقضية وتفرض علينا عدم ممارسة المزيد من الضغوط على الخاطفين"، يقول أدهم زغيب.
ويوضح أن ما فهمه الأهالي من لقاءهم مع اوزيلدز أن مصالح تركيا مع الجهة الخاطفة أهم من إطلاق المختطفين، إذ ان "هؤلاء يشكلون حماية للحدود التركية من أي هجمات قد ينفذها الأكراد أو غيرهم".
"ذهبتُ إلى أعزاز ورأيتُ التسهيلات التي منحها الأتراك لهؤلاء، وشاهدت كيف أن جماعة أبو ابراهيم تفرض سيطرتها بالكامل على معبر باب السلام الحدودي. وتحت مرأى الأمن التركي، يقف أبو ابراهيم على بُعد أمتار من الأتراك، ليراقب دخول وخروج الشاحنات والعابرين للحدود"، يضيف زغيب.
وعكس ما تدعيه تركيا أن أياً من الخاطفين لم يدخل أراضيها، دخل قائد ما يُسمى بـ "لواء عاصفة الشمال"، أبو ابراهيم، الأراضي التركية مستقبلاً زغيب ومن معه ليدخلهم برفقته إلى اعزاز، حسبما يفيد زغيب نفسه. ويضيف أن أحد قياديي المجموعة الخاطفة ويُدعى أحمد غزالة يعبر الحدود السورية-التركية بشكل يومي، وكان يقصد أحد فنادق مدينة كيليس التركية حيث نزل المختطف حسين عمر، والذي أُفرج عنه في وقت لاحق.
حديث زغيب دعمته معلومات نشرها موقع "الحقيقة" السوري المعارض، إذ ذكر الموقع في وقت سابق أن غزالة "تعرض لإصابات قاتلة في منطقة "إعزاز" شمال سورية، وهو يرقد حاليا في إحدى المشافي التركية". وتابع الموقع ان غزالة "المرتبط بأجهزة الاستخبارات التركية" ومجموعة المسلحين التي تسيطر على أعزاز يحظون بأهمية خاصة من قبل هذه الأجهزة.
دولة عربية متورطة أيضاً
وقناعة أهالي المختطفين بالتورط التركي لا تقل عن قناعتهم بتورط قطري في القضية نفسها. فشقيق المخطتف عباس شعيب يؤكد أن الدور القطري في القضية إنكشف منذ اليوم الأول، مفصحاً عن معلومات بحوزة الأهالي أكدت أن رئيس جهاز المخابرات القطري أحمد ناصر بن جاسم آل ثان كان يتواصل مع الجهة الخاطفة عبر جهة معينة. ويضيف "عندما ذكر أحد الحقوقيين المهتمين بقضيتنا هذه المعلومة للإعلام، تم استهدافه من قبل إحدى الوسائل الإعلامية المدعومة من قطر".
أما زغيب فيقول إن ما عزز قناعة الأهالي بتورط قطر هو تهديدها بطرد اللبنانيين، مشيراً إلى ان التهديد القطري أتى على قاعدة "كاد المريبُ أن يقول خذوني".
ورغم تورط قطر، لم يتعاطَ الأهالي مع مصالح الإمارة الخليجية كما حصل مع المصالح التركية، ويبررون ذلك بحرصهم على مصالح اللبنانيين المقيمين أو العاملين في قطر، وليقينهم أن لتركيا الدور الأكثر تأثيراً على هذه الجماعة المسلحة.
يكرر هؤلاء أنهم لن يعدموا وسيلة من شأنها أن تأتي بحرية أهاليهم. ورغم فقدانهم الثقة بما قد تحققه الاتصالات الرسمية، إلا أنهم علقوا تحركاتهم الأخيرة بناءً على طلب وزير الداخلية اللبناني مروان شربل لأسبوع، كمهلة أخيرة لما قد تسفر عنه الاتصالات. ويناشد الأهالي رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان بأن "ينحنى منحى أمير قطر الذي مارس ضغوطاً للإفراج عن مواطن قطري تم توقيفه في لبنان بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة، حتى أطلق سراحه في اليوم نفسه"، بحسب زغيب.
ويضيف "لمسنا غيرة الرئيس على المخطوفين الأتراك، طالب في اليوم نفسه باصدار مذكرات توقيف بحق الجهة الخاطفة. نحن نحترم هيبة الدولة، إلا أن هيبة الدولة تفرض عليه أيضاً أن يتعامل مع قضية المخطوفين اللبنانيين بالمعيار نفسه وبمستوى الاهتمام نفسه. واذا كان يريد بأن ينأى بالبلد عما تشهده سورية فإن سياسة النأي بالنفس تبدأ من هنا، عندما لا يكون لدينا أي مواطن لبناني مختطف أو عرضة للابتزاز من أجل موقف سياسي".
وما أدلى به أهالي المختطفين من معطيات حملها "موقع المنار" إلى السفارة التركية في لبنان حرصاً على حق الرد، السفارة التي أبدت كل تجاوب أحالتنا حتى عودة السفير اينان اوزيلدز من إجازته، وحتى ذلك الحين يبقى حق الرد محفوظاً.
تصوير: وهب زين الدين