انقضى اليوم الثاني من أعمال اللجنة الفرعية لقانون الانتخاب بلا إحراز أدنى تقدّم
انقضى اليوم الثاني من أعمال اللجنة الفرعية لقانون الانتخاب بلا إحراز أدنى تقدّم. في حال كهذه تصبح أقرب إلى إشهارها انتهاء أعمالها بتوافقها على الفيتوات. ما فعلته أنها أسقطت من جدول أعمالها، تباعاً، بنوده كلّها. لم تبقِ سوى ما لم يُدرج فيه، وهو قانون 2008
نقولا ناصيف
يفضي المسار الذي تسلكه مناقشات اللجنة الفرعية لقانون الانتخاب، في يومها الثاني، إلى ما يشبه تعادل سلبي. ما تقبل به قوى 8 آذار ترفضه قوى 14 آذار، وما تقبل به قوى 14 آذار ترفضه قوى 8 آذار. كلّ منهما يعوّل في الوقت نفسه على رفض رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مشروع الفريق الآخر، عارفاً سلفاً بأن جنبلاط يرفض أيضاً ما يقول به الفريقان الآخران، وهما اقتراحا اللقاء الأرثوذكسي والدوائر الـ50. إلا أنه يقبل بما يرفضانه معاً ـــ أو في أحسن الأحوال يتظاهران بذلك ـــ وهو قانون 2008.
وخلافاً لقوى 8 و14 آذار، وقد افتقرتا منذ أشهر إلى امتلاك كل منهما أكثرية نيابية وباتتا أقليتين كبيرتين، يستمد موقف جنبلاط قوته من أن قانون 2008 هو النافذ إلى أن يُقرّ مجلس النواب أي آخر سواه أو يُعدّله، وأن كلاً من الطرفين الآخرين لا يسعه إمرار اقتراحه في البرلمان من دون الزعيم الدرزي الذي يمنحه الأكثرية الكافية للتصويت عليه.
ومع أن استعادة اللجنة الفرعية اجتماعاتها لا تجزم فعلاً بتوصّلها إلى قانون جديد للانتخاب ــ وقد استبقها كل من أفرقائها بتحديد سقوفه للقانون الذي يتطلّبه ــ إلا أنها تمنح قانون 2008 مزيداً من الحظوظ من أجل البقاء، كي يكون النافذ عند أوان انتخابات 2013 تبعاً لمعطيات منها:
1 ـــ أن الانقسام على قانون الانتخاب بسبب الانقسام على الموقف من نظام التصويت بين نسبي وأكثري، يكاد ينتقل من خلاف بين قوى 8 و14 آذار كتجمّعين سياسيين كبيرين إلى نزاع بين السنّة والشيعة كفريقين باتت مصالح كل منهما تصطدم بالآخر. لم يجبه اقتراح اللقاء الأرثوذكسي التحفظ الكفيل بتعطيل أي اتفاق عليه إلا بعد أن أيّده حزب الله وحركة أمل. كذلك اقتراح الدوائر الصغرى عندما سارع تيّار المستقبل إلى القبول به، فرفضه الثنائي الشيعي للفور. في ظلّ خلاف سنّي ـ شيعي عليه، أياً يكن نظام التصويت الذي يعتمده، لن يبصر قانون جديد للانتخاب النور.
يربط كل من الطرفين وصوله إلى الغالبية النيابية المقبلة بإمرار نظام التصويت الذي يلائمه. تحصدها الموالاة بالاقتراع النسبي، والمعارضة بالاقتراع الأكثري. وهو في الواقع مغزى مأزق أعمال اللجنة الفرعية، ومن قبلها اللجان النيابية المشتركة، ومأزق القانون نفسه أيضاً. لم يعدُ إسقاطهما بالتناوب اقتراحي اللقاء الأرثوذكسي والدوائر الصغرى إلا صورة مضمرة لوجه آخر من النزاع، هو تمسّك الزعامتين السنّية والشيعية منفردة بقيادة الغالبية النيابية الجديدة. كلتاهما تريد أن تضع الحكم بين يديها.
2 ـــ لم يعد في جدول الأعمال اللجنة الفرعية سوى قانون 2008 من دون أن يكون مدرجاً فيه ما دام نافذاً. أخرج السنّة اقتراح اللقاء الأرثوذكسي من التداول، وأخرج الشيعة اقتراح الدوائر الـ50 من التداول أيضاً. كلاهما قال برفض جازم إنهما لا يخوضان فيهما. في المقابل يلقى مشروع النسبية الذي أقرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حالاً مشابهة التقى فيها أطراف اللجنة على استبعاده نهائياً بمن فيهم الموالون الذين صوّتوا عليه في مجلس الوزراء. قال تكتل التغيير والإصلاح إن مشروع النسبية لا يزال مشروعه ما دام مشروع حكومة الأكثرية، لكن الأولوية عنده حالياً هي لاقتراح اللقاء الأرثوذكسي. وهو بذلك رجّح ما اتفق عليه في اجتماع بكركي عشية جلسة اللجنة النيابية الثلثاء على ما كانت أقرته حكومة ميقاتي.
