29-11-2024 02:55 PM بتوقيت القدس المحتلة

البنوك الفلسطينية تصمد أمام الأزمة والديون الحكومية تهددها

البنوك الفلسطينية تصمد أمام الأزمة والديون الحكومية تهددها

تعد سلطة النقد الفلسطينية نقطة مضيئة نادرة في اقتصاد الأراضي الفلسطينية الذي يعاني تحت وطأة العقوبات الإسرائيلية

تعد سلطة النقد الفلسطينية نقطة مضيئة نادرة في اقتصاد الأراضي الفلسطينية الذي يعاني تحت وطأة العقوبات الإسرائيليةتعد سلطة النقد الفلسطينية نقطة مضيئة نادرة في اقتصاد الأراضي الفلسطينية الذي يعاني تحت وطأة العقوبات الإسرائيلية. فهذه السلطة، التي تفرض على البنوك الفلسطينية نظاما متحفظا للإقراض يبقي القروض الرديئة عند أدنى مستوى ممكن ويضمن توافر السيولة، تتميز بكفاءة فنية تمثل ذروة المساعي الفلسطينية الرامية إلى بناء مؤسسات مناسبة لدولة مستقبلية.


غير أن كفاءتها تواجه حقيقة صعبة ألا وهي تعرض البنوك لديون بقيمة نحو 2.5 مليار دولار مستحقة على الحكومة وموظفيها وشركائها من القطاع الخاص تمثل أكثر من 20 بالمئة من إجمالي أصول البنوك.


ويقول رئيس سلطة النقد الفلسطينية جهاد الوزير مازحا 'غرفتنا مرتبة ومنظمة تماما ولكنها قد تكون على متن السفينة تيتانيك'.
وأبلغ الوزير رويترز أن البنوك وصلت إلى أقصى ما تستطيعه من الإقراض الحصيف للحكومة الذي لا يزيد المخاطر على النظام المصرفي. وجهاد الوزير هو ابن خليل الوزير الزعيم الفلسطيني البارز الذي اغتاله الإسرائيليون في تونس عام 1988.
والتوقعات الاقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية محدودة بالقيود الإسرائيلية على التجارة وتعتمد الحكومة الفلسطينية بشدة على المساعدات الخارجية والائتمان المصرفي لتغطية نفقاتها.


وتقلصت المساعدات الخارجية بمقدار الثلثين مقارنة بمستواها قبل أربع سنوات لتصل إلى 600 مليون دولار فقط في عام 2012 حين انشغلت الدول الخليجية المانحة بالتباطؤ الاقتصادي العالمي والانتفاضات العربية وتضاءل التمويل الأمريكي.
وارتفعت الديون العامة المستحقة لبنك فلسطين وبنك القدس وبنوك أخرى تشرف عليها سلطة النقد إلى أكثر من مثليها في نفس الفترة. وبلغ العجز في ميزانية الحكومة 1.3 مليار دولار بما يزيد على 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومما قوض أيضا قدرة الحكومة على دفع نفقاتها الشهرية البالغة 300 مليون دولار حرمانها من رسوم جمركية بقيمة 100 مليون دولار تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية شهريا حيث حجبتها إسرائيل كعقوبة للفلسطينيين بعد حصولهم على اعتراف فعلي من الأمم المتحدة بدولة فلسطينية في نوفمبر تشرين الثاني.


ورغم الصعوبات الاقتصادية أظهرت اختبارات تحمل لبنوك تشرف عليها سلطة النقد أن النظام المصرفي لا يمكن أن ينهار، إلا في سيناريو كارثي يشهد إقبالا هائلا على سحب الودائع مصحوبا بتوقف شبه كامل للقطاع الخاص.
وقال صندوق النقد الدولي إن رأس المال الأساسي للنظام المصرفي الفلسطيني - وهو المعيار الرئيسي لقوة البنوك - بلغ 24 بالمئة من إجمالي الأصول العام الماضي، وهي نسبة عالية بشكل ملحوظ. وتتراوح نسبة رأس المال الأساسي للبنوك الأوروبية المتعثرة بين سبعة وعشرة بالمئة بينما تبلغ نحو ثمانية بالمئة لدى البنوك الإسرائيلية.


وتقل نسبة القروض المتعثرة في البنوك الفلسطينية عن ثلاثة بالمئة من إجمالي القروض. كما ان نسبة الديون إلى الودائع لديها ما زالت أفضل بكثير من نظيرتها في الأردن وإسرائيل.فنظرا لعدم تعامل البنوك الفلسطينية مع المنتجات المالية المعقدة مثل المشتقات وعزلتها عن الأسواق المالية العالمية إلى حد كبير نجحت هذه البنوك في مواجهة الأزمة المالية العالمية عام 2008 دون أن يلحق بها ضرر يذكر. ويرجع الفضل في حيوية البنوك الفلسطينية أيضا إلى مكتب الائتمان القوي التابع لسلطة النقد الذي يرصد الديون المشكوك فيها وينصح بتجنبها.


وقال أودو كوك الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي الذي يقدم المساعدة الفنية لسلطة النقد الفلسطينية 'يعتبر مكتب الائتمان الذي تفحص فيه جميع القروض وحالات العجز عن السداد والجدارة الائتمانية للعملاء واحدا من أفضل المكاتب في المنطقة ومثالا يحتذى لدول أخرى'.ويتناقض استقرار القطاع المصرفي مع المعاناة التي يعيشها موظفو الحكومة الذين نظموا إضرابات عن العمل واحتجاجات أمام المكاتب الحكومية تكررت بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة لعجز السلطات عن دفع رواتبهم في مواعيدها.
وقال لؤي غشاش (45 عاما) الذي يعمل في منظمة التحرير الفلسطينية إنه وزوجته المعلمة بإحدى المدارس الحكومية لم يتقاضيا أجرا كاملا منذ ثلاثة أشهر تقريبا.


وأشار غشاش إلى أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية الآخذة في الارتفاع وقال إن المشكلات المالية التي تواجهها الحكومة تقوض من قدرة أسرته على أن تحيا حياة كريمة. وقال متنهدا 'كانت هناك رحلة مدرسية لابنتي الصغيرة قبل بضعة أيام ولكننا لم نستطع تحمل تكاليفها .. فجاءت وقالت لي لا عليك سأخبر مدرسي أن النوم قد غلبني'.
وتضاعف الإقراض المصرفي للأفراد في الأراضي الفلسطينية إلى خمسة أمثاله في العامين الماضيين ليبلغ 417 مليون دولار وفقا لبيانات سلطة النقد.


غير أن بعض المحللين يقولون إن قطاعات الصناعات التحويلية والبناء والزراعة تشهد الآن تباطؤا مما يحرم الحكومة من المزيد من الإيرادات غير المباشرة في حين أن استمرار المشكلات الاقتصادية الفلسطينية يبعد المستثمرين الأجانب.
وقال سمير عبد الله مدير معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني وعضو مجلس إدارة سلطة النقد إن الاقتصاد الفلسطيني ينحصر في 40 بالمئة من الأرض وبأقل من 20 بالمئة من المياه. وأوضح أن القدس مستثناة من الاقتصاد وأن الجدار العازل الذي شيدته إسرائيل في أراضي الضفة الغربية يأخذ عشرة بالمئة من الأرض وهو ما يزيد من صعوبة التنقل.
وفي أعقاب الانتفاضات العربية التي اجتاحت المنطقة صارت التوترات الاجتماعية محل اهتمام أكبر في السياسة المالية للحكومة وهو ما قلل أيضا من قدرتها على تحقيق التوازن المالي.


وأحبطت الاحتجاجات خطة حكومية لزيادة الضرائب على الدخل وخطة للتقاعد المبكر في القطاع العام عام 2011 بينما خففت إجراءات التقشف في أيلول/سبتمبر الماضي بعد احتجاجات عنيفة في الشوارع هزت مدن الضفة الغربية.
بل إن تحصيل فواتير الكهرباء والمياه قد يواجه ردود فعل عنيفة. وعندما أعفت الحكومة الشهر الماضي أسر اللاجئين الفقراء في مدينة نابلس من دفع فواتير قديمة للمرافق شريطة أن يدفعو الفواتير الجديدة خرج جيرانهم إلى الشوارع مطالبين بإعفائهم من الديون أيضا، وواضطرت الحكومة الى الاستجابة لمطالبهم.


وقال المحلل الاقتصادي ناصر عبد الكريم إن السكان يريدون تخفيف الأعباء الاقتصادية التي تثقل كاهلهم ولا تروق لهم مبادرات الحكومة التي تبدو خاصة أو انتقائية. ومن بين عوامل انضباط ونجاح سلطة النقد استقلاليتها عن الوضع السياسي الفلسطيني المتقلب. وكانت سلطة النقد الفلسطينية هي المؤسسة الوطنية الوحيدة التي نجت من الانقسام المرير في عام 2007 بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة وحركة فتح في الضفة الغربية.


ولم يبد أي من الفصيلين استعدادا لتقويض النظام المصرفي أو تعريض ودائع أنصاره للخطر بجذب سلطة النقد إلى صفه.
وفي العام الماضي قامت سلطة النقد بتسريح معظم موظفيها وعينت خبراء وحملة شهادات عليا بناء على معيار الكفاءة وهي رفاهية لا يمكن للوزارات المتضخمة بالموظفين تحملها في ظل التوترات الاجتماعية الراهنة.
وقال الوزير إن النظام المصرفي هو مصدر رزق الشعب الفلسطيني مضيفا 'علينا أن نظل صامدين'.