العلماء الربانيون والمفكرون الرساليون والمؤمنون الحقيقيون والمناضلون الاحرار، هم المؤهلون ــ فعلا ــ لتقدير عظمة شخصية الرسول الاكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودوره المصيري
العلماء الربانيون والمفكرون الرساليون والمؤمنون الحقيقيون والمناضلون الاحرار، هم المؤهلون ــ فعلا ــ لتقدير عظمة شخصية الرسول الاكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودوره المصيري على مستوى تبيان (المحجة الناصعة) للبشرية وتاكيد مبدأ انسانية الانسان، والدفاع عن حقوقه وتطلعاته الدينية والدنيوية، وترشيد مسيرته التكاملية لبلوغ السبل الموصلة الى النعيم الخالد في الدار الاخرة.
بيد ان نبينا العظيم(ص) اضحى في العقود الثلاثة الاخيرة هدفا مباشرا لسهام الحقد والكراهية والتبشيع، وذلك عبر سلسلة من عمليات الارهاب العقائدي والفكري والثقافي والفني (السينما والروايات والرسوم الكاريكاتورية) التي اخذت تشتد نفورا وضراوة وقبحا، بغية الحط من حرمة خاتم الانبياء والمرسلين (ص) والاساءة الى حضرته المقدسة.
وفي ظل هذا التطاول المقصود الذي يستهدف ــ اصلا ــ الاستخفاف بالمسلمين، مع ان عدد نفوسهم يزيد على المليار ونصف المليار نسمة، واختبار مدى غيرتهم على دينهم ورموزهم وقرآنهم، فان من الواجب على ابناء الامة المحمدية الشريفة تقويض اسباب الحرب النفسية والدوافع المادية التي تحرض الاعداء الناقمين على القيام بهذه الانتهاکات والمخاتلات الشيطانية ، مع انها مرفوضة وغير مبررة حتى في ما يسمى بـ "المعايير الحضارية الغربية" ذاتها، والتي تزعم انها تحترم العقل والمنطق والموضوعية في تقصي الحقائق والوقائع سيما التاريخية والإيديولوجية.
في الاساس ينبغي القول ان هذا المقال، وان جاء بمناسبة احياء الذكرى السنوية لرحيل نبي الرحمة (ص) في عام 1434 هجري (وهو يقع في يوم 28 من شهر صفر عند اتباع المذهب الجعفري وفي يوم 12 ربيع الاول عند اتباع المذاهب الاربعة)، فانه يتوخى مقاربة اسقاطات الحملات الصهيوغربية الشعواء على الاسلام والمسلمين، وكل بغيتنا أن نضع البشرية امام المشهد الحقيقي لما يدور الان من صراعات ومطاحنات وفتن سوداء على الساحة الدولية.
وحدهم المنصفون يعرفون جيدا ان سيدنا وحبيبنا محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله سلم) الذي جاء بحقيقة الدين الحنيف قبل نحو خمسة عشر قرنا من الزمن، وازال عنه الوثنية والخرافات والشرك والانحرافات، ونذر عمره الشريف في سبيل اضاءة طريق الهداية امام بني البشر كافة على مر الدهور، قد جسد بنفسه المثل الاعلى للشخصية الانسانية المؤمنة التي تتحلي بأسمي الصفات النبيلة کالتقوى والورع والزهد والشجاعة و الصبر والايثار ، ومعرفة حدود الله سبحانه وتعالى، والارتقاء بالعبودية للواحد المتعال الى مدارج الكمال والسمو ذاتيا واعتقاديا، من اجل الاضطلاع بمهام اشاعة العدالة والمساواة ،وتحكيم الاواصر الاخوية بين ابناء الامة الواحدة القادرة فعلا على تغيير الاوضاع الفاسدة ، وازالة الممارسات الاستكبارية، ومقارعة اباطرة الذهب والمال الذين لايعبأون بعذابات المحرومين والمستضعفين، وهم لا يتورعون لحظة عن ابادة شعوب بأسرها في سبيل الاستحواذ على ثرواتها وخيراتها، بكل الاساليب الشريرة.
من هنا يتضح لنا ان (الانسان المحمدي) يمثل اليوم العدو اللدود الاول للمصالح الرأسمالية والاطماع الربوية في النظام الغربي ــ الصهيوني، والعقبة الكأداء للمشاريع الاستكبارية في انحاء الارض، سيما في العالم الاسلامي.
وازاء ذلك يمكننا الوقوف على كنه النفور والكراهية في صدور الزعماء الطغاة الاميركيين والاوروبيين والاسرائيليين، وهو ما يفسر ايضا تحاملهم البغيض على الرسول الاكرم، وتصرفاتهم المسيئة لحضرته (ص)، واشهار عدائهم السافر له عبر مختلف الوسائل الخبيثة ،علهم يتمکنون بذلك من الفصل بين المسلمين ونبيهم العظيم من جهة، وقتل روح التدين والايمان ومقارعة الظلم والاستغلال في نفوسهم من جهة اخرى.
في هذا الاتجاه فان من السهولة بمكان تشخيص صانعي هذه الاساءات، من خلال ابتلاء العالم الاسلامي حاليا بالصراعات والحروب الاهلية والفتن الطائفية، وهي اوضاع لم تكن قائمة من قبل، وبفعلها انقلبت جميع المعادلات رأسا على عقب، وبوتيرة متسارعة وسلوكيات مجنونة وشاذة، الامر الذي شجع الغرب المتصهين والماسونية العالمية على ممارسة التشهير والانتقاص والتطاول والاعتداء على حرمة رسول الله(ص) بين فترة واخرى، عبر الكتب الروائية المبتذلة والافلام السينمائية المشينة والرسوم المتحركة الساخرة والكاريكاتورية البذيئة ،واخيرا وليس آخرا احراق القرآن الكريم على مرأى القنوات الفضائية في مدينة نيويورك. وقد تم تنفيذ كل هذه الجرائم اللااخلاقية تحت ذريعة "حرية الرأي والتعبير".
ان كل هذه التصرفات والاخلاق والمبادئ عند ادعياء الحضارة والمدنية في اميركاواوروبا والمناطق الاخرى اللصيقة بها جغرافيا وثقافيا، يتم شرعنتها وتسويقها للرأي العام العالمي وفقا للمآرب والاهواء السلطوية ، في حين ان التحالف الاستکباري يكاد يقيم الدنيا ولا يقعدها اذا مست "اسرائيل" الغاصبة لفلسطين والاقصي المبارک قيد شعرة، او شكك احد ما بقضية "محرقة الهولوكوست" حتى وان عزز كتاباته او دراساته بالادلة الدامغة .
وقد رأينا كيف تعاملت الحكومات الغربية قمعيا مع المفكرين الذين اوسعوا هذه القضية بحثا وتمحيصا. وكان المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي من جملة ضحايا ذلک، حيث لم تسعفه "اكذوبة حرية التعبير" الغربية في الدفاع عن موقفه الاسلامي المبدئي بشأن التضخيم الذي روج له الصهاينة حول اعداد اليهود الذين قتلتهم اوروبا نفسها خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945 م)، وقد دفع ضريبة جرأته تلك محاكمات وتضييقات وغرامات، وتقاسم معه هذه العقوبات الظالمة كل من شاطره الرأي في العالم الغربي.
وهكذا في غمرة رغبتهم الجامحة في ايذاء المسلمين بوسائل شتى وفي مقدمتها الاساءة للنبي (ص)، فان الغربيين يولدون من داخل انفسهم قناعة بأن في مقدورهم تحويل العالم الاسلامي الى كتلة متأججة بالتناقضات والتوترات والانقسامات، بدليل انهم تمكنوا من تدجين بعض المتطرفين والمهووسين بعقدة ابادة كل ما يخالفهم في العقيدة والمذهب والتفكير الديني. فقد جندت اميرکا واوروبا واسرائيل هؤلاء التکفيريين وزودتهم بالاموال والاسلحة والمعلومات الاستخبارية، ليكونوا وبالا على الامة الاسلامية، ولضرب (الوحدة المعنوية) التي تربط ابناءها بعضهم ببعض.
واقع الامر ان هذا المخطط يشکل حربا معلنة علي كرامة الرسول الاعظم(ص) الذي طالما كان يشدد على تقوية العلاقات الاخوية بين المسلمين، وتلطيف التعامل الانساني بينهم وبين اتباع الديانات السماوية الاخرى.
وبما ان الغاية الغربية، هي حب التسلط والتحكم بمقدرات الامة، فان زعماء الاستكبار في اميركا واوروبا وعملاءهم في المنطقة، لم يدخروا وسعا لاضعاف عقيدة المسلمين على مستوى التدين والاخلاق والتآلف والتآزر، فقد عمدوا سابقا الى استخدام الموروثات الاستعمارية كأداة فعالة في سبيل تكريس الفرقة والتنافر، ومن ذلك دعم "الفرانكفونية" و"منظومة الكومنولث" و"التطبيع بمختلف اشكاله مع العدو الصهيوني" ، وهم اليوم يقومون بمساندة الجماعات التكفيرية المنبثقة اساسا من"الوهابية" وهي صناعة بريطانية مئة بالمئة ،كما ورد في كتاب (مذكرات المستر همفر).
وقد سخر سماسرة المحميات العسکرية الخليجية اقصى طاقاتهم المالية والدعائية والاعلامية باتجاه تأجيج الخلافات الدينية بين بني امة الرسول الاكرم (ص)، والتعتيم على المكاسب المعنوية التي تحققت بفضل التضامن الاسلامي العظيم مع المجاهدين المؤمنين الذين التزموا النهج المحمدي القويم وقدموا التضحيات الغالية في سبيل الله عز و جل.
وبالعودة الى الحديث النبوي (ما أوذي نبي مثلما اوذيت) يتضح لنا بجلاء ان اعداء رسول الله محمد الامين (ص) الذين آذوه في حياته، لا يتورعون عن ايذائه في مماته، الامر الذي يثبت صحة هذا الحديث الشريف في الماضي والحاضر والمستقبل، وكأن الاعداء الدوليين والاقليميين عندما يتكالبون اليوم على(المقاومة الباسلة) لقتلها، يستهدفون بذلك قتل (المحمدية البيضاء)، والاستعاضة عنها بعصابات القتلة واللصوص والارهابيين التكفيريين الذين يدعون تمسكهم بالقرآن والسنة وهما منهم براء، وان ممارساتهم الطائفية في العراق وسوريا ولبنان وباكستان (مجزرة كويتا) وافغانستان ومختلف مناطق العالم ، برهان ساطع على هذه الحقيقة.
صفوة القول: ان النبي الاعظم (ص) الذي بعث ليكون رحمة للعالمين، وليتمم مكارم الاخلاق وينشر قيم العدالة والمساواة ومساعدة الفقراء والمستضعفين، ومكافحة الظلم والعسف والمستكبرين الجبابرة، يتعرض اليوم لسيل عارم من الاساءات والتبشيع والمكائد الشيطانية داخليا وخارجيا، وان الواجب الديني والاخلاقي يحتم على المسلمين كافة التصدي لهذه المؤامرة الصهيوغربية، والدفاع عن المقدسات الدينية والرسالات السماوية والانبياء والمرسلين ، سيما سيدهم محمد(ص)، وعدم التراخي والتساهل والتهاون في هذه القضية قيد انملة ، باعتبار ان السكوت على هذه الاهانات هو بمثابة اشعال الضوء الاخضر الشامل امام الغزاة الاميركيين والاوروبيين والصهاينة من اجل الامعان اكثر فاكثر في استباحة الحرمات والثوابت العقائدية وتدمير المعالم الاسلامية والدينية في قادم الايام انطلاقا من القدس الشريف ومرورا بالمسجد النبوي الشريف وانتهاء بمكة المكرمة.
ويقيننا ان الامة الاسلامية هي بمستوى احباط هذه المشاريع الجهنمية، شريطة تعزيز عرى التآخي والمودة والتعاون في ما بين شعوبها، ونبذ الفرقة والعصبيات والتناحرات کليا بهدف التفرغ للتعامل بکل حزم مع التحديات الحاقدة.
حميد حلمي زادة/ كاتب إيراني