ولتسليط الضوء على خفايا وخلفيات ما يُعد للعراق ودول المنطقة من ورائه، نستعرض في تقرير من ثلاثة اجزاء المخطط المرسوم من الفه الى يائه...
صادق خنافر وحسين ملاح
لم تكد تنقضي السنة الأولى على الانسحاب الاميركي من العراق، حتى فُجرت ازمات سياسية وامنية عدة، ولعل أخطرها ما يحصل هذه الأيام في المحافظات الغربية والشمالية والتي اتخذت طابعاً مذهبياً أعاد المخاوف من إدخال البلاد في مشاريع فتنوية وتقسيمية تهدف إلى ضرب قوة العراق الصاعدة على المستويين السياسي والاقتصادي.
ولتسليط الضوء على خفايا وخلفيات ما يُعد للعراق ودول المنطقة من ورائه، نستعرض في تقرير من ثلاثة اجزاء المخطط المرسوم من الفه الى يائه...
دور العراق ومكانته
العراق أو جمهورية العراق إحدى دول غرب القارة الآسيوية المطلة على الخليج، يحدها من الجنوب الكويت والمملكة العربية السعودية، ومن الشمال تركيا، ومن الغرب سورية والأردن، ومن الشرق إيران، وتبلغ مساحته 438.317 كلم2.
الموقع الإستراتيجي
احتل العراق منذ القدم موقعاً استراتيجياً مهماً، فمنذ أكثر من 22 قرناً عبرت جيوش الاسكندر المقدوني أراضيه، في طريقها إلى الهند. كما كانت هدفاً للمغول، وانطلقوا منها في غزوهم إلى بقية المشرق العربي. وكان العراق منذ القدم منطقة التقاء طرق التجارة بين شبه الجزيرة ووسط آسيا والهند، كما أنه كانت يمثل منطقة تبادل الأفكار والثقافات بين الشرق والغرب.
وتأتي أهمية الموقع الاستراتيجي للعراق في التاريخ الحديث على أنه كان معبراً برياً بين الاتحاد السوفييتي (سابقاً) والبحار المفتوحة، كذلك يعتبر حلقة المواصلات الجوية بين أوروبا وآسيا، وتلتقي فيه جميع الطرق البرية التي تصل جنوب شرق أوروبا وشرق البحر المتوسط بالخليج جنوباً، وإيران وباكستان والهند شرقاً، ويعتبر مكاناً لالتقاء العوالم الإسلامية الثلاث، العربي، والفارسي، والتركي، وأراضي العراق تمتد من الخليج وحتى تركيا، وبذلك يشكل البوابة الشرقية للعالم العربي.
والموقع الجغرافي لأي دولة قد يكون عاملاً من عوامل قوتها أو ضعفها، ومن الممكن أن يجعلها محل أطماع الدول الأخرى، وخاصة إذا كان لموقعها أهمية استراتيجية على الصعيد الإقليمي تجعله حاضراً في الاستراتيجيات العالمية وحسابات الدول "الكبرى" كما هو حاصل في العراق الذي كان ولا يزال نقطة محورية في منطقة الشرق الأوسط على اعتبار انه يقع في قلبها ويؤثر فيها تأثيرا بالغا.
والعراق من المناطق التي شهدت عبر تاريخها الطويل التقاء سياسات متضاربة، وأيديولوجيات متنوعة، وقوى متصارعة، رغبت في وقت من الأوقات أن تستقطب دول هذه المنطقة أو تبسط نفوذها على جزء منها. وقد ركز الكثير من الخبراء على أن أهمية العراق تكمن في كونه جزءاً من الخليج الذي يعتبر قلب الشرق الأوسط جغرافياً، وبابه السحري، وصندوقه الذهبي الذي يسيل له اللعاب.
وبالتالي صار العراق هدفاً حيوياً للاستراتيجيات الغربية، وذلك من خلال تكوين تحالفات وتكتلات إقليمية، فقفز الى قمة الاهتمامات الدولية لعوامل عديدة أهمها ثقله النفطي الضخم، وموقعه الاستراتيجي المتميز فضلاً عن الأحداث المتتالية التي ضربت المنطقة في العقود الخيرة، فمن الحروب العربية الإسرائيلية، إلى "الحرب العراقية الإيرانية"، إلى حرب الخليج الثانية، إلى الاحتلال الأمريكي، وما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي".
من هنا باتت السيطرة على العراق وتفتيته هدفاً استراتيجياً في السياسة الأميركية والغربية الساعية نحو حلم الإمبراطورية. باعتبار ان سقوطه يؤدي إلى اتصال مناطق النفوذ الغربي في تركيا بالخليج، وعزل سورية عن إيران والعكس، وبالتالي خلط الأوراق في المنطقة.
نعمة النفط.. ونقمته
وما زاد الطين بلة على العراق ثروته النفطية الكبيرة حيث يبلغ مخزونه الاحتياطي المؤكد 143.10 مليار برميل، ما يجعله ثاني أكبر خزان نفطي معروف في العالم بعد المملكة العربية السعودية, وتبلغ القدرة التصديرية اليومية حوالي 3 مليون برميل، واحتل في الأشهر الأخيرة من العام الماضي المركز الثاني في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، ويعتزم زيادة إنتاجه إلى 5 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2014. كما تبلغ احتياطات الغاز المؤكدة 3158 مليار متر مكعب، وهو بهذه الكمية يحتل المرتبة العاشرة بين دول العالم من حيث احتياطي الغاز الطبيعي المؤكّد.
والجدير بالذكر ان العراق لم يتمتع باستخدام التقنيات الحديثة المستعملة في التنقيب عن النفط في العالم والتي ستحسن نسب استخراجه في المكامن المكتشفة حالياً، وتجعل كميات النفط التي يمكن استخراجها في المستقبل تقدر بأكثر من 360 مليار برميل، وهذا يكفي للاستمرار بمعدل الإنتاج بالطاقة المتاحة حاليا لمدة ثلاث قرون ونصف.
ورغم ذلك يتمتع العراق بطاقات نفطية هائلة، فمن أصل حقوله النفطية الأربعة والسبعين المكتشفة والقائمة، لم يتم استغلال إلا 15 حقلاً، بحسب خبراء قطاع النفط. والاقتصاد العراقي نفطي في المقام الأول، إلا أن النفط لا يشكل مورده الوحيد كباقي دول الخليج، وهو من الدول المؤسسة لمنظمة الأوبك وبدأت صناعته (النفط) منذ عام 1925.
"العراق قلب المنطقة العربية الآسيوية، والسيطرة على العراق تعني السيطرة على البترول، والتحكم في خطوط المواصلات الإستراتيجية"، هذا ما يعتبره الخبراء الإستراتيجيون في وزارة الحرب الأمريكية وفي مجلس الأمن القومي الأميركي..
دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة
العراق حسب الدستور الحالي، دولةٌ اتحاديةٌ واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيه جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وتتألف الحكومة الاتحادية من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، فضلا عن العديد من اللجان المستقلة. ويتكون العراق حسب الدستور من 18 محافظة من ضمنها إقليم واحد هو إقليم كردستان العراق والذي يشمل محافظات أربيل، دهوك، والسليمانية. وإقليم كردستان هو المنطقة الوحيدة المحددة قانوناً داخل العراق ولها حكومتها الخاصة وقواتها الخاصة الرسمية.
في 2011 قدر عدد سكان العراق بـ 32,665,000 نسمة. ويضم العراق خليطا متنوعا من القوميات والأعراق والأجناس والاديان, غالبية سكان العراق هم من العرب مع وجود كبير للقومية الكردية ثم تليها التركمانية والآشورية وكذلك الشبك مع تواجد للأرمن والشركس وغيرها من القوميات, يتواجد في العراق أيضا جاليات لعدة دول يقدر عديدها بعشرات الآلاف.
ماذا يجري في العراق؟؟
لعل الوقائع التي ذكرناها تشرح جزءاً يسيراً مما يجري في هذه الايام على الساحة العراقية، خاصة الإحتجاجات التي أُججت في المحافظات الغربية والشمالية (الأنبار، صلاح الدين، نينوى، كركوك وديالى) وتحديداً في الانبار، والتوتر الحاصل بين الحكومة المركزية واقليم كردستان، إضافة الى موجة التفجيرات الدموية التي تشتد بين الحين والآخر في مختلف المدن العراقية حاصدة حياة مئات الابرياء.
قبل الاحتجاجات في الانبار وجيرانها، خيم التوتر على الساحة السياسية العراقية بدءا من قضية نائب الرئيس طارق الهاشمي المتعلقة بالإرهاب والاحكام القضائية الصادرة بحقه ولجوئه الى تركيا، وصولاً الى التأزم الحاصل بين بغداد وإقليم كردستان، والخلاف المستمر بين ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الحكومة نوري المالكي والقائمة العراقية بزعامة اياد علاوي.
وأتت الاحتجاجات غربي البلاد والتي اتخذت من مسألة توقيف آمر حماية وزير المالية رافع العيساوي "العضو من القائمة العراقية" بتهم تتعلق بـ"الإرهاب" وسيلة لتأجيج مشاعر طائفية وتصوير الأمر كأنه خلافاً مذهبياً وليس سياسياً.
ورغم مسارعة اطراف داخلية واقليمية الى استغلال هذه الاحداث لإطلاق شعارات والكشف عن نوايا مشبوهة لعل أبرزها التقسيم، وكذلك لتصفية حسابات سياسية قديمة مع المالكي وربما العراق برمته، دأبت اطراف عراقية على التشديد على الوحدة والابتعاد عن الفتنة وضرورة إبعاد الأزمة عن التطييف وحصرها في السياق السياسي والقضائي، نظراً لخطورة الاوضاع على الساحتين العراقية والعربية بشكل عام.
وحتى الآن يبدو ان الامور تأخذ طريقها نحو التصعيد وفق المعطيات العراقية والاقليمية، في ظل محاولات لربط الوضع المتوتر اصلا في العراق بالازمة المتفجرة في سورية، خاصة مع مسارعة بعض القيمين على الاحتجاجات الى رفع شعارات اثارت مخاوف من ان تكون مقدمة لتكريس شبح التقسيم في بلاد الرافدين واشعال نيران ستطال شرارتها دول الجوار العراقي.
المحافظات المتوترة.. جغرافيا وديمغرافيا
- محافظة الأنبار تقع في غرب العراق وتعد أكبر محافظات العراق تبلغ مساحتها 138.000 كلم2 ويبلغ إجمالي عدد سكانها أكثر من 3.46 مليون نسمة (2005)، تاريخياً كانت تعرف المحافظة باسم لواء الدليم قبل عام 1961.
- محافظة نينوى في شمال العراق ومركزها الموصل التي تعد ثاني أكبر مدن العراق، وتبلغ مساحتها 32.308 كلم2. عدد سكانها حوالي 3 ملايين ونصف المليون نسمة.
- محافظة صلاح الدين احدى المحافظات في وسط العراق استحدثت في السبعينات من القرن الماضي باقتطاع مساحات كبيرة جدا من بغداد وأيضا من كركوك وتبلغ مساحتها 24.363 كلم2 وعدد سكانها حوالي 1.34 مليون نسمة.
- محافظة ديالى مركزها مدينة بعقوبة تقع في شرق شمال العراق، تبلغ مساحتها 17.685 كلم2، وعدد سكانها حوالي 1.40 مليون نسمة.
- محافظة كركوك تقع في وسط شمال العراق تبلغ مساحتها 9.679 كلم2. يسكنها خليط من العرب والتركمان والأكراد والآشوريين، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 1.32 مليون نسمة. تشتهر بالإنتاج النفطي، حيث يوجد فيها ستة حقول نفطية أكبرها في مدينة كركوك ويبلغ المخزون النفطي حوالي 13 مليار برميل.
- كردستان العراق أو إقليم كردستان العراق هو كيان اتحادي أو منطقة حكم ذاتي في شمال العراق عاصمته محافظة أربيل. يحده إيران من الشرق وتركيا في الشمال، وسوريا إلى الغرب وبقية مناطق العراق إلى الجنوب. ويتكون الإقليم من المحافظات الثلاث دهوك وأربيل والسليمانية. وتبلغ مساحته الإجمالية 83.643 كلم2، ويفوق عدد سكانه عن 5 ملايين نسمة.