30-11-2024 12:33 AM بتوقيت القدس المحتلة

ثورة مصر تستحق النجاح

ثورة مصر تستحق النجاح

نعترف بأن الثورة المصرية لم تحقق جميع اهدافها، ولكن يكفينا انها حققت الهدف الأهم الذي توحدت من اجله الغالبية الساحقة من المصريين، وهو اطاحة نظام الفساد الذي اهدر كرامة مصر وشعبها


عبد الباري عطوان - القدس العربي

نعترف بأن الثورة المصرية لم تحقق جميع اهدافها، ولكن يكفينا انها حققت الهدف الأهم الذي توحدت من اجله الغالبية الساحقة من المصريين، وهو اطاحة نظام الفساد الذي اهدر كرامة مصر وشعبها وأذلّها على مدى اربعين عاما، وحوّلها الى رهينة للمخططات الاجنبية، الامريكية والاسرائيلية على وجه الخصوص.

نعم هناك مشاكل.. نعم هناك انقسامات حادة بين تيارين، الليبرالي من ناحية، والاسلامي في الناحية المقابلة، ولكن هذا لا يمكن ان يقلل من اهمية هذه الثورة والانجاز الاكبر الذي حققته في تحرير الشعب المصري، وربما الأمة العربية بأسرها لاحقا، من التبعية والتخلف والديكتاتورية وكل اشكال سرقة عرق الكادحين الفقراء.

كنا نتمنى ان ينزل الملايين الى الشوارع والميدان على طول مصر وعرضها ليحتفلوا بعيد نجاح ثورتهم الثاني، ويتبادلوا التهاني، ويتعانقوا ابتهاجا، ويرقصوا على قرع الطبول والاناشيد والاغاني الشعبية والوطنية، ولكن هناك من يريد وأد هذه الثورة، وسرقة انجازاتها، من خلال بذر بذور الفتنة والانقسام بين ابناء الثورة انفسهم.

بعد عامين من الثورة يتحوّل ميدان التحرير الذي كان عنوانها الابرز، الى تجمع للمعارضة لحكم الرئيس محمد مرسي، وللرافضين لدولته الاسلامية، وحركة الاخوان المسلمين التي جاء من رحمها ووصل الى كرسي الرئاسة من خلال انتخابات حرة نزيهة لم يشكك احد بنزاهتها، والنتائج التي افرزتها.

الديمقراطية هي نقيض الديكتاتورية، وهي التجســــــيد الأبرز للتـــــعددية السياسية، واطلاق الحريات التعبيــــرية بأشكالها كافة، ولكنها في الوقت نفسه تفرض احترام سلطة الشعب التي يعــبر عنها من خلال صناديق الاقتراع.

من حق المعارضة المصرية ان تنزل الى الشوارع والميادين، وان تعارض حكم الرئيس مرسي، وان تتحدث عن اخفاقاته، وان تعبّر عن مخاوفها من الدولة الاسلامية التي تعتقد انه يتبناها، ولكن شريطة ان يتم كل هذا بعيدا عن الصدام والإخلال بالأمن، وفي اطار الحرص الشديد على سلامة الممتلكات العامة.

لا نجادل في ان بعض الاخطاء وقعت في المرحلة الانتقالية الحالية، وابرزها عدم حرص التيار الاسلامي الذي اوصل الرئيس مرسي الى سدة الرئاسة، على ترسيخ اسس التعايش مع الآخرين منذ اللحظة الاولى، وتجنب اي اجراءات او خطوات يمكن ان تعطي الذخيرة لدعاة الانقسام وافشال الثورة، وابرزها الاعلان الدستوري المؤقت الذي كاد ان يقود مصر، بما ورد فيه من مواد مثل تحصين قرارات الرئيس، الى حرب أهلية دموية.

الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها مصر حاليا ليست وليدة الثورة، ولا يتحمل وزرها النظام الحالي وحده، وان كان من الصعب اعفاؤه من المسؤولية، فمصر تعيش حالة من الانقسام السياسي الذي هزّ استقرارها، وفاقم من ازماتها، واي حلول تحتاج الى بعض الوقت حتى تعطي ثمارها.

الدول الرأسمالية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، تعيش ازمة اقتصادية حادة، وبعضها اعلن افلاسه مثل اليونان وايرلندا، وفرنسا وايطاليا والبرتغال تترنح، وهذه دول ديمقراطية عريقة ومستقرة، ولا تواجه انقسامات واستقطابات سياسية داخلية.
نحن لا نبحث عن اعذار لحكم الاخوان، ولا مبررات لبعض سياساته الفاشلة التي تعكس انعدام الخبرة، وسوء اختيار الوزراء والمسؤولين، ولكننا نقدم شرحا موضوعيا، ومقارنة علمية ربما نستطيع من خلالهما تجنيب مصر وشعبها الوقوع في مصيدة سوء الفهم، وتقديم قراءة صحيحة للوقائع على الارض.

الجنيه المصري يتهاوى، والغلاء الفاحش يتغوّل، ورصيد البلاد من العملات الاجنبية يتراجع، والعجز في الميزانية يصل الى ارقام قياسية، ولكن الاستقرار في البلاد هو الخطوة الأهم لمواجهة هذه الصعوبات، واي محاولة لضربه ستؤدي الى تفاقمها، بحيث يكون الشعب الكادح هو الخاسر الأكبر.

الاصلاح الاقتصادي في مصر لا يمكن ان يتم بكبسة زر، واصلاح الاجهزة الامنية القمعية يحتاج الى وقت، فالتركة التي ورثتها الثورة من حكم الرئيس مبارك وبطانته الفاسدة ثقيلة، بل ثقيلة جدا، وهذا لا يعني اعفاء الحكومة الحالية من المسؤولية.

كان مؤلما منظر ضحايا القطارات وانهيار العمارات، وتناسل الحوادث المماثلة التي تكشف عن اهمال وتسيب وعدم وجود الحد الادنى من الصيانة والادارة الجيدة للخدمات العامة، ولعل هذه الصدامات ودماء الابرياء، تشكل جرس انذار للحكومة الحالية، والحكومات المقبلة، لتغيير سلم اولوياتها وتركيز الاهتمام على احتياجات الشعب الاساسية.

مصر تقف على ابواب انتخابات برلمانية، نأمل ان تتم في اجواء من النزاهة والتنافس الشريف، فهذه الانتخابات هي المحك، وهي التي ستحدد حجم القوى على الارض، وعلى الجميع احترام ما تفرزه صناديق الاقتراع.

المعارضة المصرية اثبتت قوتها وحجم شعبيتها على الارض عندما حصلت على ثلث الاصوات في الاستفتاء الاخير على الدستور، وهذه ارضية جيدة تكشف عن شعبية عليها البناء عليها للحصول على مقاعد اكبر في البرلمان الجديد، وهي قادرة على ذلك اذا ما استعدت الاستعداد الجيد.

نتحدث عن مصر لأنها القاطرة التي يمكن ان تقود الأمة بأسرها الى برّ الأمان، وتضع حدا للانهيار الحاصل فيها حاليا، وضياع بوصلتها، فهناك قوى عربية واجنبية لا تريد للثورة المصرية ان تنجح، ولا تريد للديمقراطية المصرية ان تترسخ خوفا من انتقال العدوى اليها، وهذه القوى تضخّ المليارات من الدولارات من اجل انجاح عملية التخريب هذه.

نحن مع الدولة المدنية التي يتعايش فيها الجميع تحت خيمة الديمقراطية والمساواة والمحاسبة والحكم الرشيد، دون اي تفرقة او اي محاولة للاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخر، ولذلك نحذر من الوقوع في مصيدة الفتنة التي تحاول جهات خارجية ايقاع مصر وشعبها فيها.

نطالب الحكومة بالصبر والحكمة وإقامة جسور الحوار مع الجميع دون استثناء، واحترام الاخوة الاقباط ورفع المظالم عنهم، واشراكهم في الحكم على قدم المساواة مع كل اشقائهم، فهؤلاء مواطنون ووطنيون وشركاء اصلاء في هذا الوطن.

نعترف بأننا منحازون الى مصر، مصر وحدها، لأننا نريدها قوية رائدة متفوقة عزيزة حرة، ولهذا نكرر تمنياتنا بأن يمرّ هذا اليوم بسلام دون اي مواجهات او صدامات، تماما مثلما حدث في كل مناسبات مماثلة.

من حق الشعب المصري ان يفرح بثورته وانجازها الاكبر في اطاحة نظام الطاغية، ومن حقنا ان نقلق نحن المحبين له ولمصر، التي كانت وستظل نصيرا لكل شعوب الأمة وقضاياها العادلة.

لا نملك الا ان نقول للشعب المصري بكل اطيافه الف مبروك عليكم ثورتكم التي هي ثورتنا، وثورة الأمة بأسرها، وكل ذكرى وانتم بألف خير.

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه