30-11-2024 12:47 AM بتوقيت القدس المحتلة

الحرب على ليبيا (من كتاب لنضال حمادة)

الحرب على ليبيا (من كتاب لنضال حمادة)

الجزء الأول من كتاب نضال حمادة: الوجه الآخر للثورات العربية

 

الملف الأول

الحرب على ليبيا

 

 

زعيم.. زعيم...

زعيم ... زعيم.. لقد وفيت بوعدي وها قد أتيت. يجب أن تشتري طائراتي الميراج، وأنا سوف أشتري منك مخزونك من اليورانيوم الذي لا تحتاجه...خاطب الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي العقيد معمر القذافي الذي أجاب ضيفه قائلاً: لقد كانت سفرة متعبة، ألا تريد أن تنام، ونبحث الموضوع غداً، فأجاب ساركوزي: أنا بأحسن حال، ولست متعباً، ويجب أن ننهي الأمر حالاً من دون تأخير.[1]

حصل هذا الاجتماع السري ذات يوم من أيام تموز عام 2007 في خيمة العقيد معمر القذافي في باب العزيزية في طرابلس الغرب؛ لم تتم الصفقة ولم يشترِ القذافي طائرات الميراج الفرنسية، وهذا ما سبب غضب نيكولاي ساركوزي عليه، هذا الغضب الذي ازداد بعدها بأيام قليلة حين استضافت باريس مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط، وكان من بين الضيوف العقيد معمر القذافي الذي أثار حفيظة الفرنسيين، وخلق لدى ساركوزي شعوراً بالإهانة الشخصية كونه نصب خيمته في وسط ساحة الكونكورد على مقربة من قصر الإليزيه والسفارة الأميركية. شكلت زيارة القذافي هذه واستفزازاته نقطة البداية في تراجع شعبية ساركوزي بحسب استطلاعات الرأي العام، والتي لم تعد إلى الارتفاع قطّ.

 بعدها بخمس سنوات كانت طائرة (رافال) فرنسية تقصف موكب القذافي أثناء فراره من مدينة سرت، قبل أن يقتل الرجل على يد الثوار الذين تلقوا أمراً بتصفيته بناء على قرار أميركي فرنسي.

برنارد هنري ليفي: الرئيس يريد ضربات جوية

نهار الجمعة 4 آذار عام 2011 بدأ (برنار هنري ليفي) رحلة حوّلته من منظِّر يدّعي الفلسفة (كما يقول باسكال بونيفاس في كتابه: المزيفون) إلى فاعل مقرر في الدبلوماسية العالمية. فبعد أن أمضى وقتاً طويلاً أمام مبنى المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي يبحث عن الناطق الرسمي باسم المجلس (مصطفى عبد الجليل) تمكن من الوصول الى فيلا هذا الأخير الذي كان وزيراً للعدل في نظام القذافي، وأصبح الزعيم السياسي للثوار الليبيين، فخلع ليفي سترة الصحافي، وانتقل مباشرة إلى العمل الدبلوماسي الموازي والسري، عندما استقبله عبد الجليل محاطاً بأعضاء حكومته[2]. وبعد مدحه الثورة الليبية، قدم ليفي دعوة إلى المجلس لزيارة فرنسا واعداً إياهم بإيصالهم إلى قصر الإليزيه. وقد تمكّن، مساء ذلك اليوم، عبر جهاز هاتفه الموصول بالأقمار الصناعية من التواصل مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي وسأله: هل يمكنك استقبال (مسعوديي) ليبيا في إشارة إلى أحمد شاه مسعود، فوافق هذا الأخير فوراً. وفي السابع من آذار استقبل ساركوزي في قصر الإليزيه برنار هنري ليفي العائد تواً من بنغازي، واتفق الرجلان على القيام بحملة قصف مركزة على المطارات الليبية ترافقها عملية تشويش على الاتصالات التابعة لنظام القذافي[3]. وبعد ثلاثة أيام، أي في العاشر من آذار عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً استقبل الرئيس الفرنسي، برنار ليفي يرافقه ثلاثة من أعضاء المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي، وإلى جانبه، مستشاره جان دافيد ليفيت (عراب القرار 1559)، فأخبرهم أنَّ فرنسا تعترف بالمجلس كممثل شرعي لليبيا. ليفي الذي حضر الاجتماع غادر القصر من باب خلفي، وبعد عشر دقائق تلقى اتصالاً من ساركوزي قوّما خلاله الاجتماع، ومن ثم طلب إليه الكلام عن كل ما سمع وشاهد، ولم يتأخر ليفي في المهمة، فتحدث عند الساعة السابعة من اليوم ذاته على إذاعة «أوروبا 1» معلناً أن الرئيس ساركوزي يريد ضربات جوية استباقية ضد قوات القذافي[4].

أما قصة ذهاب برنارد هنري ليفي إلى بنغازي، فترويها مصادر ليبية معارضة في باريس إضافة إلى مصادر موثوق بها من جمعيات عربية وفرنسية تابعت الحرب في ليبيا. وقد أخبرتنا هذه المصادر تفاصيل لم تقم الصحافة الفرنسية بنشرها عن كيفية وصول ليفي إلى ليبيا، لكن المعلومات تفيد أنَّ محمود جبريل هو الذي اصطحب ليفي إلى بنغازي، وجمعه مع (مصطفى عبد الجليل). وجبريل هذا هو مسؤول سابق في جهاز الأمن الليبي أوكله العقيد معمر القذافي مهمة الاتصال بإسرائيل، وقد قام بالمهمة لسنوات طويلة لمصلحة القذافي قبل أن ينضم إلى صفوف الثوار، ويقدم خدماته لهم في المجال ذاته. فالمصادر تصف محمود جبريل بأنه رجل من الصف الأول، يتمتع بعلاقات واسعة مع جهات قوية في إسرائيل سخرها في التواصل بين القذافي والصهاينة، وها هو يوظفها من أجل بناء تواصل مريب وغير مفهوم بين المجلس الانتقالي في بنغازي والصهاينة، وقد أصبح جبريل فيما بعد نائب رئيس المجلس الانتقالي في بنغازي.

بعض المصادر الفرنسية المقربة من اللوبي الكاثوليكي قالت لنا أيضاً إنَّ لإسرائيل رجالاً يطلق عليهم (الإلكترونات الحرة)، وبرنارد ليفي أحد هذه الإلكترونات التي تحركها إسرائيل في أوقات الأزمات التي لا تريد أن تظهر فيها بشكل مباشر. من جهته علّق موقع (الدفاع ـ اورغ)العسكري، والقريب من اليمين المسيحي على زيارة برنارد ليفي إلى بنغازي بالقول: لقد نسي برنارد هنري ليفي رقم هاتف السفارة الإسرائيلية موقتاً، وانخرط في ليبيا على أن يعود لتذكر هذا الرقم في وقت لاحق[5].

إنها إحدى مفارقات التحالف الفرنسي القطري (برنارد هنري ليفي) في فرنسا و(عزمي بشارة) في قطر؛ واجهتان تجمعهما قضية الانتساب إلى اليسار، وإطلاق صفة المفكر على كليهما إضافة إلى علاقتهما بإمارة قطر، التي قدّمت لهما عشرات الملايين من الدولارات، أما الوظيفة فهي سمسار دولي لتشريع استخدام الأطلسي قوته العسكرية، والتدخل في العالم العربي بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان وربيع العرب.

طائراتنا في الجو...

يوم الحادي عشر من آذار، وأثناء اجتماع الدول الأوروبية الـ27 في بروكسيل لبحث الموضوع الليبي ظهر خلاف كبير بين فرنسا وألمانيا[6]، وقد أشار وزير الخارجية الألماني في مداخلته إلى إشكالية الاعتراف بالمجلس الوطني الليبي (إنَّ أعضاء المجلس هم من أتباع القذافي السابقين ولا أنصح بهم) قال الوزير الألماني، غير أن ما ساعد ساركوزي صدور بيان قاس عن جامعة الدول العربية في ذلك اليوم بالتحديد يدين بشدة نظام القذافي. وقد تزامن بيان الجامعة العربية في ظل رئاسة قطر[7] مع اجتماع المجموعة الأوروبية نتيجة تنسيق مسبق بين ساركوزي وحمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية، لمساعدة الرئيس الفرنسي في إقناع الدول الأوروبية المعترضة على التدخل في ليبيا. وهذا ما حصل بالفعل، إذ اتفق المجتمعون في بروكسيل أن المجلس الانتقالي في بنغازي جهة محاورة سياسية شرعية مثل الآخرين، ولكن دون تحديد هوية هؤلاء الآخرين. كانت فرنسا تسعى للاعتراف به (كلما أسرعنا بالاعتراف به أصبحت تصريحاته تؤخذ على محمل الجد) يقول كلود بيسون مستشار ساركوزي. لم تكن ألمانيا متحمسة للتدخل العسكري في ليبيا كما أنَّ الولايات المتحدة لم تكن أيضاً في هذا الوارد؛ والواقع أن العلاقة بين ساركوزي وأوباما لم تكن جيدة طوال سنوات حكم الرجلين[8] بينما لا تستيغ المانيا عودة فرنسا للعب دور عسكري في العالم خصوصاً في بلد غني بالنفط مثل ليبيا حيث للشركات الألمانية استثمارات كبيرة[9]. وكان موقف إيطاليا أيضاً ضد القصف الجوي، وذلك يعود إلى أنَّ روما المستعمر القديم لطرابلس خشيت خسارتها السوق الليبية، وهي أكبر مستثمر فيها وهذا ما حصل بالفعل.

في الاجتماع، طرح وزير الخارجية الألماني إمكانية فشل الضربات الجوية متسائلاً: هل سوف نرسل قوات برية؟ غير أن الوضع تغير في الأيام اللاحقة بعد تلقي فرنسا الدعم من منظمة المؤتمر الإسلامي، ومن مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، فتقدمت في 17 آذار بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، وتم التصديق عليه تحت رقم 1973، قضى بإقامة حظر جوي في السماء الليبية، وسمح باستعمال كل الوسائل المتاحة لحماية المدنيين في إشارة غير مباشرة إلى العمل العسكري[10]. وقد صوّتت على القرار عشر دول وامتنعت خمس دول عن التصويت من بينها روسيا والصين وألمانيا. وقد تمكن الفرنسيون من إقناع روسيا والصين أنَّ الهدف هو حماية المدنيين، ولن يكون هناك تدخل عسكري ولا إسقاط للنظام، غير أنَّ ساركوزي لم يفِ بوعده وهذا ما أغضب الروس والصينيين الذين لا يتوقفون عن تذكير الغرب بالخديعة الليبية التي أوقعهم فيها كلما حاولت الدول الغربية تقديم مشروع قرار ضد سوريا. وقد صارح نائب وزير الخارجية الصيني وفداً من المعارضة السورية أثناء اجتماعه بهم في بكين بهذا الموضوع قائلاً: لن نسمح لهم بالعمل في سوريا كما فعلوا في ليبيا، لقد كذبوا علينا وتعاملوا معنا بطريقة غير محترمة وصبيانية؛ في كل الاجتماعات التي عقدها الفرنسيون معنا ومع الروس قطع لنا (جوبيه) كل الوعود والالتزامات بعدم السعي لإسقاط النظام الليبي لكنهم غدروا بنا، ونحن لم نعد تصدقهم ولن نسمح لهم باستغفالنا مرة أخرى[11].

كان نيكولاي ساركوزي قد اتخذ قرار الحرب لإسقاط القذافي، ولم يكن ينقصه سوى موافقة شكلية من مجموعة أصدقاء ليبيا التي دعاها إلى اجتماع بتاريخ 19 آذار، أي بعد يومين من القرار 1973. وبين 17 و 19 من الشهر ذاته[12]، كان الرئيس الفرنسي يعد العدة للحرب بعد أن حصل على موافقة رئيس وزراء بريطانيا (دافيد كاميرون)، أما قطر والسعودية فقد كانتا تنسقان معه منذ البداية.

في 18 آذار جمع الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه القيادة العسكرية الفرنسية طالباً إبداء الرأي بإمكانية توجيه ضربات عسكرية في ليبيا، وكان رأي العسكر بعد إجراء مراجعة للإمكانيات الليبية التي تقتصر على صواريخ سام 6، أن هذا الأمر قابل للتنفيذ بنجاح مع احتمال خسارة طائرة أو طائرتين[13].

صبيحة يوم 19 آذار، وقبل الاجتماع الموسع لمؤتمر أصدقاء ليبيا، كان نيكولاي ساركوزي محاطاً بوزير خارجيته آلان جوبيه وبمستشاره السياسي جان دافيد ليفيت عراب القرار 1559، وبقائد أركان الجيش الفرنسي الأميرال(ايدوارد غيو)، ورئيس الأركان الخاص بالقصر الجمهوري الجنرال (بنوا بوغا)، وقد حضر الاجتماع رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون ومستشاره العسكري، فضلاً عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يرافقها ضابط كبير من قيادة الأركان الأميركية.

تحدث الرئيس الفرنسي عن الوضع الخطير في بنغازي، وعن الحاجة الطارئة للتدخل شارحاً أنَّ رتلاً كبيراً من الدبابات يقترب من بنغازي مع لواء بكامل عتاده، وأنه يجب ألاّ نخضع لتحديات القذافي. غير أنَّ الضابط الأميركي كان له رأي مغاير: طالما بطاريات الصورايخ المضادة للطائرات التابعة للقذافي لم تدمر، أرفض التدخل، نحن معرضون لخسارة طائرات، وهذا سوف يكون هزيمة رمزية كبيرة للتحالف، وأيده بذلك العسكري البريطاني.

أنا مستعد أن آخذ هذا الخطر على عاتقي قال نيكولاي ساركوزي، أنا لن أفعل شيئاً دون موافقتكم، وكشف بوضوح عن نيّاته بالقول: طائراتنا أقلعت في الجو، ونحن لن نفعل شيئاً دون رضاكم، الأوامر أعطيت، وعند الساعة التاسعة والنصف يمكن للطائرات أن تعود أدراجها إذا لم أحصل على الموافقة الجماعية.

كان اجتماع أصدقاء ليبيا غريباً بشكل لافت؛ زعماء أنظمة عربية قمعية وملكية يريدون إسقاط نظام عربي قمعي مثل أنظمتهم بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى جانب زعماء الدول الغربية التي كانت حتى الأمس القريب تستقبل القذافي، وعلى رأس هؤلاء الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي[14].

 أعاد الرئيس الفرنسي كلامه عن المذبحة القريبة التي سوف تقع في بنغازي مستشهداً بكلام القذافي وابنه سيف الإسلام؛ وللحقيقة فإن القذافي بغبائه السياسي ومزاجه وجنونه قدم للغرب ولساركوزي الفرصة تلو الفرصة، فيما كانت روسيا والصين عاجزتين عن التدخل الفعلي لإنقاذه لأن جوبيه حمل معه إلى مجلس الأمن تعابير القذافي (زنقة زنقة ودار دار أو الجرذان والذبح في كل منزل)[15].

الجميع دون استثناء رددوا رغبتهم بإيقاف القذافي، وهنا تدخل الرئيس الفرنسي ليقول: طائراتنا حالياً في الجو باتجاه ليبيا، ولكنها لن تدخل المجال الجوي الليبي إلا بتوافر شرط واحد هو موافقتكم على إعطائي الضوء الأخضر... أعطى كل من على الطاولة موافقته، وبعد ظهر يوم 19 كانت الطائرات الفرنسية تدمر دبابات تابعة للقذافي على مداخل مدينة بنغازي[16].

في بعض التفاصيل بحسب جهات فرنسية مطلعة ارتكب القذافي خطأ استراتيجياً كبيراً يومها، حيث أوقف تقدم دباباته عند الساعة الثانية عشرة ظهراً بعد تعرضها لإطلاق نار، وأعاد تجميع رتل الدبابات في جامعة ذي قار، وبعد ساعات أتت الطائرات الفرنسية لتدمر الرتل بكامله داخل حرم الجامعة[17].

في تلك الفترة كانت  النقاشات على أشدها بين الأمريكيين والفرنسيين الذين أرادوا التدخل العسكري من البداية. وفي اجتماع مع هيلاري كلينتون بتاريخ 14 آذار لم تعط الوزيرة الأمريكية أي جواب شافٍ حول نية الولايات المتحدة. مساء ذلك اليوم في واشنطن جمع الرئيس الأمريكي باراك اوباما مستشاريه لمناقشة الوضع وحضر الاجتماع سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة وكان وزير الدفاع روبيرت غيتس يقول انه ليس للولايات المتحدة أي مصالح حيوية في ليبيا لذلك لا داعي للحرب، وتدخلت سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن (سوزان رايس) قائلة أن هناك مذبحة سوف تحصل في بنغازي ويجب أن لا نكون في عكس التاريخ والقوة العسكرية للولايات المتحدة سوف تصنع الفارق في المعركة في نهاية الاجتماع قال الرئيس أوباما سوف نتدخل ولكن لأيام وليس لأسابيع.

بعد عشرة أيام من بدء الهجوم العسكري عقد اجتماع عبر الفيديو ضم ساركوزي ، أوباما، كاميرون، ميركيل. بدأ الرئيس الأمريكي كلامه بالقول نحن لن نستمر في التورط بالحرب  سوف نتوقف عن القصف، كان رد الرئيس الفرنسي عنيفا وعصبيا وقال( إذا كنا سوف نترك القطار عند أول محطة فلم يكن من الداعي أن نركبه أصلا، نحن الآن في حرب ولا يمكن لك ان تتركنا لوحدنا). رد اوباما (ولكن منذ البداية قلت نحن سوف نشارك لأيام وليس لأسابيع  ولا لشهور). رد ساركوزي بنفس الوتيرة العصبية  ( إذا كان الأوروبيون سوف يحاربون لوحدهم لا أدري لماذا إذن نلجأ لحلف شمال الأطلسي ). انتهى هذا الإجتماع. استمرت الولايات المتحدة بتزويد  التحالف ضد القذافي بالمعلومات الاستخبارية وتوقفت عن شن الهجمات بصواريخ كروز غير انها عادت في أواخر أيام القذافي وساهمت ببعض الغارات الجوية.

هذا التردد كان سمة سياسة أوباما في مصر أيضا حيث انتظر الرئيس الأمريكي طويلا حتى قبل فكرة تنحي مبارك وذلك على الرغم من الضغوط الفرنسية والقطرية التي كانت تقول له أن مبارك انتهى ويجب البحث عن بديل.

على عادته جمع أوباما مستشاريه لمناقشة وضع الرئيس المصري حسني مبارك. كان هناك انقسام بين المستشارين ، كانت وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) و (جو بايدن) ضد تنحي مبارك بينما كان الجناح اليساري  المؤلف من  (سامنداباور) و (بن رودز) و دونيس ماكدونالد) يدعو الى البحث عن بديل لمبارك وعدم الوقف في مواجهة التغيرات والتاريخ. وبعد نقاش طويل  وفي نهاية الاجتماع قال أوباما لمستشاريه هل لديكم استراتيجيا  للوضع في مصر في حال سقوط مبارك. ساد الصمت ولم يعط أي من مستشاري الرئيس استراتيجيا واضحة.

 كان ثقل السعودية يرخي بظلاله على الرئيس الأمريكي فالعائلة السعودية الحاكمة تريد من الرئيس الأمريكي الدفاع عن حسني مبارك  وعدم التفريط به مهما كلف الأمر. وقبل ذلك كانت السعودية هددت بوقف التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في حال سمحت الأخيرة بسقوط النظام البحريني. ويعرف أوباما ان توتر العلاقة مع السعودية يعني ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط .

في 23 شباط الساعة 4 بعد الظهر بتوقيت واشنطن 11 ليلا بتوقيت القاهرة اتصل أوباما بمبارك وحثه على القيام بإصلاحات ترضي الشارع عبر الإعلان عن حكومة انتقالية ولكن دون ان يطلب منه التنحي بشكل مباشر، كان هذا الاتصال الأكثر سوءا الذي يجريه أوباما منذ توليه الحكم، انفجر مبارك غاضبا ورفض أن يتنحى وقال لأوباما بصوت عال (أنت لا تعرف ماذا يجري، إنها إيران التي تقف وراء كل هؤلاء المتظاهرين، إذا تنحيت سوف يستلم الإخوان المسلمون الحكم في مصر)[18].

أوباما: كلما طالت مدة المرحلة الانتقالية كلما ازدادت حدة التظاهرات.

مبارك: مصر ليست تونس. سوف تتوقف المظاهرات خلال أيام. هذا شعبي وانا أعرفه، أحترم رأيك ولكني الأكثر إلماما بالموضوع.

اوباما: أعتقد أنها الفرصة التي يجب اغتنامها. ان المظاهرات لا تتوقف عن التعاظم. أعتقد انه خلال  ال48 ساعة القادمة عليكم التفكير بوسيلة لإخراج عملية الانتقال بأفضل طريقة وأسرع وقت.

مبارك: سوف اتصل بك خلال عطلة الأسبوع القادم [19]

اوباما: سيدي الرئيس احتفظ لنفسي بحق الاتصال بك قبل ذلك إذا لم تتطور الأوضاع نحو الأحسن

هنا بدأ اوباما بالضغط المباشر على مبارك بالقول:

سيدي الرئيس انا دائما أحترم الأكبر مني سنا. أنتم تعملون بالسياسة منذ وقت طويل جدا ولكن هناك اوقات في التاريخ ليس لأن الأمور سارت بطريقة ما في السابق سوف تسير بنفس المسار في المستقبل. لقد خدمتم بلادكم 30 عاما  وانا اريد ان تغتنموا هذه الفرصة التاريخية[20].

كان هذا الاتصال بمثابة التحول الكبير في موقف أوباما الذي جمع مستشاريه على الفور وأبلغهم ضرورة العمل بسرعة على إجبار مبارك على التنحي وطلب من كل واحد منهم الاتصال بمعارفه في مصر والعالم العربي وتشغيل اللوبي التابع له في سبيل تحقيق هذا الهدف. اتصل (روبيرت غيتس ) بطنطاوي وأقنعه بالتخلي عن مبارك فيما كانت جو بايدن وهيلاري كلينتون يمارسان الضغط على (عمر سليمان) الذي بدأ يلين من موقفه وقبل بتنحي مبارك.

في نفس الوقت بدا ضباط الجيش المصري يتلقون رسائل عبر البريد الإلكتروني من ضباط امريكيين تدربوا معهم واجروا معهم دورات في الولايات المتحدة، وكانت الرسائل تحذرهم  من إطلاق النار على المتظاهرين وعدم الدفاع عن رئيس مريض سوف يكون إبنه خليفة له مع ان هذا الإبن لا يحظى بثقة الجيش. لا تكسروا علاقتكم  مع شعبكم في هذا الوقت العصيب. كانت رسالة واحدة ارسلها ضباط الجيش الأمريكي لمعارفهم من ضباط الجيش المصري.

اخذ الجيش المصري بتحذيرات الجيش الأمريكي واثمرت  الضغوط عن وعد من طنطاوي وعمر سليمان باستقالة الرئيس، صبيحة اليوم التالي للإتصال بين اوباما ومبارك جرت معركة الجمل في ساحة التحرير. التزم الجيش المصري جانب المتظاهرين ولم يطلق النار عليهم .

استكمل اوباما عملية الضغط على مبارك  وأرسل أسطورة الدبلوماسية الأمريكية (فرانك ولستر) الى القاهرة حاملا رسالة واضحة لحسني مبارك بضرورة التخلي عن السلطة. حمل (ولستر) الرسالة وفور وصوله الى القاهرة تم نقله الى القصر الرئاسي. أبلغ الرسالة لحسني مبارك مدعوما بموقف الجيش المصري..

بالنسبة لأمريكا سقط مبارك وبقي النظام..

هي الحرب السهلة التي عرف ساركوزي خوضها في ليبيا ، فليس للعقيد جيش قوي ولا حتى بنية جيش، فالزعيم كما ناداه ساركوزي في أحد أيام تموز عام 2007 حطم الجيش الليبي لمصلحة ميليشيات أنشأها لأبنائه كان يطلق عليها كتائب القذافي..

يقول كريستيان شينو الصحافي في إذاعة فرنسا الدولية إنَّ أحد أسباب التسرع الفرنسي في التدخل العسكري ضد ليبيا إثبات قدرة طائرة (الرافال) الكبيرة، ويضيف إنَّ سقوط طائرة واحدة من هذا الطراز في ليبيا يعني الكارثة لصناعة الطائرات الفرنسية ولساركوزي شخصياً لأنَّ عروض بيع هذه الطائرة العسكرية الفرنسية كانت السمة المشتركة لكل زياراته الخارجية[21].

هذا الحسم والتسرع في قرار الحرب على ليبيا لم يتوافرا في سوريا، ما اقتضى طريقة أخرى في التعاطي مع الأحداث هناك تعتمد على تشجيع الحراك المسلح حتى تصل الأمور إلى العفن المحلي والانهيار من الداخل، كما تحدث السفير الفرنسي في دمشق في إحدى جلساته الباريسية[22].

لكل رئيس فرنسي حربه..

نيكولاي ساركوزي صاحب شخصية تميل إلى العنف يقول (روبير غودريه) في كتابه (وسقطت الأقنعة)[23]et les masques sont tombés؛ إنه عاشق لجورج بوش، وأحيط بمجموعة من المحافظين الجدد على الطريقة الفرنسية مثل (بريس أورتوفو) وزير الداخلية الذي يتخذ من سيلفيو برسلكوني مثالاً له أو مثل جان دافيتليفيت. إنه شخصية تتخذ القرارات بسرعة، عصبي المزاج عنيف كما يقول الصحافي جان بول كروز[24].. وزير دفاعه السابق (هيرفيهموران) يقول في كتابه «توقفوا عن احتقار الفرنسيين»: ساركوزي يريد السلطة في فرنسا على شاكلته، وحشية، شنيعة، وأحياناً غير لائقة. لقد كنا نشعر بالإحراج عندما يربت على كتف أوباما ليظهر أنهما صديقان، إنها تصرفات صبيانية لصبي متقلب[25].

ويصف موران فهم ساركوزي السياسي بالقول: هو يتبع إستراتيجية الدراويش الدائمة، رجل يفقد النظرة البعيدة ويفعل الشيء ونقيضه... رئيس يخلط بين العمل التطوعي والإعلان الدائم واضعاً دوامة يمنع من خلالها الفعاليات الاجتماعية والرأي العام من تحديد أمرهم، والتحرك ضد أي قرار.

واتهم الوزير السابق ساركوزي بالداعية الانتخابية معتبراً فرنسا في نظره سوقاً مجزأة، لذلك بالنسبة إليه فإنه يتعاطى مع شرائح أو مع زبائن من دون الاهتمام بالتوافق العام، ما يعطي انطباعاً أنَّ الدوامة ما هي إلاّ عملية فوضى كبيرة..

 في ليبيا أعلن نيكولاي ساركوزي عن حربه الخاصة بعد الحرب التي شنها في ساحل العاج؛ فلكل رئيس فرنسي حربه التي خاضها أثناء ولايته؛ فالحرب إثبات لجدارة الرئيس وأهليته لقيادة دولة بحجم فرنسا. هذا ما فعله فرانسوا ميتران، واليوم نيكولاي ساركوزي الذي يمثل المحافظين الجدد في فرنسا. إنه لم يخرج عن هذه القاعدة وهو الذي يحمل أفكار جورج بوش وسياسته، فقد خاض في ليبيا حربه العقائدية قبل أي شيء. لقد أنذره بارك أوباما قائلاً: «أنا سوف استمر معك عشرة أيام فقط ليس أكثر»[26]، لا أريد أن تحسب هزيمة عليّ في حال أخطأت أنت، غير أن ساركوزي كان مصمماً على الحرب. (إنَّ القذافي لن يبقى، سوف يرحل بعد ستة أشهر)[27] قال لأوباما. لذلك، نرى أنَّ هذه الحرب قد استحوذت على اهتمام خاص من الرئيس الفرنسي الذي كان يتابع يومياً مع قياداته العسكرية على الخريطة تقدم الثوار الليبيين على الأرض [28]..

لم يكن لهذه الحملة العسكرية أن تنجح لولا المساعدة الاستخبارية التي قدمتها الولايات المتحدة للفرنسيين والإنكليز والقطريّين[29]، على الرغم من سعي واشنطن البقاء خارج الصورة في الحملة العسكرية. وتكمن أهمية الدعم المعلوماتي والاستخباراتي الأميركي في حجم المعلومات التي يمتلكونها عن النظام الليبي نظراً للتعاون الاستخباري الواسع النطاق الذي كان قائماً بين الولايات المتحدة ونظام معمر القذافي منذ أحداث 11 أيلول، خصوصاً في مكافحة الإرهاب ومراقبة الإسلاميين الليبيين الذين كان الكثير منهم من القيادات العسكرية البارزة في تنظيم القاعدة[30].

هذه بضاعتكم ردت إليكم..

برزت عقيدة فرنسية جديدة في التعاطي مع العالم العربي ، هي عقيدة رونالد ريغان والمحافظين الجدد في التحالف مع السلفية الجهادية، خصوصاً وأنَّ هناك بعضاً من هؤلاء المحافظين الجدد الذين أتوا مع وصول ساركوزي إلى سدّة الحكم عام 2007. وتتلخص هذه العقيدة بالقبول بوصول السلفيين من الإسلاميين إلى الحكم في العالم العربي، ومساعدتهم على تحقيق هذا الهدف بكل الوسائل بما فيها العسكرية كما حصل في ليبيا، أو كما تحاول السياسة الفرنسية أن يحصل في سوريا. وقد كشف وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) عن الخطوط العريضة لهذه العقيدة السياسية في خطابه الذي ألقاه في معهد العالم العربي في 16 نيسان 2011، الذي يمكن اعتباره بمثابة وثيقة ضمان فرنسية للإسلاميين الجهاديين باعتراف فرنسا بوجودهم وحكمهم طالما التزموا الخطوط الحمر، وأولها إسرائيل ويليها النفط والغاز؛ لقد أعلن جوبيه في هذا الخطاب جهل فرنسا بالعالم العربي عندما قال: «أما التحدي الثالث فيتجلى في تغيير نظرتنا إلى العالم العربي. فقد كنا، نحن الفرنسيين، نعتقد أننا على إلمام جيد بهذه المجتمعات، التي تربطنا بها علاقات عريقة ووثيقة. لكن «الربيع العربي» فاجأنا وأظهر جهلنا لجوانب كاملة من هذا العالم».

لقد حدّد جوبيه النظرة الجديدة بالتعاون مع الإسلاميين وقبولهم في الحكم، مؤكداً على ضرورة التواصل مع المقاولين في البداية، ومن ثم مع بقية شرائح المجتمعات في العالم العربي «اليوم، نحتاج إلى رؤية المقاولين والقائمين على الجمعيات. نحتاج إلى رؤية الفنانين والطلبة. نحتاج إلى رؤية المدونين وأولئك الذين يقولون «لا» والجهات الفاعلة الناشئة.

ذلك هو مغزى هذه الندوة التي وددت أن أعقدها لتشكل مناسبة لنا لتبادل آرائنا وتحاليلنا وأفكارنا.

وآمل أن يقام هذا الحوار من دون عقد مع التيارات الإسلامية ما دام الجميع يحترم المبادئ التي ذكرتها، أي قواعد اللعبة الديمقراطية ورفض جميع أشكال العنف».

وأطلق جوبيه مفاجأته عندما قال: «السيد بن سالم قال لنا، منذ قليل، إنَّ الإسلاميين سيفاجئوننا. فاجئونا، إذاً! أنا لا أطلب أفضل من ذلك. وسنفاجئكم بدورنا، فنحن ليست لنا إطلاقا عقلية تسعى إلى وصم العالم الإسلامي أو الدين الإسلامي، بل على العكس من ذلك، نحن نسعى إلى الحوار معه»، أما الخلاصة من المفاجأة فهي تغير جذري في السياسة الفرنسية في العالم العربي «ينبغي لنا اليوم أن نعيد النظر في سياستنا برمتها تجاه العالم العربي..».

وخلص جوبيه إلى تحديد ثلاث نقاط هي محور السياسة الجديدة في العالم العربي أولها أمن إسرائيل وثانيها لبنان الذي تحلم فرنسا بالعودة إليه، والملف النووي الإيراني قائلاً: «ختاماً، التحدي الأخير: بذل قصارى جهدنا لإيجاد حل لأبرز الصراعات المستمرة في المنطقة.

أقصد بطبيعة الحال، أولاً وقبل كل شيء، الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لا تقل تطلعات الشعب الفلسطيني مشروعية عن تطلعات الشعوب الأخرى للضفة الجنوبية. أما إسرائيل، فلها الحق في العيش في أمن وسلام. لذلك، يجب، خلال الأشهر المقبلة، أن تخرج فكرة دولة فلسطينية ديمقراطية مستدامة ومتصلة تعيش في أمن وسلام بجانب دولة إسرائيل، من مجال الأحلام لتتحول إلى واقع. نحن ندرك جميعاً المعالم الكبرى للحل: يجب الآن تنفيذها. ولن تدّخر فرنسا جهداً في سبيل تحقيق ذلك.

أقصد أيضاً الوضعية في لبنان. نحن في حاجة للبنان ذي سيادة يتحكم في مصيره ويصير، في المنطقة، قدوة يحتذى بها بفضل فعالية مؤسساته الديمقراطية والتعايش السلمي بين الطوائف.

أقصد ختاماً المسألة الإيرانية. موقفنا في هذا السياق واضح: يجب على السلطات الإيرانية أن تضمن لشعبها احترام حقوق الإنسان، وتسوية المسألة النووية، طبقاً لطلب المجتمع الدولي، والعمل على تطوير تأثير إيجابي في المنطقة برمتها».

هذه هي الخلاصات الثلاث، ولا يخفى على المتابع أن فرنسا وعدت الثورات العربية في أيار 2011 بالاعتراف بدولة فلسطينية بحلول أيلول من العام ذاته، لكنها تراجعت عن وعدها[31]. أما العودة إلى لبنان فيلزمها سوريا ضعيفة ومرتهنة، والنووي الإيراني هو الجائزة الكبرى التي يريدها الغرب، في حين أنَّ الشيء الوحيد الثابت والمحقق فهو أمن إسرائيل المقدس لدى الغرب.. قبل هذا الخطاب بيومين دعا جوبيه عشرة من الباحثين في شؤون العالم العربي من ضمنهم أشخاص من أصول عربية، وقد قال أحدهم له: سيدي وزير الخارجية، المشكلة الكبرى تبقى أنَّ أي نظام سوف يأتي بعد القذافي سيكون فاقداً للشرعية لأنه أتى بفعل التدخل العسكري للحلف الأطلسي[32].

بعض الصحفيين شبه وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) بوكالة أنباء حصرية لأخبار الثورات العربية خصوصاً في سوريا على الفيسبوك والانترنت، كونه يعتمد على ما تصدره صفحات الفيسبوكوالتويتر في دعم موقفه مع وزراء خارجية الدول التي يتصل بها لإقناعها بتأييد مشروع القرار المعد فرنسياً وأوروبياً.

لنا النفط ولكم الشريعة..

مثال مختصر حصل أثناء زيارة وفد من المعارضة السورية إلى بكين بناء على دعوة خاصة؛ ففي لقائه مع نائب وزير الخارجية الصيني (تشايجيون) بدأ الوفد السوري اللقاء الحديث عن الأوضاع في سوريا وأعداد القتلى، وكان المسؤول الصيني يستمع إلى المترجم الذي ينقل ما يقوله الوفد، وكان هناك من يدوّن محضر الجلسة. وبعدما استفاض الوفد بالحديث الذي أنهاه بالطلب من الصين مراجعة موقفها في مجلس الأمن، حتى ولو من باب الضغط على النظام[33] في سوريا، بدأ المسوؤل الصيني الحديث مرحباً بالوفد الضيف، وشرح سياسة بلاده في سوريا والعالم العربي والعالم بالقول: «إن الصين لم تكن لها مطامع استعمارية في السابق، وليس لها حالياً ولن يكون لها مستقبلاً، ونحن في الصين لدينا مشكلة كبيرة كل يوم؛ وهي كيفية إطعام ما يقارب مليار ونصف مليار صيني، وقد أصبح لدينا اليقين بعد الخديعة الليبية وكذب الغرب علينا وعلى الروس أنَّ الولايات المتحدة عبر سعيها لتغيير الحكم في سوريا تريد السيطرة على منابع النفط العالمية التي لا تزال خارج سيطرتها، وهذا يشكل تهديداً للقمة عيش الصينيين..»[34].

لنا النفط ولكم الشريعة، هذه هي الاستراتيجية الغربية الجديدة في العالم العربي والتي نظّر لها الفيلسوف الصهيوني (برنارد هنري ليفي) وطبّقها الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه. لكم الشريعة طبّقوها كيفما شئتم، ولنا النفط وأمن إسرائيل. أما عملية امتلاك النفط فهي عن طريق الإمساك بقراره، وتحديد دوره السياسي في الصراع على النفوذ في العالم، ولا بأس أن تحكموا بما تعتقدون طالما أنَّ سياستكم وتطلعاتكم تتلاءم مع مصالحنا. أما معالم السياسة الجديدة فتتمثّل بسعي الغرب للسيطرة على ما تبقّى من منابع نفط خارج قرار الولايات المتحدة. إذن القضية استثمار، أما السمسار لهذا الاستثمار فليس سوى الحركات السلفية المقاتلة، وفي طليعتهم مقاتلو تنظيم القاعدة الذين قدّم سلاح الجو الفرنسي وطائرات حلف الناتو كلّ الدعم الجوي لهم في حربهم لإسقاط القذافي، وهؤلاء هم الشريك الجديد في سوريا وفقاً لعقيدة (آلان جوبيه) السياسية التي اختصرها إبان الحرب على ليبيا بالقول: «حربنا في ليبيا هي بمثابة استثمار للأجيال الفرنسية القادمة».

من مفارقات هذا الربيع العربي أن وزير خارجية فرنسا جعل من مجلس الأمن الدولي أرشيفاً لعشرات مشاريع القرارات التي تصبّ جميعها في خدمة حرب تنظيم القاعدة للسيطرة على الحكم في زوايا العالم الإسلامي الأربع[35]، وتبقى الجماعات السلفية المقاتلة خير حليف للغرب تاريخياً، فهي التي أسقطت الاتحاد السوفياتي مقدِّمة خدمة إستراتيجية هائلة للولايات المتحدة والحلف الأطلسي، وكل ما فعله أركان المحافظين الجدد في فرنسا نيكولاي ساركوزي، والفريق السياسي العامل معه، هو إعادة التحالف القديم إلى الحياة.. وعليك أيها القارئ الكريم أن تعرف أن تاريخ العلاقة بين فرنسا وجماعات جهاديي تنظيم القاعدة تعود إلى أكثر من ثلاثة عقود خلت، هي تاريخ بدء الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي التي تزامنت مع الغزو السوفياتي لأفغانستان في سبعينيات القرن الماضي حيث قام تحالف بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب من جهة وباكستان والسعودية من جهة ثانية، استخدم السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين في العالمين العربي والإسلامي ضد الجيش السوفياتي، وكانت مساجد العاصمة الفرنسية باريس وكبرى المدن الفرنسية طوال أيام الأسبوع، وخصوصاً يوم الجمعة أثناء الصلاة، تعجّ بالزوار الدعاة من السعودية وباكستان الذين يأتون بحماية الشرطة الفرنسية ورعايتها لتجنيد المقاتلين المتطوعين للذهاب لقتال الروس الكفار في بلاد الأفغان، بلاد الرباط والإسلام. وكنت شخصياً في تلك الفترة أتردد على مساجد في الدائرة الحادية عشرة من باريس، وفي دوائر أخرى في العاصمة الفرنسية فضلاً عن مساجد كبيرة في الضواحي الباريسية وباقي مناطق ومدن فرنسا، حيث كنت تجد دعاة سلفيين من باكستان والسعودية وبلدان أخرى يأتون إلى فرنسا لحث مسلميها على المشاركة في الجهاد ضد الروس في أفغانستان.

 


الأربعاء القادم: الملف القطري


موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه

 



[1]كتاب (ميتامورفوز ساركوزي)

[2]كتاب (ميتامورفوز)، ساركوزي، ص 171.

[3]المصدر السابق.

[4]برنارد هنري ليفي على امواج اذاعة أوروبا 1

[5]موقع الدفاع الفرنسي، أيار 2011.

[6]صحيفة لوفيغارو الفرنسية، وصحيفة لوموند، 12 آذار 2011.

[7]المصدر السابق.

[8] موقع الانتقاد، تشرين ثاني 2011، موقع المنار 13 نيسان 2012 ، مجلة نوفيلأوبسرفاتور 3 تشرين ثاني 2011.

[9] الكاتب في حديث مع شخصية أوروبية.

[10] صحف فرنسية وعالمية .

[11] الكاتب في حوار خاص.

[12] المتهور، كاترين ناي، ص 558.

[13]المصدر السابق.

[14]حوار خاص.

[15]حوار خاص مع شخصية فرنسية.

[16] المتهور، كاترين ناي، مصدر سابق.

[17] حوار خاص مع دبلوماسي فرنسي سابق في ليبيا.

[18]كتاب أيام اوباما

[19]في محاولة من حسني مبارك لكسب الوقت وهذا ما فهمه اوباما

[20]أوباما حروب واسرار (دافيد سنجر) ص 338

[21]حوار مع الكاتب.

 [22]أنظر في الوثائق نص كلام السفير الفرنسي السابق في دمشق

[23] روبير غودريه  

[24]حوار مع الكاتب.

[25]«توقفوا عن احتقار الفرنسيين»، هيرفيهموران.

[26]كتاب سنوات اوباما ص 250

[27]أسبوعية (le canard enchainé) أيلول 2011

[28]أسبوعيةle canard enchainé أيلول 2011

[29]العقيد السابق في الجيش الفرنسي آلانكورفيس في ندوة حول الربيع العربي حزيران 2012.

[30]تلفزيون فرنسا 24، 3 أيلول 2011.

[31]موقع المنار، أيلول 2011. موقع الانتقاد، أيار 2011 . صحيفة لوموند، 6 تشرين أول 2011. صحيفة لوفيغارو.

[32] الكاتب في حوار خاص.

[33]الكاتب في حوار خاص.

[34]المصدر نفسه.

[35]الكاتب.