تفتح شركة «سعودي أوجيه» أبوابها مجدداً لطرد موظفيها. الغريب أن مسؤولين في الدائرة الضيقة للرئيس سعد الحريري ينظرون إلى القرار المتخّذ
ميسم رزق
تفتح شركة «سعودي أوجيه» أبوابها مجدداً لطرد موظفيها. الغريب أن مسؤولين في الدائرة الضيقة للرئيس سعد الحريري ينظرون إلى القرار المتخّذ «كخطوة إيجابية مستمرة منذ فترة، لحلّ الأزمة التي تعصف بالشركة»، فيما أثارت عملية الطرد الجديدة، التي شملت لبنانيين، سخطاً واسعاً في مدينة صيدا التي كان لأبنائها الحظ الأوفر فيها.
تستمر شركة «سعودي أوجيه» في مكافأة العاملين فيها عبر فصلهم. مسلسل الاستغناء عن الموظفين لم تنتهِ حلقاته بعد. ففي إطار الطرد التعسفي الذي تتبعه منذ فترة، هذه الشركة التابعة لمؤسسات زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، اتخذ قرار بفصل المئات من الموظفين القدامى، معظمهم من الجنسية اللبنانية. العدد قابل للارتفاع في الأيام المقبلة، ولا سيما في ظل تبريرات الإدارة بأن «ما يحصل يدخل ضمن الآلية التي وضعتها الشركة لمواجهة الأزمة المالية التي تمُر بها». منذ ما يقارب السنة، فُتحت العيون السعودية على شركة الحريري، بعدما فاحت روائح الفساد فيها. عمليات سرقة واختلاس، قام بها كبار المسؤولين، بينهم مقربون من الشيخ سعد. لم يجِد الأخير حلّاً لمواجهة الأزمة واستعادة الثقة التي خسرتها الشركة في سوق العمل، سوى في تنفيذ عملية تشحيل كبيرة، يذهب ضحيتها «الصغار»، من دون أن تسجّل أي ملاحظات على أدائهم في العمل. البنود الأولى لهذه الخطة، نُفّذت العام الماضي، عبر طرد عدد كبير من الموظفين، معظمهم من جنسيات أجنبية.
حتّى السعوديون لم يسلموا من قرار الصرف، الأمر الذي أثار سخطاً واسعاً بينهم، على اعتبار أن «آل الحريري لحم اكتافهم من العائلة المالكة». وقد اتخذ قرار الطرد هذا بعد حصول شركة سعودي أوجيه منذ عامين على صفقة قرض مضمون طويل الأجل بقيمة 800 مليون دولار أميركي، لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع الملك عبد الله لتطوير منشآت تابعة لوزارة الداخلية (KAP2). وقد انضم كل من «دويتشه بنك أيه جي» و«بنك الصين للتنمية» و«بنك الإمارات دبي الوطني» لترتيب التسهيلات الائتمانية للمشروع. آنذاك، احتفت وسائل إعلام الحريري بنجاح الصفقة، دون أن تذكر أن القرض مشروط «بصرف عدد كبير من الموظفين، كجزء من خطة إعادة هيكلة الشركة المتفق عليها مع السعوديين».
الإهمال، رواتب كبار الإداريين، غياب الرقابة، المعارك الداخلية والسرقة، كلّها تحديات تواجه نتائجها الشركة. جعلتها أقرب إلى «خربة ينعق فيها البوم»، وعبئاً على المملكة التي أحاطتها بالعناية والرعاية والتفضّل عليها، عبر تلزيمها مشاريع بلد النفط الأول في المنطقة. ومن المعروف أنها « تعوّدت أن تفعل ما تشاء من دون مساءلة»، قبل أن «تبدأ مشكلاتها من القاعدة وصولاً إلى رأس الهرم الإداري، الذي غالباً ما أسند إلى أشخاص ليسوا أهلاً للثقة، بغض النظر عن مهاراتهم القيادية والإدارية، وهو ما أدى إلى نزف الخسائر المستمر»، كما يقول أحد المصروفين. هوية هؤلاء «ليست خافية على أحد». يكفي البحث عن «سعودي أوجيه» على المواقع الإلكترونية، لكشف «فضائحها»، لا على مستوى الإدارة الداخلية وحسب، بل أيضاً في ما يتعلّق بقضايا اختلاس أموال عامّة سعودية، لا يزال سعد الحريري غارقاً حتّى أذنيه في محاولة حلّها.
