جولة على الصحف المحلية في 26-4-2011
ـ السفير\ عماد مرمل : الحريري يطلق النار على بري و«حزب الله» لإصابة ميقاتي وإضعافه
حروب لبنانية متفرقة.. على ضفاف الفراغ الحكومي
لا يبدو أن الفراغ الحكومي يحول دون أن تأخذ المواجهة بين الأكثرية الجديدة وقوى 14آذار مداها، بعدما تحولت ملفات الناس الى ساحة للصراع، في انتظار ان تصبح خشبة المسرح الحكومية جاهزة لاستقبال العروض.
ومن الواضح في هذا المجال، أن كلا الفريقين لا يفوت فرصة متاحة او مفتعلة من أجل تسجيل النقاط على الآخر ومحاولة إرباكه سياسيا وشعبيا، حتى باتت هذه القاعدة تسري على كل شيء، من ملفات ساحل العاج وسجن رومية ومخالفات البناء التي تُتهم الأكثرية الجديدة بسوء مقاربتها والتعامل معها، وصولا الى أحداث سوريا التي يُتهم «تيار المستقبل» بالتورط فيها وهو الذي لم يخرج بعد من خلف قضبان فضائح «ويكيليكس» التي يبدو أن فصولها لن تنطوي في المدى القريب.هي حروب متفرقة تجري على ضفاف فراغ حكومي، وتستخدم فيها كل أسلحة التعبئة، في ظل غياب الضوابط الدستورية التي تمتص عادة انفعال الشارع، وفي طليعتها مجلس الوزراء المتعثرة ولادته، ومجلس النواب الذي لا يستطيع ان يمارس عمله التشريعي والرقابي من دون وجود حكومة أصيلة، فيما صلاحيات رئيس الجمهورية لا تسمح بتحميله أكثر مما يحتمل..
وأمام هذا الانعدام للوزن المؤسساتي، باتت القضايا السياسية والاجتماعية والمعيشية والأمنية تسبح في فضاء مفتوح على حسابات متضاربة، ومتفلت من قانون الجاذبية وكل أنواع القوانين الاخرى، ما حوّل تلك القضايا الى مناسبات للاستثمار الفئوي والتوظيف الكيدي، الامر الذي أعطاها، تحت وطأة «الكورتيزون» السياسي، أحجاما مضاعفة في السياسة والاعلام.. والشارع.وهكذا، أصبح كل طرف ينتظر خصمه عند أول كوع، ينصب له الكمائن والافخاخ، يحصي أنفاسه، ويراقب خطواته، لعله يقع على صيد سياسي او مذهبي يفيده في معركة تهميش الآخر وتهشيمه، في
هذا «الوقت الضائع» من عمر البلد، حيث تصبح اللعبة متحررة من الكثير من القواعد والضوابط.
وفي ظل هذا المناخ، كان واضحا ان قوى 14 آذار لم تترك مناسبة منذ مغادرة الرئيس سعد الحريري السلطة إلا واستغلتها للتصويب على الاكثرية الجديدة والانتقام منها، وخصوصا «حزب الله» وحركة «أمل»، كونهما يتحملان من وجهة نظر تلك القوى، المسؤولية الاساسية عن الانقلاب على الحريري، وبالتالي يجب فعل كل شيء حتى لا يهنأ لهما بال.كانت البداية مع مسألة السلاح التي شكلت عصب الحملة الهجومية لـ14آذار في المرحلة الاولى. لكن، وبما ان هذه الحملة بدت بلا أفق في ظل موازين القوى الداخلية غير الملائمة والمعطيات الخارجية السائدة، فهي استنفدت الكثير من زخمها سريعا، ما دفع أصحابها الى البحث عن أوتار أخرى، يمكن العزف عليها، علما أن هناك من بدأ يهمس في ضوء التطورات السورية أنه صار اليوم يملك تصورا واضحا عن سر توقيت فتح النار على سلاح المقاومة.
من هنا، سارعت قوى المعارضة الجديدة الى التقاط أحداث ساحل العاج وسجن رومية ومخالفات البناء وموقف السيد حسن نصرالله حيال تطورات البحرين، لتعيد تصنيعها ومن ثم تسويقها، بما يؤذي صورة الاكثرية الجديدة ويقدمها بصفتها مسؤولة عما يتخبط به البلد، سعيا الى إسقاطها قبل ان تحكم، تماما كما ان قوى 8آذار استفادت من الاتهام السوري الموجه الى النائب «المستقبلي» جمال الجراح، لشن هجوم عنيف على «تيار المستقبل» وحشره في زاوية العبث بالامن القومي لسوريا ولبنان، بمعزل عن وجود أدلة دامغة أم لا.
وبرأي تلك الشخصية في 8 آذار، يمكن رصد محطات عدة تثبت وجود مخطط لضرب تجربة الاكثرية الجديدة في مهدها، ومن بينها:
ـ أزمة ساحل العاج: سارعت قوى 14 آذار الى إلقاء عبء هذه الازمة على عاتق «حزب الله» وحركة «أمل»، لتأليب الرأي العام الشيعي واللبناني عليهما، في حين ثبت ان الواقعية التي اتسمت بها طريقة تعاطيهما مع خصوصية ذلك البلد هي التي أدت الى الحد من خسائر المغتربين، وحصرها في الجانب المادي من دون تسجيل أي قتل متعمد لأي لبناني. وفي المقابل، تأخر الحريري كثيرا في التحرك بصفته رئيسا لحكومة تصريف الاعمال، بينما كان سريعا على سبيل المثال في إقامة جسر جوي لنقل الناخبين من دول الخليج الى بيروت للمشاركة في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت.
ـ قضية سجن رومية: حاول فريق 14آذار الايحاء بان تحرك السجناء هو بتحريض من «حزب الله» وحركة «أمل»، متجاهلا ان سوء إدارة السجن وتباطؤ القضاء في المحاكمات، هما اللذان فجرا قنبلة الاحتجاجات. وبالتالي فان الحزب و«أمل» ليسا فقط بريئين من تهمة التحريض بل هما المتضرران الاساسيان مما جرى لان تداعيات الاحتجاج انعكست مباشرة على ساحتهما المشتركة وتسببت لهما بالاحراج، بعدما راح أهالي المسجونين يضغطون عليهما ويقطعون الطرقات، ولو ان عملية القمع الامنية التي حصلت لاحقا أدت الى خسائر بشرية كبرى لكان من الصعب تقدير حجم ردود فعل الاهالي وحصرها.. وهذا كله عبء على «أمل» والحزب، وليس فيه أي مكسب.
ـ مخالفات البناء: لم تتردد قوى 14 آذار في اتهام الحزب والحركة بتغطية المخالفين استنادا الى «وهج» السلاح، في حين ان كلا التنظيمين يعتبران ان البناء العشوائي ليس سوى عبوة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة بين يدي الحركة والحزب تحديدا، كونه ينتج أحياء عشوائية ومكتظة هي البيئة الانسب لنمو المشكلات الاجتماعية والشوائب الاخلاقية، علما ان حماية بعض المراجع لمخالفات قام بها مواطنون من لون مذهبي معين، كانت بمثابة الثقاب الذي اشعل الحريق الكبير، وإذا كان من دور للحركة والحزب في هذا الملف فهو يتمثل في مسارعتهما الى بذل جهد استثنائي لتطويق فتنة مذهبية أريد لها ان تطل برأسها من بين الابنية المخالفة للقانون.
ـ موقف السيد حسن نصرالله من تظاهرات البحرين: بادرت المعارضة الجديدة الى استغلال موقف نصرالله الرافض لقمع المواطنين في البحرين، كي تحمله تبعات قرار النظام البحريني بترحيل بعض اللبنانيين، مع العلم بان الامر يتعدى حدود ما يمكن ان يقوله نصرالله، إذ سبق لسفيري دولتين عربيتين في لبنان ان هددا النائب وليد جنبلاط بترحيل الدروز الموجودين في بعض دول الخليج، عندما كان يستعد لحسم خياراته وتأكيد تحالفه مع سوريا والمقاومة. وبناء على ما تقدم، ترى الشخصية المذكورة ان قوى 14 آذار تعتمد منذ مغادرة الحريري للسلطة سياسة منهجية هدفها إغراق الاكثرية الجديدة في مستنقع الفوضى المنظمة، لاستنزاف قدراتها وشعبيتها، مشددا على ان الغاية الرئيسية من هذه المعركة تتجاوز «أمل» و«حزب الله» الى محاولة القضاء سياسيا على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وحليفه الوزير محمد الصفدي بعدما ثبت انهما يملكان من الحيثية الشعبية السنية ما يكفي لإقلاق سعد الحريري الذي بات مصمما بعد إخراجه من رئاسة الحكومة على اقتلاع ميقاتي والصفدي ليس فقط من الحكم وإنما من الحياة السياسية ايضا لانه لا يحتمل وجود بديل عنه او شريك له في معادلة الطائفة والسلطة على حد سواء.