3 ـــ توحي المواقف المعلنة في مداولات اللجنة برغبة في التوصّل إلى صيغ توافقية يلتقي عليها الطرفان، كإبداء النائب أكرم شهيب استعداده للسير في تعديل قانون 2008، وإبداء النائب سامي الجميّل استعداداً مماثلاً للسير في تعديل اقتراح الدوائر الـ50 متخلياً عن حماسته لاقتراح اللقاء الأرثوذكسي. كلاهما يتحدّث عن سبل طمأنة المتحفظين عن القانون والاقتراح بغية بغية توفير حدّ أدنى من التوافق. ذهب تيّار المستقبل إلى أبعد من ذلك بإبداء موافقته على مشروع الحكومة للنسبية شرط قلبه رأساً على عقب: التصويت النسبي يصبح أكثرياً، والدوائر الـ13 يزاد عددها. طلب مشروعاً آخر لا يشبه مشروع الموالاة، إلا أنه يشبهه حتماً.
4 ـــ بعدما ضاقت الخيارات أمامها تماماً بسقوط المشاريع والاقتراحات الأخرى، ولم يبقَ بين يديها سوى اقتراح اللقاء الأرثوذكسي الذي حصل في جلسة الثلثاء على 6 أصوات مؤيدة له غير كافية لضمان إمراره في الهيئة العامة للمجلس، تتجه اللجنة الفرعية إلى إنهاء أعمالها في الجلسة الثانية بعد ظهر اليوم بعد أن تكون قد درست في الجلسة الصباحية اقتراحات زيادة عدد المقاعد سواء بالنسبة إلى حصة المغتربين أو استحداث مقاعد جديدة يتفاوت توزيعها تبعاً لاقتراحات شتى على السريان والدروز والسنّة والشيعة. تالياً تعمد في خاتمة اجتماع اليوم إلى رفع توصية إلى رئيس المجلس نبيه برّي بما انتهت إليه مهمتها. وقد أخفقت فيها بسبب تعذّر التوافق على البندين الرئيسيين المعنية بهما: نظام الاقتراع وتقسيم الدوائر. إلا إذا دخل برّي على خط المأزق وأوجد مخرجاً لأعمالها بغية تمديدها والفسح في المجال أمام فرص إضافية للتوافق. في صلب هذا الدور اجتماع رئيس المجلس الثلاثاء بجنبلاط بعد تلقيه مكالمة هاتفية من الرئيس ميشال عون. إلا أن اللجنة الفرعية تبدو أكثر تفاؤلاً باستعجال اعتزالها أسرع ممّا توقعت. لم تكن سوى طبخة بحص.
5 ـــ لم يرمِ موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان من اقتراح اللقاء الأرثوذكسي ــ وبدا إعلانه أمس أشبه باعتراض عالي النبرة ــ إلى الردّ المباشر على أعمال اللجنة الفرعية أو الدخول في سجال مع قوى 8 آذار التي أعلنت توافقها على الاقتراح. لا يزال الرئيس يملك السلاح الأكثر فاعلية، وهو التوقيع الدستوري الذي يمكّنه، في المراحل التالية لما قد تفضي إليه مناقشات البرلمان لقانون الانتخاب، من اتخاذ موقفه بالموافقة على ما يُقرّ أو استخدام حقين دستوريين منحتهما إياه المادتان 19 و57 للطعن في القانون الجديد أو ردّه وطلب إعادة مناقشته. لم يستعجل سليمان تحديد موقفه من القانون، إلا أنه أرسل إشارات تحذير إلى أنه لا يكتفي بموقف المتفرّج حيال ما يحوط مناقشات القانون، وهو ليس في معزل عنها.
ويستند موقفه من قانون الانتخاب، وهو يعدّه مبدئياً، إلى أربع قواعد رئيسية: أولاها، أنه هو الذي أقسم على الدستور وحمايته من كل ما ينتهك أحكامه، بما في ذلك تعزيز المذهبية والانقسام الداخلي. ثانيتها رفضه مخالفة اتفاق الطائف الذي لا يزال بالنسبة إليه المظلة الواقية الوحيدة للبنان حتى إشعار آخر. ثالثتها، اقتناعه بأن النسبية أياً تكن الصيغة التي تُقترح لها لا تزال الضامن الحقيقي للحماية المطلوبة للأقليات السياسية والطائفية. رابعتها، أن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي أو أي صيغة مشابهة بما فيها الدوائر الـ50 تعزز الاصطفافات المذهبية الحالية، في حين أن المطلوب إيجاد منطقة عازلة لأفرقاء ثالثين تمنع الاشتباك الناشب بين قوى 8 و14 آذار وبدأ يتسم بتأثيرات مذهبية مباشرة.
يكمن مغزى موقف سليمان في التوجّه إلى الأفرقاء جميعاً للقول بأنه لا يزال يملك قوة التوقيع.