يبدو، مع مطلع العام، أن الأزمة لا تزال على حالها. وجديد هذه الشركة اختيار الالاف من عامليها ليكونوا «كبش فداء» في سبيل تنفيذ شروط القرض المصرفي، الذي طالب مانحوه بإعادة هيكلة الأمبراطورية الحريرية. والهيكلة تعني الاستغناء عن نحو 30 في المئة من موظفي الشركة. جدير بالذكر أن «معظم الذين تبلغوا قرار الصرف هم لبنانيون، وصل عددهم إلى 400 موظف، ينتمون إلى عائلات من جميع الأراضي اللبنانية». والحصاد الأوفر كان من الصيداويين، الذين قال أحد المقربين من الشركة إن عددهم «سيصل إلى حوالى 1500 عامل». حتّى الآن لا تزال المعلومات المتداولة عن العدد الذي تبلّغ قرار الصرف غير دقيقة، الا أن حالة من الفوضى والغضب تعمّ مدينة الحريري الجنوبية، بعدما تبلّغ أهالي بعض المطرودين الخبر الصاعقة، الذي رأوا فيه «إجحافاً وظلماً بحق أبنائهم، سوف يؤدي الى نتائج كارثية على وضعهم المعيشي، الذي من شأنه أن يؤثر في إعالتهم لأسرهم في المدينة، ويضيف إلى أهلها عبئاً جديداً من البطالة». مستغربين ما وصفوه بـ «التهوّر» على أبواب الانتخابات النيابية.
تختلف شهادات العاملين في «سعودي أوجيه» بعضها عن بعض، في ما يتعلّق بالقرارات الأخيرة. يُفّضل الكثيرون منهم التكّتّم عمّا يحصل، وخصوصاً أن «الأيام القادمة ستشهد تحركات مكثفة بهذا الشأن، على أمل أن تتراجع الإدارة عن قرارها، بعدما تضامن الكثير من الموظفين الذين لم يشملهم قرار الطرد مع زملائهم»، وفيما أشار أحد العاملين في الشركة إلى أن «أحداً من الموظفين لم يتبلّغ قرار فصله بعد»، لفت إلى أن «سياسة خفض الموظفين في سعودي أوجيه ليست جديدة، وهي مستمرة منذ بدء الأزمة»، مؤكداً «وجود جوّ عام يتحدث عن إقالة عدد جديد، الا أن هذا الإجراء سيؤجّل إلى ما بعد الانتخابات اللبنانية، حتّى لا يؤثر على تيار المستقبل في لبنان»، ولا سيما أن «عدداً لا بأس به ينتمي إلى جمهور الحريري». وأضاف موظّف أوجيه إلى المشكلات المعروفة «مشكلة الأجور التي أصبحت تمثل صداعاً مزمناً للإدارة، التي تعجز عن دفعها أحياناً». على ذمّة الموظف نفسه «ستنتظر الإدارة إلى ما بعد الانتخابات، لربما نالت الشركة بعضاً من الخيرات السعودية، التي يجنيها الحريري في مثل هذه الاستحقاقات، الأمر الذي يُمكن أن يساعدها على شدّ براغيها الرخوة، ويسهم في حلّ عقدتها الإدارية والمالية».
في موازاة هذا كلّه، يرى بعض المتابعين للأزمة أن «اختيار إدارة الشركة، وطبعاً بموافقة حريرية، موظفين لبنانيين، يأتي رداً على الهجمة التي تعرّضت لها الشركة، وخاصّة في وسائل الإعلام السعودية»، التي شنّت على الحريري حملة اتهمته فيها بأنه «يبلع وينسى، إلى درجة أنه تجرأ على فصل مواطنين سعوديين بدون إنذارات مسبقة أو إجراءات تقاضٍ». حتّى إنها طالبت الحكومة السعودية «باتخاذ إجراءات صارمة بحق الشركة».
ربما سيعود أيتام أوجيه اللبنانيون إلى أرضهم، إذا فشلوا في الضغط على الإدارة، لإيجاد حلول مناسبة، تحول دون «رميهم في الشارع». وفي مفارقة مؤلمة، يُعدّ هؤلاء أنفسهم لـ«مستقبل» مجهول، بعدما وقعوا ضحايا رذائل «الكبار»، الذين غرفوا من جيب الشركة من دون محاسبة. فلم يجِد المسؤولون سوى «بتطيير صغار القوم» حلاً وحيداً لقيام الشركة من جديد على أنقاضهم. وإن كان من الصعب معرفة العدد الفعلي المنوي صرفه في المرحلة القادمة، ستواصل «سعودي أوجيه» تنفيذ خطّة أشبه بسياسة «جز كل من لا ظهر له، ولا واسطة» لتطوير نفسها، ورد اعتبارها في المملكة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه