30-11-2024 12:46 AM بتوقيت القدس المحتلة

صـوت الـعـرب فـي انتخـابـات إسـرائـيـل:بيـن امتـناعـهـم وتهميشهـم الـتـاريخــي

صـوت الـعـرب فـي انتخـابـات إسـرائـيـل:بيـن امتـناعـهـم وتهميشهـم الـتـاريخــي

أربعة أيام فقط، بقيت لانتظار نتائج الانتخابات العامة الإسرائيلية التي ستعلن بشكل أولي مساء يوم الثلاثاء المقبل

حلمي موسى 

أربعة أيام فقط، بقيت لانتظار نتائج الانتخابات العامة الإسرائيلية التي ستعلن بشكل أولي مساء يوم الثلاثاء المقبل. وبالرغم من أن الصورة العامة للنتائج تبدو واضحة، إلا إن البعض لا يزال يعتقد أن مفاجآت يمكن أن تقع، وأن العنصر المركزي فيها سيرتكز على نسبة المشاركة في الانتخابات.

ومن الجلي أن نسبة المشاركة العربية تعتبر من بين أهم العوامل المؤثرة في النسبة العامة للمشاركة. فالعرب يشكلون تقريباً حوالي خمس السكان في الدولة العبرية، لكن مشاركتهم، لأسباب كثيرة، تتراجع وباتت في حدود النصف أو أقل.

وقد اضطرت صحيفة «هآرتس»، التي تعد معقل الليبرالية في الإعلام الإسرائيلي، إلى تخصيص افتتاحيتها قبل يومين للصوت العربي، ونشر ترجمة مباشرة باللغة العربية تحت عنوان «اخرجوا وصوتوا».

كما أن أوساط اليسار والوسط في إسرائيل، التي باتت تشعر بثقل وطأة اليمين المعادي في الغالب للديموقراطية، صارت تبدي أسفها لعجزها عن فهم ومخاطبة الجمهور العربي الذي يحجم منه ما لا يقل عن نصف مليون من أصحاب حق الاقتراع عن المشاركة في الانتخابات.

ومن البديهي أن يشعر اليمين الإسرائيلي بالفرح، لأن العلاقات بين الوسط العربي والوسط واليسار في إسرائيل قد تردت إلى حد الابتعاد عن المشاركة. فعدم المشاركة يعني، في الغالب، تحييد هذا القطاع عن التأثير في السياسة الإسرائيلية سواء تجاه قضايا سياسية تتعلق بالتسوية أو حتى تجاه قضايا اجتماعية، بحكم أن العرب يصنفون ضمن الشرائح الضعيفة.

ولا يختلف اثنان حول أن أغلب الأصوات العربية في إسرائيل صارت تذهب لقوائم عربية باتت تنحصر تقريباً في ثلاث: «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، و«القائمة العربية الموحدة» و«التجمع الوطني الديموقراطي». وبحسب كل المعطيات فإن ما تناله هذه القوائم مشتركة لا يزيد على 11 مقعداً، أي بحدود 9 في المئة من مقاعد الكنيست. وبكلمات أخرى لا تنال هذه القوائم إلا حوالي نصف عدد المقاعد التي يستحقها الجمهور العربي في الكنيست.

صحيح أن قسماً من الأصوات العربية يذهب لأحزاب صهيونية سواء كانت يسارية أو يمينية، لكن أغلب هذه الأحزاب لا تقدم تمثيلاً مناسباً. فحزب العمل، الذي يمتلك قوة تاريخية في الوسط العربي لا يضمن اليوم مكاناً لعضو كنيست عربي إلا في الموقع الـ 17، أي على حافة ما تمنحه الاستطلاعات له.

كما أن «حركة ميرتس» اليسارية، والتي وقفت أكثر من سواها إلى جانب الجمهور العربي، لم تضمن مكاناً مناسباً لأي عضو عربي. وفي المقابل، فإن الليكود يضمن مكاناً في الموقع الـ 39 لـ«عربي» يبدو عنصرياً ضد العرب مثل عصبة الحاخام كهانا أو أكثر.

ومن الطبيعي أن لا مجال للحديث عن تمثيل عربي في «البيت اليهودي» أو «حركة شاس» أو «عوتسما ليسرائيل» التي يستفز رجالها سكان الأحياء اليهودية الصرفة في تل أبيب بإطلاق الأذان بمكبرات الصوت فجراً لإثارتهم ضد العرب.
طبعاً لم تكن هناك حاجة للإشارة أيضاً إلى أن حزب «كديما» الذي لم يضمن بعد تخطيه نسبة الحسم، يمنح عربياً مكاناً في الموقع الـ 18. أما تسيبي ليفني التي تمنحها الاستطلاعات ما بين سبعة إلى تسعة مقاعد، فقد منحت عربياً ممن خدم في الجيش الموقع الـ 12 في القائمة. أما حزب «هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد الذي تمنحه الاستطلاعات بين تسعة و11 مقعداً فوضع عربياً في الموقع الـ 23.

وليس صدفة والحال هذه أن يزداد الإيمان لدى العرب في إسرائيل بأفضال الابتعاد عن لعبة المشاركة في الانتخابات. فالتمييز القائم ضدهم منذ نشأة الدولة اليهودية في العام 1948 فاضح ولا يحتاج إلى برهان. وتقريباً خيّبت الأحزاب الصهيونية طوال الوقت آمال من آمنوا ولو للحظة بإمكان التعايش، ليس فقط لأنها سلبتهم أرضهم، وإنما أيضاً لأنها عملت على تبديد هويتهم. وبالإضافة إلى التمييز الدائم ضدهم، يتعاظم طوال الوقت المد اليميني الذي يحاول إثبات أن الفلسطينيين الباقين على أرضهم ليسوا سوى «طابور خامس» يعمل لمصلحة العدو.

وبشكل متزايد، يرى كثيرون في اليمين أن نضالهم يجب أن يتجه نحو إلزام هؤلاء الفلسطينيين بإظهار شهادات الولاء حتى يتمكنوا من العيش. وربما أن العامين الأخيرين شهدا أوسع حملة تشريعات عنصرية ومداولات لتقييد رأي وحركة العرب من حملة الجنسية الإسرائيلية.

وعندما أثيرت مؤخراً مسألة تشكيل معسكر وسط - يسار، واجتمعت قيادات حزب العمل وحركة ليفني ومستقبل لبيد، لم يكن الوسط العربي ولا ممثلوه حاضرين رغم أهميتهم الحاسمة في منح مغزى لهذا المعسكر. ومعروف أن لا معنى لهذا المعسكر من دون أن يفلح في تشكيل قوة مانعة في مواجهة تحالف اليمين. والعرب الذين يشكلون في الكنيست ما يقارب الـ 10 في المئة، يمكنهم أن يعززوا هذا المعسكر بقوة... لكن المنطق الصهيوني يرفض عموماً إشراك العرب.

وهكذا، فإن الجمهور العربي الذي يشعر بأن الوسط والدولة اليهودية ينبذانه، لا يرى نفسه ملزماً بالمشاركة في الانتخابات. ومؤخراً تعاظم السجال بين أنصار المشاركة من عدمها. وبديهي أن كل القوائم المشاركة تدعو الجمهور العربي إلى المشاركة بقوة في الانتخابات، على قاعدة أن غياب الصوت العربي يعني مكسباً صافياً لليمين الإسرائيلي المتطرف. وهناك إيمان بأنه إذا كانت نسبة المشاركة في انتخابات العام 2009 بلغت 53 في المئة فقط، فإنها هذه المرة لن تتجاوز الـ 50 في المئة.
ربما لهذا السبب خلصت افتتاحية «هآرتس» إلى أن « المشاركة الواسعة للجماهير العربية في الانتخابات هي لمصلحة جميع الديموقراطيين - العرب واليهود. لذلك، فالمواطنون العرب مدعوون للخروج للتصويت من أجل السلام والمساواة والديموقراطية». لكن هذه الخلاصة ليست مقنعة، على الأقل، لنصف العرب في الدولة العبرية.