وتلفت هذه الشخصية الانتباه الى ان تمكن ميقاتي من احتواء الموجة الاولى من هجوم الحريري بعد تكليفه، ونجاحه في استمالة المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى الى جانبه، وصلابته في مفاوضات تشكيل الحكومة.. كلها عوامل جعلت الحريري يتجنب في الوقت الحاضر المواجهة المباشرة معه، مفترضا ان التصويب المستمر على حليفيه «حزب الله» وحركة «أمل»، سيقود حتما الى اضعافه، بما يسهل لاحقا إخراجه من رئاسة الحكومة واستعادة «المجد الضائع» الذي لا يبدو أنه سيعود أقله بالمعطيات اللبنانية، الا اذا كان هناك من يراهن على معطيات خارجية...
النهار \إميل خوري :
(...) ان مشكلة السلاح خارج الدولة اذا لم تعالج بسرعة، فلا أمل في أن تقوم في لبنان دولة قوية قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الاراضي اللبنانية. والتوصل الى هذا الحل لا يكون على شاشات التلفزيون وفي المحطات الاذاعية لتبادل الهجومات والاتهامات، ولا باستخدام القوة تنفيذاً لقرارات مجلس الامن ولاتفاق الطائف، انما بالحوار الهادىء والعقلاني داخل مجلس الوزراء أو الى طاولة الحوار للحصول على جواب من "حزب الله" عن سؤال واحد هو: متى يرى الحزب ان وظيفة سلاحه قد انتهت كي يبنى على الشيء مقتضاه، لأن لا ثقة ولا شيء يضمن عدم استخدام هذا السلاح في الداخل بعدما تكرر استخدامه رغم كل التعهدات. فاذا كانت وظيفة هذا السلاح تنتهي عند انسحاب اسرائيل من بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها، فان على لبنان الرسمي ان يعمل عندئذ على تحقيق الانسحاب. وعندها تختبر نيات اسرائيل الحقيقية، فاذا كانت تشكو فعلا من سلاح "حزب الله" وتعتبر انه يهدد أمنها، فما عليها الا ان تنسحب من بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها. أما اذا رفضت الانسحاب تحت أي ذريعة، فانها تكون هي المسؤولة عن بقاء السلاح خارج الدولة اللبنانية وهي المسؤولة عن بقاء الوضع على حدودها الشمالية غير مستقر، ويكون استمرار هذا الوضع لمصلحتها وفي خدمة مخططاتها. واذا لم يضغط المجتمع الدولي على اسرائيل كي تنسحب لتنتفي اسباب بقاء السلاح في يد "حزب الله"، فان هذا المجتمع يكون هو ايضا مسؤولاً عن عدم العمل جدياً على تنفيذ القرارات الدولية وخصوصاً القرار 1701.
اما القول بان لا شيء يضمن تخلي "حزب الله" عن سلاحه بعد انسحاب اسرائيل لأنه سبق لها ان انسحبت من معظم الاراضي المحتلة في الجنوب اللبناني ولم تهدأ الجبهة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، حتى بوجود القوات الدولية، ولم تهدأ اخيراً الا بعد تعزيز هذه القوات والتزام القرار 1701 الداعي الى وقف العمليات العسكرية بين اسرائيل والحزب، عدا أن موقف هذا الحزب ليس واحداً من موضوع التخلي عن السلاح، فبعضهم يقول عندما يتم الانسحاب من بقية الاراضي اللبنانية، وبعضهم يقول عندما يتحقق السلام الشامل في المنطقة، أو عندما يتم التوصل الى تفاهم حول برنامج ايران النووي...
ان الجواب القاطع على كل ذلك يكون بالتوصل الى اتفاق خطي ومعلن مع "حزب الله" حول متى يرى الحزب ان وظيفة سلاحه انتهت كي يبنى عندئذ على الشيء مقتضاه، وهذا ينبغي ان يكون أول ملف شائك تفتحه الحكومة العتيدة اذا كانت تريد أن تحكم وان تجعل الدولة اللبنانية تقوم (...).
ـ النهار الياس الديري : والحنجلات التي برزت، على حين غرّة، في مواقع عدة وانتشرت كالفطر في مربَّعات و"محميّات"، وذات دلالات فاقعة، تنبىء انه ليس من المستبعد استدعاء هذا اللبنان المعطَّل، المجمّد، المشلول من فوق الى تحت، الممنوع من تأليف حكومة، للصعود مرَّة جديدة الى جبل التضحيات، حيث لا أكباش أغنام ولا بدائل تُقدَّم الى المذبح. والباقي معروف. فالقليل من التبصُّر، على قليل من الترويّ، مع قليل من الاحتشام، قد يساعد في تجاوز القطوع الجديد... وإن لم يكن قد قدمَّ نفسه للبنانييّن بصورة واضحة كالعادة. هناك حوادث متعدٍّدة، انتشرت من الجنوب الى الشمال، مروراً بالضاحية وجوارها، وصولاً الى حرم المطار، صعوداً الى البقاعين، يجدر بأولي الالباب، كما باولئك الطواويس التوقُّف عندها. والتأمُّل في ما ترمز اليه. وقراءة ما بين سطورها. وقبل فوات الأوان. أو قبل وصول الدعوة التي لا يمكن رفضها. أو قبل أن تستيقظ العاصمة على ما هو أشدُّ وأدهى. سواء في هذا الحي، أم في ذاك الشارع، أو على ذلك الاوتوستراد. ما هو وارد أعلاه لا يحتاج الى شرح وتفسير. فكل لبناني يعرف حكايات البناء على الأملاك العامة والخاصة. وكل لبناني فوق سن العاشرة يدرك معنى "اليقظة" المفاجئة على هذه الظاهرة التي يكاد الشيب يغزوها.
ـ الجمهورية\ الياس المر : لكي نحمي لبنان
تتّجه الأنظار اليوم إلى أحداث المنطقة عموما وسوريا خصوصا، وتكثر التحاليل عن ارتدادات الوضع السوري على لبنان، بناء على "أنّ أمن سوريا من أمن لبنان، والعكس صحيح".
من المنطق أن تطرح الأسئلة والتكهّنات، ولكنّ الأهم هو كيف نتعاطى مع هذا الواقع، وما هي التحدّيات التي سنواجهها؟ في الوضع الإقليمي، وهذا يشمل مصر والعراق وليبيا والبحرين وسوريا. كلّ دولة لها بطريقة أو بأخرى، مصالح أو مشاكل مع لبنان، أو على الأقلّ مع فريق في لبنان.على الصعيد المصري، يعرف الجميع أنّ مصر كانت في السنوات الأخيرة داعمة لفريق سياسي هو 14 آذار.أمّا ليبيا فهي تتحمّل قضيّة إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه وما يترتب على ذلك من إشكالات ومواقف للطائفة الشيعية ومطالبتها بمحاكمة نظام القذافي.في العراق يعنى لبنان في ملفّين أساسيّين: ملفّ المسيحيّين والاعتداء على الكنائس والهجرة العراقية إلى لبنان، وملفّ القاعدة التي كانت في إحدى المراحل تتحرك من بعض المخيمات في لبنان مرورا بسوريا إلى العراق، وهذا ما كشفته وضبطته الأجهزة الأمنية اللبنانية.في البحرين هناك اتهام لحزب الله في "التورّط واللعب" بأمن البحرين، وما ترتّب عنه من ترحيل أو تهديد بترحيل عدد من اللبنانيين.أمّا الملف السوري، فهو طبعا الأكثر خطورة ودقة، كونه يترتب عليه عدة نتائج أوّلها اتهام سوريا لـ "تيّار المستقبل" "بالتورّط في الأحداث الأخيرة وتمويلها"، كما التشنّج الداخلي لدى الفريق الموالي لسوريا ضدّ "تيّار المستقبل" والاتهامات المتبادلة، إضافة إلى تظاهرة "حزب التحرير" في الشمال، وإن كانت ضعيفة الحجم، ولكنها غزيرة المعنى.
