25-11-2024 12:41 PM بتوقيت القدس المحتلة

فتنة العراق.. بعد سورية (2)

فتنة العراق.. بعد سورية (2)

في الجزء الثاني، نعرض الخلفيات السياسية للازمة الاخيرة التي اندلعت في المحافظات الغربية والشمالية، وإبراز الدور الخارجي فيها بدءا من الإدارة الأميركية مرورا بتركيا وصولا الى بعض دول الخليج وبالاخص السعودية

 

صادق خنافر وحسين ملاح

عرضنا في الجزء الأول من تقرير "فتنة العراق...بعد سورية"، مكانة العراق وأهمية موقعه الاستراتيجي ونفطه وثرواته، والتي تشكل أهم عوامل الجذب لوضعه ضمن المخططات الأميركية الغربية الساعية لتفتيت وإضعاف المنطقة وصولاً حتى تدميرها من خلال التقسيم وخلق التوترات والخلافات بين الدويلات المنتظرة التشكل بأشكال وأنواع مختلفة طائفية، مذهبية، عرقية وحتى قبائلية.

في الجزء الثاني، نعرض الخلفيات السياسية للازمة الاخيرة التي اندلعت في المحافظات الغربية والشمالية، وإبراز الدور الخارجي فيها بدءا من الإدارة الأميركية مرورا بتركيا وصولا الى بعض دول الخليج وبالاخص السعودية وقطر.

فقد يكون من الغباء السياسي حصر الأحداث الجارية في العراق بالشأن السياسي الداخلي رغم أن بعض المطالب قد تكون محقة لجهة الاصلاحات واطلاق المعتقلين، لذلك يجب النظر الى القضية بصورتها الاجمالية.


المخطط الغربي
إستهداف العراق ليس جديداً، فمنذ إتفاقية "سايكس بيكو" كان وما يزال هدفاً لعدد من المخططات الغربية، لكن خطورة ما يجري الآن تكمن في أنه يأتي في زمن "الفتن المتنقلة" التي تعصف بعدد من بلدان الشرق الأوسط، فمعالم التقسيم في المنطقة باتت ظاهرة للعيان، بعيداً عن الخرائط المرسومة والموضوعة مسبقاً ضمن استراتيجيات واشنطن.

فالمخطط المرسوم بدأ مع تقسيم السودان إلى شمال وجنوب متناحرين، وهو قابل للتحقق في عدد آخر من الدول وما اكثرها في منطقتنا، وعلى سبيل المثال، ليبيا التي تلوح في افقها تباشير تقسيم قبلي نظراً لتعذر المذهبي او الطائفي، في حين ان جنوب اليمن بات قاب قوسين من الإنفصال، ناهيك عن الصراع في مصر، ومشاريع الكونفدرالية أو الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن، وصولاً الى سورية التي يراد لها أن تكون البوابة لبداية التفتيت..

ولعل من الأسباب الأساسية التي ساهمت في تسريع بداية تنفيذ المخطط في العراق، هو الإنسحاب المذل لقوات الإحتلال الأميركي وعدم حصولها على اي قواعد عسكرية تهدف مشاريع بسط سيطرتها على المنطقة، فسارع (الأميركيون) إلى استغلال حلفائهم داخلياً وإقليمياً لتأجيج النزاع في بلاد الرافدين.

وهذا ما يشدد عليه المحلل السياسي العراقي عباس الموسوي في حديث لموقع المنار من خلال الإشارة إلى "دعم اميركي واضح للتحركات الجارية على الارض العراقية وخاصة من خلال العلاقة الجيدة التي تربطها بالحكومتين التركية والقطرية اللتان تعلبان الدور الأكبر الداعم والمحرض لما يجري".

كلام الموسوي يعززه الخبير في الشؤون الإستراتيجية حبيب فياض لموقع المنار، مذكراً بـ"المشروع الاميركي الغربي بالتعاون مع بعض الأطراف الاقليمية الذي يقوم على توتير الأجواء المذهبية والمضي بالفتنة الى الأمام". ويضيف "ونظراً الى حساسية التركيبة السياسية والاجتماعية في العراق يمكن ان نعتبر ان الحاصل على الساحة العراقية قد يساهم في توسيع رقعة الفتنة واحداث المزيد من الشرخ بين المسلمين". ويعتبر فياض أن "من أسباب ما يحصل في العراق حالياً هو بمثابة عقوبات تفرض على رئيس الحكومة نوري المالكي نتيجة عدم انجراره الى السياسات الغربية اتجاه المسألة السورية".


التعويض عن سورية
الخبير في الشؤون التركية محمد نورالدين"لا تنفصل التطورات التي استجدت في العراق في الاسابيع الماضية عن سورية، فالدول التي تسعى الى اسقاط النظام هناك، هي نفسها التي تحاول نقل الأزمة الى العراق، من اجل اصابة اكثر من عصفور في حجر واحد، وعلى رأس هذه الدول قطر، السعودية، وتركيا"، كما يرى الخبير في الشؤون التركية محمد نورالدين لموقع المنار. وهو ما يؤكده أيضاً الموسوي، قائلاً ان "هناك تهويل ودخول قطري وتركي على خط الأزمة بعد عجزهم عن حسم النزاع في سورية، وارتفاع حظوظ الحل السلمي القائم على تطبيق بنود اتفاقية جنيف.. فبدأوا بتحريك الوضع العراقي".


دور وهدف.. تركيا
طريقة تدخل انقرة في الشأن العراقي كشفت عن الوجه الحقيقي لسياسة حكومة رجب طيب اردوغان حيال بلاد الرافدين بل تجاه المنطقة كلها، خاصة بعد مواقفها المعروفة من الازمة السورية. فتركيا حزب العدالة والتنمية وجدت في تغيرات المنطقة خاصة في مصر وليبيا وتونس فرصة للعب دور اقليمي بعد تضاؤل وربما انعدام فرص انضمامها للإتحاد الاوروبي، ولما لا، استرجاع امجاد السلطنة العثمانية.

ولتحقيق أهدافها، استغلت أنقرة الاحداث السورية عبر دعم وتسليح وايواء الجماعات المسلحة، وهو ما انسحب على طريقة تعاملها مع العراق، حيث لجأت اكثر من مرة الى التدخل المباشر في شؤونه، إضافةً إلى اللعب على الوتر المذهبي لتأليب بعض الفئات ضد الحكومة ودعوة المتظاهرين الى عدم التراجع عن مطالبهم، ومن هذه الخطوات على سبيل المثال لا الحصر، ايواء نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي المحكوم بالاعدام بتهم "إرهابية"، فضلا عن محاولة استمالة الاكراد وتحريضهم ضد الحكومة المركزية.

وجاءت تظاهرات المحافظات الغربية لتؤكد الانخراط التركي التام في محاولات زعزعة حكومة المالكي بعد ظهور شعارات تنادي بالتقسيم عبر انشاء اقاليم ذات صبغة مذهبية، ورفع اعلام ولافتات للاطراف الداعمة لهذا الاحتجاجات وعلى رأسها تركيا التي تسعى لتحقيق الأهداف التالية:

  • زيادة الضغط على المالكي بعد مواقفه من الازمة السورية.
  • ايجاد موطىء قدم على الساحة العراقية.
  • استمالة اكراد العراق ونسج علاقات سياسية واقتصادية.
  • الاستفادة من الثروات النفطية خاصة في الشمال.
  • الضغط على إيران، ومحاولات التأثير على موقفها من سورية.

وبالعودة إلى نور الدين يوضح لموقع المنار ان "الهدف النهائي لتركيا هو سورية واستهداف نظامها"، مؤكداً أن "الدور التركي مؤثر أكثر من غيره نتيجة للموقع الجغرافي مع سورية والعراق"، مشيراً إلى أن أنقرة اتبعت مع بغداد سياسة ذات شقين:

  1. تبني طروحات المكونات المعارضة للمالكي، بينها التحالف الكردستاني والقائمة العراقية.
  2. اللعب على الوتر المذهبي، خصوصا ان تركيا تقدم نفسها أحد حماة المسلمين السنة.


