28-11-2024 10:25 AM بتوقيت القدس المحتلة

يناير الثورة: كل ما في الأمر سقوط مبارك!

يناير الثورة: كل ما في الأمر سقوط مبارك!

منذ انطلاقه اختصر الحراك في مصر مطالبه وأهدافه بثلاث كلمات: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، لكن اياً من هذه الأهداف الثلاث لم يشق طريقاً له باتجاه التطبيق الفعلي

في 25 يناير هتف الشعب: فليسقط مباركإنها مصر وإنه 25 يناير مرة أخرى. رقمٌ مكرر في حال تفريغه من محتواه، لكن ما حدث فيه عصيٌ على التفريغ رغم أنف الكثيرين: لا يستطيع أحد أن يمحو تلك اللحظة المشتهاة الحاضرة في أبصار وقبضات ملايين الماكثين في ميدان التحرير وسط القاهرة، لا يستطيع أحد النقاش في حقيقة أن إرادة ما انطلقت شرارتها في ذلك التاريخ وأسقطت فرعوناً حكم البلاد ثلاثين عاماً.

لكن وبعد مرور عامين على ذلك التاريخ يبدو أن الثورة لا زالت متوقفة لجهة أهدافها عند سقوط الرئيس حسني مبارك. فمنذ انطلاقه اختصر الحراك في مصر مطالبه وأهدافه بثلاث كلمات: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، لكن اياً من هذه الأهداف الثلاث لم يشق طريقاً له باتجاه التطبيق الفعلي، حتى ولو اعتبرنا أن المفهوم الثاني قد تمظهر من خلال إجراء انتخابات تشريعية ومن ثمّ انتخابات رئاسية ومن خلال حرية التظاهر في أي زمان ومكان، لكن السلطة التي أفرزتها تلك الإنتخابات والمتمثلة بالإخوان المسلمين باتت هي نفسها محط جدل واسع في الشارع المصري، وفي ما يخص التظاهرات فقد استحالت في كثير من الأحيان مساحات فوضى واشتباكات بين المصريين أنفسهم وبينهم وبين قوات الأمن.

الإخوان المسلمون: لقد ورثنا دولةً فاسدة.. امنحونا مزيداً من الوقت

ارحل يا مباركمن البديهي القول إن أي ثورة يتبعها دائماً فترة من عدم الإستقرار، خصوصاً أن النظام المصري السابق لم يكن فقط شخص حسني مبارك، ولكنه طاقم كامل متفرع ومتجذر في كافة مؤسسات الدولة، إضافةً إلى منهجية حكم كُرّست لوقت طويل على الصعد مختلفة، الإقتصادية والعسكرية والأمنية ولجهة السياسة الخارجية أيضاً تحديداً موقع مصر من القضايا العربية وبشكل أساسي الصراع العربي الإسرائيلي. انطلاقاً من هذه العقبات، تبرر السلطة الحالية بقيادة الإخوان المسلمين عدم قدرتها حتى الآن إحداث أي تغيير فعلي في الواقع المصري، كما تستخدمها كتفسير لأحداث دامية مرّت بها مصر عقب سقوط مبارك كحوادث المواصلات المتكررة والتي ذهب ضحيتها عدد كبير من المصريين وآخرها كان حادثة قطار البدرشين، إضافةً إلى تفاقم الأزمة الإقتصادية والمعيشية في البلاد.

يُظهر ما ذكرناه عن تفسير الإخوان المسلمين لحالة الفوضى الكبيرة التي تشهدها مصر حالياً، بشكل واضح في حديث أمين الإتصال السياسي في حزب الحرية والعدالة (الحزب السياسي الذي يمثل الإخوان في مصر) الحسين عبد القادر البسيوني. تلمس في حديث الأخير نوعاً من التبسيط لما يجري على قاعدة أنه من المبكر الحكم على نجاح أو فشل سياسة الإخوان بحيث أنه لم يمض عام على انتخاب القيادي الإخواني محمد مرسي رئيساً للبلاد. "هدفنا في المرحلة المقبلة يتركز حول القضاء على الفساد المستشري في الدولة، ونحن بحاجة لمزيد من التشريعات والقوانين التي تصبّ في هذه الخانة"، يقول البسيوني لموقع المنار، لكن حديثه عن الآلية التي وضعتها السلطة لمعالجة المشاكل الحالية يتسم بكثير من العموميات ويقبع في هالة من المثالية مفتقداً للتفاصيل العملية، حيث يختصر أطر الحل "بمنظومة إدارية جديدة تقوم على تنمية قيم المواطن المصري الذي تغيرت قيمه، إضافةً إلى حفظ الأمن وحفظ منافذ خروج الأموال، تحسين موضوع فرص العمل، وتفعيل دور أجهزة الرقابة والأمن. النظام السابق كرّس مناخات الرشوة والمحسوبية في مصر، إضافةً إلى تكريس مبدأ التوريث في كافة المراكز القيادية وكافة المرافق الهامة في الدولة، يجب إنهاء هذه المناخات ووضع تشكيلات إدارية جديدة".

الثورة تستنسخ نفسها بأمر من المعارضة.. والإخوان يتهمون الأحزاب الأخرى بالصراع على السلطة

المعارضة المصرية ترفض سياسة الإخوان تحويل مصر دولة إسلاميةعقب سقوط مبارك في 11 شباط/فبراير 2011، استنسخت ثورة يناير نفسها في محطات عدة، أكثرها حدة كان تظاهرات 5 كانون الأول/ديسمبر 2012 حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس المصري محمد مرسي أمام قصر الإتحادية الرئاسي والتي أدّت إلى سقوط قتلى وجرحى، وذلك على خلفية الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي والذي وجدت فيه القوى الليبرالية واليسارية مقدمة لصناعة ديكتاتور جديد.

وقتها، تراجع مرسي عن إعلانه تحت وطأة الشارع، لكن ذلك لم يحل أزمة الثقة بينه كرئيس وكممثل للإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية الأخرى من جهة وبين الأحزاب الليبرالية واليسارية التي كانت جزءاً أساسياً من ثورة يناير من جهة أخرى. فالأخيرة تصرّ على أنه من الصعب ايجاد نقاط مشتركة في سياسة الحكم مع الإخوان وتركز على أن "الإخوان التحقوا بالثورة بعد ضمان نجاحها"، وأن "لهم استراتيجية تختلف عن استراتيجية الثورة، لأن هدف الثورة الأول هو مصر بحد ذاتها وتطوير مصر، فالإخوان لديهم مشروع يتجاوز مصر وهو إحياء الخلافة الإسلامية"، بحسب ما صرّح أحد الليبراليين المصريين والخبير في الشأن المصري مجدي حماد لموقع المنار. وأضاف حماد أن "مشروع الخلافة الإسلامية يتمثل باستدعاء ماضي لكي يسيطر على المستقبل"، مؤكداً أن ذلك يتعارض مع هدف الثورة المتمثل ببناء دولة مدنية حديثة.

هذا وتعتقد المعارضة أن "حكم الإخوان المسلمين ليس قائماً على المشاركة، فما يريده الإخوان هو الذي يطبق فقط"، بحسب حماد. ويروي حماد أن أزمة الثقة هذه قد تمظهرت عقب إعلان مرسي رئيساً، حيث "أخلّ الأخير بما وعد به التيار المدني قبل انتخابه رئيساً، كإقامة دولة مدنية وليس دولة دينية وإجراء تعديل على الهيئة التأسيسية للدستور"، ويؤكد حماد أن "الشعب المصري اختار مرسي لأنه كان بين خيارين إما اختيار شفيق وهو أمر مستحيل لأن فيه نسفاً لكل معاني الثورة، أو اختيار محمد مرسي". كما يتمسك الليبراليون بعدم قدرة الإخوان على إحداث أي تغيير على صعيد الداخلي والخارجي في مصر إن لجهة الأزمات الداخلية التي تعاني منها البلاد أو لجهة العلاقة مع العدو الإسرائيلي واتفاقية كامب ديفيد. وفي هذا السياق، يقول حماد إن "ما أهمله مبارك، أهمله مرسي، وأن الإعلان الدستوري يثبت أن مرسي حاول كمبارك التفرد بالسلطة"، ويضيف أن "الإخوان أكدوا أكثر من مرة احترامهم لاتفاقية كامب ديفيد، وأن مرسي تنصل من تصريحات سابقة له تدين الصهيونية".

في المقابل، يواجه الإخوان اتهامات المعارضة بالتأكيد على أنهم يريدون مصر "دولة حديثة تحكم بروحية إسلامية". أما بالنسبة لكامب ديفيد، فيشير أمين الإتصال السياسي في حزب الحرية والعدالة الحسين عبد القادر البسيوني إلى أن "موضوع مراجعة كامب ديفيد يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد بما أن في هذه الإتفاقية الكثير من البنود غير الواضحة، ويُقال أن فيها بنوداً سرية لم يتمّ الإعلان عنها حتى الآن، يجب وضع كافة هذه البنود ومراجعتها بوضوح ومن ثم إلغاء وليس تعديل أي بند يمسّ بسيادة الدولة المصرية". وبعد تقديم هذه التوضيحات يعزو البسيوني تحركات المعارضة إلى "صراع على السلطة"، متهماً اياهم بأنه "لو أتيح لهم أن يكونوا في السلطة مع تطبيق الإسلام سيأتون ويطبقون الإسلام". لكن البسيوني يصرّ على تأكيد موقف الإخوان الداعي "للحوار ومحاولة ايجاد حلول للنقاط الخلافية والإبتعاد عن الصراع في الشارع، فاليوم نحن في السلطة وربما يكونون هم لاحقاً في السلطة".

"المعونة السنوية" ورقة ضغط أميركية: تقارب مع "اسرائيل" وتباعد مع طهران

تقارب مصري ايراني دونه عقبات عديدةلكن في الكواليس، يكثر الحديث عن عقبات كبيرة تُحكم الخناق على محاولات التغيير في بلاد النيل كالهيمنة الأميركية من البوابة الإقتصادية، أي استخدام المعونة السنوية كورقة ضغط للحفاظ على العلاقة المصرية-الإسرائيلية التي سادت عهد مبارك ومنع حدوث أي تقارب مصري ايراني. وقد ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن "مصر لا تزال تقاوم محاولات ايران فرض علاقات معها، خوفاً من إغضاب دول الخليج والولايات المتحدة واسرائيل، إضافةً إلى التمايز بين البلدين لجهة الموضوع السوري".

 وفي هذا الصدد يوضح البسيوني أنه "لن نسمح لأحد بالتأثير على سيادة الدولة وإخضاعنا لسياسته بالقوة، بالنسبة لقطر فهي منذ فترة ليست بقليلة تحاول لعب دور في الأحداث الجارية في أكثر من منطقة وتقوم بلعب دور أكبر من حجمها الجغرافي، التعاون معها مرحب به ومقبول إذا بقي في إطار المصلحة العامة وفي إطار التعاون خصوصاً أن بعض الدول تكون بحاجة للقرار المصري لما له من أهمية، وطالما أن هذا القرار يتماشى مع مصلحة مصر ومصلحة الدول العربية فلا مانع في ذلك. نحن نرفض الدعم من أجل الهيمنة من الولايات المتحدة وايضاً من أي شقيق". لكن حماد يرى أن "النفوذ الخليجي يموّل ثورة مضادة في مصر وبالتالي يسعى إلى تجميد الثورة عن طريق الإخوان المسلمين، وأبرز رجالات الإخوان وهو خيرت الشاطر (نائب المرشد العام) له علاقات قوية ومتينة مع قطر والولايات المتحدة".