28-11-2024 10:49 PM بتوقيت القدس المحتلة

محمد بدير ونبيه عواضة: من الأسر إلى الجامعة

محمد بدير ونبيه عواضة: من الأسر إلى الجامعة

ينشط الأسرى المحرّرون من سجون الاحتلال الاسرائيلية على أكثر من جبهة لحماية ما ضحوا بحريتهم من أجله. لكنهم لا يهملون في المقابل النضال على جبهة العلم.

ينشط الأسرى المحرّرون من سجون الاحتلال الاسرائيلية على أكثر من جبهة لحماية ما ضحوا بحريتهم من أجله. لكنهم لا يهملون في المقابل النضال على جبهة العلم. نبيه عواضة ومحمد بدير نموذجان من أسرى محرّرين ثابرا على تحصيل علمهما.

زينب مرعي كتبت في جريدة الأخبار(مع بعض التعديل)


الأسير المحرر محمد بدير(في صورة له لدى خروجه من المعتقل)عند افتتاح سجن عسقلان المركزي في العام 1970، وعد رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي ووزير الحرب السابق في الدولة العبرية موشيه دايان، بأنّه سيحوّل الأسرى في المعتقل إلى مجرّد أرقام في مجتمعاتهم. سيعيدهم إلى بلادهم جثثاً تنظر بعيون فارغة، حتى يذهبوا بعدها إلى حتفهم من دون أي ذكرى لهم. عدد كبير من الأسرى رأوا في وعد دايان هذا تحدياً، وبدأوا ردّهم بالإصرار على إنشاء مكتبة في المعتقل. بعد المكتبة، كان الإضراب عن الطعام لسبعة عشر يوماً العام 1993، سقط خلاله شهيد في عسقلان، من أجل اكتساب حقّ الالتحاق بالجامعات عن طريق المراسلة. ربح الأسرى هذه المعركة، رغم أنّ الإسرائيلي اشترط لتحقيق هذا الأمر أن تقتصر المراسلات على الجامعة العبرية المفتوحة. لم يمنع الأمر الأسرى من التعلّم، بما أن بعضهم اعتبر أنّ الحصول على شهادة من جامعة إسرائيليّة هو بمثابة تنفيذ عمليّة للمقاومة.
 نبيه عواضة ومحمد بدير أسيران لبنانيان محرّران من السجون الاسرائيلية. رفضا أن يرسم الإسرائيلي شكل حياتهما، وأن يعودا مكسوري الجناح، مقلّمي الأظافر إلى حياتهما ما بعد الأسر. فاختارا أن يتابعا دراستهما داخل المعتقل ثم خارجه، رغم الصعوبات التي حاصرت الموضوع، كي لا يكونا عالة على عائلتيهما.


 هذا العام، حضّر نبيه، كالطالب المجتهد، أقلامه ودفاتره وشنطته للذهاب إلى الجامعة. فبعد نجاحه أخيراً في امتحان الثانوية العامة، تسجّل في كلية العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية. عانى الكثير ليصل إلى هنا. فهو خرج، بعد عشر سنوات من الأسر، في العام 1998، ولم ينجح في دخول الجامعة إلا الآن. مشكلة عواضة كانت في تقدّمه للحصول على شهادة الثانوية العامة في المعتقل، فنجح مع صديقيه اللبنانيين في الأسر وقتها، أنور ياسين وعلي حمدون. إلّا أنّ المشكلة بقيت في تسلّم الشهادة. إذ إنّه بسبب صعوبة الاتصال بلبنان، لم يستطع الأسرى تقديم أوراقهم الثبوتيّة ليتسلّموا شهاداتهم من وزارة التربية الفلسطينيّة. بعد الخروج من المعتقل حاول عواضة مع أصدقائه أن يتابعوا الموضوع وأن يتوصّلوا إلى حلّ مع وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت، إلّا أنّ الأمر لم يثمر عن نتيجة، لسنوات طويلة. إذ يقول عواضة إنّ الوزارات المتعاقبة منذ العام 1998 لم تنجح في تحصيل شهاداتهم من وزارة التربية الفلسطينية وإنّ أحد الوزراء أخبرهم بأنّ الموضوع يحتاج إلى قرار استثنائي سيفتح موضوع التوازنات الطائفيّة في الجامعة اللبنانية!..


معتقل عسقلان بعد سنوات طويلة ووعود كثيرة، يئس عواضة من الانتظار للحصول على شهادته ليعادلها، ويحقق طموحه بدخول الجامعة، فقرّر أن يعود إلى نقطة الصفر ويعيد تقديم امتحان الثانوية العامة في بيروت. بين من يصغرونه بضعف عمره، قدّم الامتحان وحصل على الشهادة الثانوية.


 أمّا محمد بدير، فلم يقتصر همّه على إعادة تقديم شهادة الثانوي. فهو كان قد أنهى دراسته الجامعية في الجامعة العبرية المفتوحة قبل أيام قليلة من خروجه من المعتقل في العام 2001. لكنه لم يجد سبيلاً لمعادلة شهادته في لبنان، فكان عليه العودة لتقديم امتحان الثانوية العامة، الذي كان قد سرق منه قبل فترة وجيزة من دخوله إلى المعتقل وهو في السابعة عشرة من عمره. فور خروجه من المعتقل، قدّم محمد امتحان الثانوية العامة ونجح فيها لكنه أجّل قرار الانتساب إلى الجامعة إلى ثلاث سنوات خلت.


 يقول بدير إنه كان ينظر إلى الدراسة في سجن عسقلان على أنّها نوع من التكليف الفردي والوجودي لاستمرار الصراع مع الكيان الصهيوني و«لأكون مفيداً بعد تحرّري في هذا الإطار، لأني كنت أعرف أن المقاومة ستحتاج إليّ». صديقة لبدير شجّعته على إعادة خوض تجربة الجامعة في بيروت، وهو اليوم يتابع دراسته العليا في كلية الإعلام.


 رغم أنّهما أصرّا على تحصيل الشهادة، إلا أنّها لا تعني لعواضة، الذي يعمل في «أوجيرو»، وبدير الزميل في «الأخبار»، سوى الارتقاء في مجال العمل ونيل الاعتراف في مجتمع لا يعترف سوى بحاملي الشهادات. فعواضة الذي يعمل مع عدد من الأسرى في «أوجيرو» يقول إنّه تمّ توظيفهم في وظائف الدرجتين الرابعة والخامسة، رغم أنّهم اكتسبوا ثقافة كبيرة خلال سنوات المعتقل من خلال قراءاتهم والنقاشات التي كانت تدور بين المعتقلين، إلّا أنّ سوق العمل لا يهمّه كلّ ذلك أو خبرة حياتهم، يريد فقط شهاداتهم.