الاهداف الخليجية
أهداف انقرة في الداخل العراقي تتقاطع مع مصالح بعض دول المنطقة وبالأخص الخليجية منها، التي عاشت فترة من القطيعة مع بغداد تحديداً السعودية وقطر اللتين تتهمهما اوساط عراقية بالتورط المباشر بالتفجيرات المتنقلة، وكذلك في الاحداث الجارية عبر تمويل بعض الحركات والتنظيمات واحتضان قياداتها.

ولعل التغطية الاعلامية من قبل بعض الفضائيات العربية لتحركات الانبار تكشف عن الدول الداعمة لها، خاصة انها مملوكة وممولة من قبل هذه الدول على رأسها الرياض والدوحة. ووفق اوساط عراقية ، فان ابرز اهداف هاتين الدولتين من تأجيج النزاع العراقي تتمثل بـ:

  1. التضييق على حكومة المالكي، ومحاولة اسقاطها، وصولا لتغير نظام الحكم.
  2. قطع طرق التواصل بين العراق سورية، بعد تعثر خطط اسقاط النظام في دمشق.
  3. استهداف ايران عبر ضرب سورية وإضعاف العراق.
  4. اشغال العراق داخلياً لمنعه من لعب دوره الإقليمي.

وفي هذا السياق، يرى فياض لموقع المنار أن "الحسابات الخليجية (القطرية، السعودية) في المنطقة تتمحور حالياً على الازمة السورية، من خلال تصميمها على المضي حتى النهاية في معركة اسقاط النظام واستمرار المشهد الدموي، وبالتالي ليس من المستغرب ان تعمد هذه الدول الى ضرب وتجفيف منابع قوة النظام السوري". ويفصل الأهداف الخليجية المبتغاة في العراق بالآتي:

  • إحداث اضطرابات داخلية مذهبية وعرقية.
  • الضغط على حكومة المالكي من أجل التراجع عن مواقفها من الازمة السورية.
  • ضرب الاستقرار الداخلي والذي سيؤدي حسب اعتقادهم الى اشغال ايران ودفعها الى التراجع عن دعمها للنظام السوري.


تحركات الغرب.. رسائل باتجاه الشرق
ولأن سورية تشكل حركة الوصل في محور الممانعة الذي يربط إيران بحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، كان لا بد من استهدافها باعتبارها الركيزة الأساس لهذا المحور، وفق الرؤية الغربية والخليجية التي تبدو عاجزة عن الاقتراب من الجمهورية الإسلامية، نتيجة موقعها الاستراتيجي وقدراته العسكرية، وبالتالي فان المتنفس الوحيد امامهم للضغط على طهران هو النيل من حلفائها في العراق.

الخبير في الشؤون الإستراتيجية حبيب فياض وفي هذا الإطار يؤكد فياض للموقع أن "هناك انزعاج غربي واقليمي من الدعم الإيراني للنظام السوري باعتبار ان هؤلاء يحملون طهران مسؤولية صمود سورية واستمرارها"، مضيفاً "أن الغرب يعتبر العراق حالياً بمثابة حديقة خلفية للايرانيين ومقتنع أن العبث بساحته من الممكن أن يؤثر على مناعة الموقف الإيراني ودعمه لدمشق". من جهة اخرى يشير فياض إلى أنه "ومع اقتراب موعد جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والدول الست على خلفية المسألة النووية أيضا من الممكن ان يشكل التوتر الحاصل على الساحة العراقية ورقة ضغط على الإيرانيين في سبيل تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات".

هذا كله من دون إغفال العامل التركي الذي أيضا يريد ان يتخذ الى جانب الموقف الخليجي من الساحة العراقية مرتكزاً يستند اليه بهدف تعميم التوتر الحاصل في سورية ليطال أكثر من مكان في المنطقة بما في ذلك العراق وصولاً إلى...

 

فتنة العراق.. بعد سورية (1)
فتنة العراق.. بعد سورية (3)