وأخيرا، هناك ملفّ المحكمة الدولية والقرار الاتهامي، الذي لم يستأثر في اهتمام الصفحات الأولى في الإعلام هذه الأيّام كما في السياسية، ولكنه موجود ومستمر حتى الآن، في انتظار صدوره.أمام كل هذه التحدّيات والملفّات الساخنة والدقيقة والحسّاسة، يبقى "أفضل الشرور" في الوقت الراهن، التريّث وإبقاء الوضع اللبناني على ما هو عليه اليوم: رئيس حكومة يصرّف الأعمال، ورئيس مكلّف في انتظار التأليف.هكذا يكون كلّ الأفرقاء في الأكثرية الجديدة والأكثرية القديمة على مستوى المسؤولية ذاته، كونهم موجودين في موقع المسؤولية، واحد يصرّف ومعه حكومة قديمة تضمّ 14 و8، والثاني يفاوض على التأليف ولكن لم يأخذ بعد قرار كسر الجرّة بتأليف حكومة من لون واحد أو تكنوقراط، لا يمكن أن يتحمل لبنان أيّا منهما، وهو الحلقة الأضعف أساسا في المنطقة.يبقى من الواجب أن يحافظ كلّ المعنيين في الوقت الحاضر، على "الستاتيكو" الداخلي، إن على مستوى الوضع السياسيّ أو الطائفي أو المذهبي أو الأمني، أو على مستوى المحكمة الدولية، لكي يواجه كلّ من موقعه وربما سويّا، مسؤوليّة ما سيترتب على لبنان في الأسابيع المقبلة.إلّا أنّ هذا لا يعفي من العمل والتعاون لتخفيف الأعباء المعيشية والاقتصادية عن كاهل المواطنين.
ـ النهار \\سركيس نعوم : الحوار عند سوريا "اسطوانة ودروس"!
عن التفاوض غير المباشر بين سوريا واسرائيل منذ ايام الرئيس الراحل حافط الاسد تحدّث الباحث الاميركي من اصل عربي الذي كان نشطاً وعلى مدى سنوات عدة في هذا الحقل، قال: "اتاني احد المسؤولين الكبار عن الموضوع السوري في الادارة الاميركية فتحدثنا عن سوريا واميركا ولاحقاً عن سوريا واسرائيل. وركزنا على إمكان انفتاح هاتين الدولتين احداهما على الاخرى بل على ضرورة هذا الانفتاح. فقال ان الرئيس اوباما مستعد وجاهز وانه هو مستعد للذهاب معي الى دمشق للبحث في هذا الأمر. ما يزعجهم كأميركيين في الادارة السورية هو ان الحوار معها يكون دائماً من طرف واحد.
كان المسؤولون السوريون يُسمعونك تسجيلاً أو اسطوانة، ويتصرّفون كأساتذة يعطون دروساً ولا يسمحون لك حتى بالكلام أي بالحوار. لذلك توقّف الكلام والحوار بين العاصمتين". الا يشكل ارسال اميركا سفيراً لها الى دمشق بعد سنوات من سحبه بداية حوار او رغبة في حوار؟ سألتُ. اجاب: "ارسال سفير الى دمشق بعد انقطاع سنوات ليس سبب اطلاق حوار مع سوريا. او بالاحرى ليس الحوار السبب الوحيد له. وأحد ابرز اسبابه في رأيي هو عدم الثقة بالسفير السوري في واشنطن عماد مصطفى. لا اعرف لماذا "جدَّد" له الاسد "ولاية" اخرى في العاصمة الاميركية. كان يُفترض ان تنتهي مدة خدمته هناك بعد خمس سنوات. انتهت المدة لكنه بقي في واشنطن. مشكلة اميركا معه ليست شخصية وسببها انه غير دقيق. يتسلّم رسائل معظمها شفهي من مسؤولين اميركيين بغية ايصالها الى المسؤولين في دمشق فيغيّر فيها او يُحوِّر. ولا يريدون ان ينتهوا من ذلك. في اي حال يتعامل السفير مصطفى مع ابناء الجالية السورية في واشنطن، وهم اميركيون ايضاً، بطريقة سلبية، يهدد من ليس منهم مع السياسة السورية الرسمية او مع النظام السوري. وهؤلاء يسكتون عن ذلك لأن لهم عائلات في سوريا وأنهم لا يريدون تعريضها لأي اذى. أحياناً يرفض حضور بعضهم مناسبات اجتماعية او حتى وطنية سورية. ذات مرة انسحب وزوجته غاضباً من مناسبة كان فيها سوري تتعارض سياسته بوضوح مع السياسة السورية".
ما رأيك في زيارة مالكولم هونلاين، احد ابرز قادة تجمع رؤساء أهم منظمات اليهود الاميركيين، لدمشق واجتماعه بالرئيس بشار الاسد؟ سألتُ. اجاب: "انها محاولة. ولا اعتقد انها ستوصل الى اي مكان. ربما رتبها السفير عماد مصطفى. فعلاقاته جيدة مع اليهود السوريين الذين هاجروا الى اميركا ومع غيرهم من اليهود الاميركيين، وهو يحضر مناسباتهم المتنوعة. ويدعو بعضهم الى دمشق. تعاطى أخيراً مع البعض في "ايباك". لا اعرف كيف يجوز ذلك له. سوريا تريد سلاماً مع اسرائيل. وقد أُجرِيت مفاوضات غير مباشرة بينهما اثناء حكومات رابين وباراك وبيريز ونتنياهو استضافتها سويسرا واثمرت اتفاقاً كاد ان يصبح معاهدة سلام.
المطلوب معاهدة سلام. وهي قد تختلف ربما عن السلام الكامل. يعاد الجولان كاملاً الى سوريا وربما يعاد اكثر منه قليلاً. ذلك ان الحدود عام 1967 بين الدولتين كانت تبعد قليلاً عن مياه بحيرة طبريا، او على حدود هذه المياه. الآن تراجعت المياه قرابة 300 متر. وقد وافقت اسرائيل في المفاوضات المشار اليها اعلاه على ان تكون هذه الارض الاضافية تحت السيادة السورية ايضاً، لكن بعد ان تُحوّل متنزها للسوريين والاسرائيليين. علماً ان حق الاسرائيليين في زيارتها يبدأ عند شروق الشمس وينتهي عند مغيبها. ومع عودة الجولان ينسحب الاسرائيليون من المستوطنات التي بنوها على ارضه. كل شيء كان كل سائرا على نحو جيد. الرئيس (الراحل) الاسد اعطى موافقته لكنه طلب ارسال اسرائيل اقتراحاً مفصّلاً وموقّعاً بكل ما اتفق عليه كي تبدأ على اساسها المفاوضات الرسمية. تأخر رئيس حكومتها باراك يومها في القيام بذلك لأسباب عدة. وخلال هذه الفترة كان الاسد قد انتقل الى جوار ربه". ألا تعتقد ان تأخر باراك كان مقصوداً او على الأقل دليلاً على تردده وعلى شعور بالتفاجؤ بجدية حافظ الاسد وتالياً على عدم استعداده وبلاده للاقدام على هذه الخطوة؟ سألت. أجاب الباحث الاميركي من اصل عربي نفسه: "لا اعتقد ذلك. على كل حال الاسرائيليون، حسب معلوماتي، جاهزون لمعاودة التفاوض المباشر او غير المباشر انطلاقاً من اتفاق سويسرا". علّقتُ: اتفاق سويسرا فرط عندما سرّب تفاصيله اسرائيلي مشارك في "المفاوضات" غير المباشرة الى الإعلام. اذ استاء السوريون واوقفوا كل شيء. بماذا ردّ الباحث نفسه؟
ـ النهار \\علي حماده : سوريا: لا حل دون إصلاحات تغييرية
من المؤسف حقا ان يستعيد الاسد الابن "مزايا" والده الراحل في معالجة قضايا سوريا في زمن ما عاد من الممكن، حتى بالحمايات غير المنظورة التي يوفرها الاصدقاء و"الاعداء" على حد سواء، الافلات من ازمة بإغراق البلاد في حمام من الدم، واعادة قفل ابواب السجن العربي الكبير. والسجن الكبير هذا يتم هدم جدارنه يوما بعد يوم بالصدور العارية التي تواجه الرصاص الحي من درعا الى حمص وغيرها من مدن ثورة الحرية والكرامة. وان وصف المحتجين العزل بالارهابيين عبر "بروباغاندا" النظام السوفياتية النمط لن يغير في الحقيقة شيئاً في زمن ثورة الاتصالات التي ربحها المواطنون العاديون في المدن والقرى والبلدات، وبالتالي فإن تغطية القتل المتعمد بروايات تفتقر الى ادنى صدقية ستكون له مفاعيل عكسية داخليا وخارجيا
ـ النهار\\ راشد فايد : فلسطينيو الأنظمة
الأنظمة العربية واحدة. أثبتت ذلك وقائع الزمن الراهن: الجيش فيها لا يقاتل اسرائيل، على الأقل منذ أكثر من أربعة عقود، ومخابراتها لم تكشف شبكة تجسس اسرائيلية، أو معادية عموما، وحكوماتها لم تنفذ، يوماً، مشروع تنمية جدية إجتماعية – اقتصادية، ولم تضع مخططاً ناجعاً لردم الهوة بين الطبقات الاجتماعية، بل على العكس أجازت للمنتفعين بها المعدودين، سرقة المال العام، والخاص، وعمقت حاجة المعوزين وعممت الفقر.
لم يُعرف عن هذه الأنظمة، يوماً، تشجيعها الشباب على التقدم، ولم تضع لهم يوماً برامج تعليمية تعزز فرديتهم وتفتح أمامهم آفاق العلم والمعرفة، ولم تُترك لشعوبها حرية التعبير والتفكير.
حاولت هذه الأنظمة، باستمرار، عزل شعوبها عن العالم والتقدم: دست عسسها بينهم تحصي أنفاسهم وتقبض على أحلامهم. وإذا تركت لهم حيز حرية، فلكي تشغلهم بخلافات تبثها بينهم أو تشجعهم عليها. ولا تتردد، حين يواجهونها، في أن تعزلهم عن العالم بإقفال منافذهم على الجوار وبحرمانهم كل امكان للإتصال ومن الكهرباء والماء.تتطابق الصورة مع إسرائيل في علاقتها مع الفلسطينيين: تمنع عنهم حرياتهم، وتحاصرهم في الضفة والقطاع، وتعزلهم وراء جداري الاسمنت والقمع. تحرمهم العيش الكريم،وتغرّبهم عن التقدم العلمي والتطور الإجتماعي والبناء الإقتصادي.
جيش اسرائيل "يتمرن" بالفلسطينيين، ويتدرب على قتلهم باستمرار، ولأجهزتها الأمنية جواسيس عليهم وبينهم تشتريهم بحماية موعودة وبتسهيل أعمالهم. وحين تشتد المواجهة لا يقف القمع الاسرائيلي عند استخدام الأسلحة النارية الأرضية، بل تشارك الدبابات والطوافات، وحتى الطائرات الحربية في محاولة إبادتهم، تماماً كما نظامي ليبيا واليمن، ولا شيء يردع الأنظمة القلقة الأخرى عن السير في المنحى نفسه.
حتى الألفاظ المستخدمة في توصيف المنتفضين على الأنظمة العربية تستعيرالمنطق الإسرائيلي المستعمل مع الفلسطينيين: إنهم مخربون. الفارق، وربما الوحيد، أن جيش اسرائيل يخدم، في أفعاله، شعبها ودولته، أما جيوش الدول العربية فتخدم الأنظمة وأهلها. فعلّة وجود هذه الدول استمرار أهل النظام في الحكم، ودور الجيوش أن توفر الحماية لهم وليس لمؤسسات الدولة وشعبها، وخصوصا، إذ يصبح الشعب خطراً على النظام وأهله.
بالنسبة إلى اسرائيل، الشعب الفلسطيني هو الخطر. بهذا المعنى على العرب جميعاً أن يشعروا أنهم فلسطينيو أنظمتهم، ولهم أن يتساءلوا بأي منطق تجيز الأنظمة العربية لذواتها أن تدين اسرائيل لاستخدامها النار والهدم في وجه الفلسطينيين، وهي عدوهم، لتحمي دولتها وشعبها، فيما جيوش العرب تواجه شعوبها بالهدم والدمار والنار، لتحمي أنظمة فُرضت عليهم ولم يُسألوا يوماً رأيهم فيها.
ـ النهار \\غسان حجار : بعد سوريا... ايران
في 3 حزيران 2004 تحدث أمير قطر في افتتاح مؤتمر "الديموقراطية والإصلاح في الوطن العربي"، فقال انه "لم يعد مقبولاً ان يتخذ الصراع مع اسرائيل، أو انتظار السلام معها، ذريعة تبرر التواطؤ في الإصلاح، لأن ذلك قد طال ويمكن ان يطول أكثر (...) ولم يعد معقولاً التذرع أمام العالم بالحرص على مصالحه في منطقتنا والقول إنّ الإصلاح لو انطلق فسوف يزعزع الأمن ويهدد الاستقرار فيها، بعدما اكتشف هذا العالم بنفسه في السنين الأخيرة ان أخطار عدم القيام بالإصلاح تفوق بكثير كل الأخطار التي قد تصاحب القيام به". وتابع "ان منطقتنا لم تصل الى ما تقاسيه من خطوب تحديات الا لتوانيها عن الإصلاح، وبعدها عن الديموقراطية. وليست التعقيدات المتوالية للقضية الفلسطينية، وتبعات الأوضاع في العراق، الا شواهد قليلة تثبت ان الإصلاح كان ضرورة ملحة لم تلتفت اليها الأمة في التوقيت المناسب، لتعاني اليوم من كل ما تلاقيه".
هذا الكلام لم يجد صداه لدى الزعماء العرب منذ العام 2004، ليقابل بهزات أرضية تطيح عروشاً ومناصب، وتدخل زعماء السجن، أو تحملهم على الهروب، أو تضعهم في أزمة مواجهة مع شعوبهم بالحديد والنار، كما يحصل حالياً في ليبيا وسوريا واليمن.
هل كان الكلام القطري نبوياً أم رسالة أم قراءة تقدمية لمسار الأمور لدى الشعوب في العالم؟ سؤال من الصعب الإجابة عنه بالنيابة عن صاحبه. لكن في المقابل ثمة معلومات تتحدّث عن خطة مرسومة للشرق الأوسط الجديد تحدث عنها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، واعتقد كثيرون انها فشلت، ودخلت حيز النسيان، ليؤكد مسؤول عربي أمام محدثيه في مجلس خاص أمس، انها الخطة نفسها، ولكن مع تبدل في التفاصيل، أي تغيير في التكتيكات التي تقود الى الهدف نفسه. ويتابع ان عدداً من المسؤولين العرب يعرفون بعض خطوطها العريضة،
لكنهم لم يطلعوا على تفاصيلها، وبالتالي لا يمكنهم التأثير في مجريات الأمور الا بقدر ما يخصهم مباشرة ليبعدوا عنهم الكأس المرة. هل يملك معلومات عما يجري حالياً في سوريا؟ يقول ان الأمور بلغت طريق اللاعودة بعدما سالت الدماء بوفرة، وان لا أمل في الإنقاذ الا في حال فكت دمشق تحالفها مع ايران و"حزب الله" والمنظمات الفلسطينية. ومن يضمن للنظام استمراره اذا مضى في هذه الخطة؟ يقول المسؤول العربي "انها مخاطرة ولها محاذيرها، ولكن هل من حلول أخرى، لا أعلم، ليست لديَّ كل المعطيات". وهل من دولة أخرى مرشحة بعد سوريا؟ يقول لا يمكن المضي بسرعة اضافية ما لم يتم توفير الحلول في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين...ولكن ربما يأتي دور ايران لأنها معطلة للإصلاح ومحركة لحركات أصولية وارهابية، على قوله. وهل هي أمنية أم معلومات؟ يبتسم ولا يجيب.