في السابع عشر من شباط العام 2011، وفيما كان الشارع في البحرين واليمن وليبيا يتحرك ضدّ الظلم والفساد مطالباً بالديموقراطية والحرية، خرجت أول تظاهرة في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية
في السابع عشر من شباط العام 2011، وفيما كان الشارع في البحرين واليمن وليبيا يتحرك ضدّ الظلم والفساد مطالباً بالديموقراطية والحرية، خرجت أول تظاهرة في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية لتكون بداية حراك لا يهدأ منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
وهكذا تحوّل شارع الملك عبد العزيز في القطيف لشارع «الثورة»، وسقط منذ تشرين الثاني 2011 حتى اليوم 15 ضحية في صفوف المتظاهرين بالإضافة لمئات المعتقلين، وعدد من الإصابات الى جانب قتيلين في صفوف الشرطة، حسب ما صرحت وزارة الداخلية.
لم تفرق السلطة بين صغـير وكبير في الاعتقالات والقتل. تبرّر ما تفعله باتهام المتظاهرين باستخدام الزجاجات الحارقة والسلاح، في ما ينفي الأهالي ويؤكدون على سلمية الحراك.
عبد العزيز المشامع، والد جعفر المشامع (17 سنة) الذي اعتُقل منذ أكثر من تسعة أشهر، تحدث لـ«السفير» حول ملابسات اعتقال ابنه. وقال «كان ابني في الخارج عندما كان هناك تظاهرة في الجوار، بعدها تمّ نقله إلى المنزل مصاباً برصاصة في كتفه. عالجناه في المنزل لأن التوجّه للمستشفى قد يضعه أمام المساءلة القانونية والاعتقال، إلا أن صوراً لإصابته تسربت على الشبكة العنكبوتية فتم استدعائي بعد أيام عدة إلى مركز الشرطة، وهناك طلبوا مني إحضار ابني بحجة ارتكابه مخالفة مرورية، وعلى هذا الأساس أحضرته للمركز، إلا أنني فوجئت بهم يعتقلونه ويستجوبونه حول التظاهرات والمواجهات مع الشرطة».
ويشير الأب إلى أن الشرطة عرضت على ابنه صورة الإصابة، وأقر بالإصابة إلا أنه نفى مشاركته في التظاهرة قائلاً إنه أصيب أثر طلقات عشوائية أطلقتها الشرطة بينما هو في طريقه إلى منزل خالته، وحتى اليوم لم توجه له أي تهم، ولا يزال في دار الملاحظة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية وإدارة التحقيقات، حسب المشامع.
راجع عبد العزيز الجهات المسؤولة أكثر من مرة ولم يحصل على ردّ شاف، سوى السماح له بزيارته مرة في الأسبوع بعد أن أخذت معلومات عن العائلة ووضعها المعيشي. يخاف عبد العزيز أن «يقضي ابنه المزيد من الوقت هناك وتتطور الأمور، خصوصا أنه لم توجه له تهم واضحة، ووضعه القانوني مجهول منذ اعتقاله».
وعما إذا كان لجعفر أي نشاط سياسي، أجاب الأب «ليس لأبني أي دخل بالحراك الذي يحدث في المنطقة الشرقية، نحن عائلة مسالمة ونبتعد عن المشاكل، ولكنه أصيب عن طريق الخطأ عندما كان هناك إطلاق نار على المتظاهرين في الجوار»، كاشفاً «تعرض ابني للتعذيب والضرب بالهراوات والعصي ما أجبره على التوقيع على اعترافات باطلة بمشاركته في التظاهرات واستخدام العنف ضد الشرطة».
عبد العزيز المشامع وزوجته أم محمد يعيشان حالة من الأسى لاعتقال ابنهما الأوسط جعفر، الطالب في المرحلة الدراسية المتوسطة، ويشعران بخوف من المستقبل عبّر عنه والده بالقول «حياتنا مرة منذ اعتقاله، وكأنني فقدت ابني من بين يدي، كل ما أتمناه أن يفرج عنه في أقرب وقت، ليس في يدي الكثير لأعمله، لا يجدي توكيل محام ولا تجدي كل المراجعات والمطالبات بإطلاق سراحه».
أما والدته فتتحسّر «العيش في هذه الحالة أمر صعب جداً، لا نعرف شيئاً عن القضية، ولا نريد أن نقوم بأي تحرك قد تكون نتائجه عكسية على ابننا في المعتقل». وقد كشفت بأنها تعاني من حالة عصبية في غيابه وبكاء متواصل، فهو «لا يزال طفلاً، ويعزُّ علي أن أراه وراء القضبان، بعيداً عني».
الأهالي في منطقة القطيف ممن اعتقل أبناؤهم أو أزواجهم منذ بدء الحراك في المنطقة العام 2011، يخافون الحديث إلى الصحافة، كي لا يعود ذلك بنتائج سلبية على أبنائهم وأوضاعهم في الداخل. ومع ذلك وافق إبراهيم العباس أن يتحدث لـ«السفير» عن قضية ابنه علي (17 سنة)، المعتقل منذ آب الماضي ولم يعرض على محاكمة حتى الآن.
يقول «اعتقل ابني في شهر رمضان الماضي عندما كان يهمّ بالخروج من منزل أخيه الذي دأب على زيارته تقريباً كل ليلة، ووجهت له تهم أثناء التحقيق باستخدام الزجاجات الحارقة (المولوتوف) ضد الشرطة، فيما لا يعرف ابني ما هو معنى (المولوتوف)»، موضحاً «قال لي في أول زيارة له في الدار بأنهم اتهموه بإلقاء قنبلة، لكنه لا يفرق بين القنبلة والزجاجات الحارقة».
أودع علي دار الملاحظة، حيث يودع من هم دون الثامنة عشرة من العمر، وتعرض هناك للمعاملة السيئة حتى أنه تعرّض لتحرش جنسي لفظي، ومنذ ذلك الوقت ولا معلومات عن توجيه تهم رسمية له، أو عن محاكمته، أو عن المدة التي سيقضيها هناك، كما صرّح الأب.
وعن الوضع الحقوقي لهؤلاء المراهقين وغيرهم، تحدث إلى «السفير» عضو مركز العدالة لحقوق الإنسان وليد سليس معلقاً «عندما بدأ الحراك في المنطقة الشرقية منذ ما يقارب العامين، والحكومة تتعامل معها بنهج شديد، يتضمن إطلاق الرصاص على المتظاهرين واعتقالات، ما أدى لوقوع قتلى ومصابين، بالإضافة لأكثر من 800 معتقل على خلفية التظاهر أو على خلفية حرية الرأي والتعبير، خصوصاً في ما يتعلق بالكتابة على مواقع الشبكات الاجتماعية كالفيسبوك وتويتر».
وأضاف «نحن في المركز قمنا بتوثيق حالات القتل والتعذيب والإصابات والاعتقالات، ورفعنا تقارير للجهات المعنية كوزارة الداخلية وإمارة المنطقة الشرقية، وهيئة حقوق الإنسان الحكومية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وتحدثنا معهم عن حالات التعذيب والانتهاكات الأخرى التي تحصل للمعارضين والمتظاهرين».
ويشير سليس إلى أن هناك ما يقارب 180 معتقلاً حالياً منهم 22 طفلاً، وأن المركز يعمل على مساعدة الأهالي عبر رصد وتوثيق الحالات ومخاطبة المسؤولين وأيضاً تقديم المساعدة للأهالي لمن يحتاج رفع دعوى ضد هذه الجهات المسؤولة ومن يحــتاج لمساعدة قانونية، كــــما نقدم المساعدات المالية للكثير من العوائل التي تضررت نتيجة اعتــــقال أبنائـــهم لسد جزء من احتياجاتهم بسبب الاعــتقال التعسفي لمعيليهم.
وعما إذا كان هذا العمل يشكل خطراً عليهم شخصياً، ردّ وليد سليس «العمل الحقوقي هو طريق ذو أشواك ونحن نؤمن أن فئة من الناس يجب أن تقوم بهذا العمل ولو أدى ذلك للاعتقال أو التعرض للخطر بأي شكل من الأشكال».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه