القرارات الملكية الجديدة الخاصة بتعيين نساء بنسبة 20 في المئة في مجلس الشورى السعودي تؤجج حالة من السجال العنيف كانت قائمة. تبدو المملكة العربية السعودية كأنها منشطرة الى قسمين.
أحمد دحمان - السفير
القرارات الملكية الجديدة الخاصة بتعيين نساء بنسبة 20 في المئة في مجلس الشورى السعودي تؤجج حالة من السجال العنيف كانت قائمة. تبدو المملكة العربية السعودية كأنها منشطرة الى قسمين. ولعل ما يجري على مستوى الاعلام السعودي يجسد هذا الانشطار بشكل ملموس. فقبل أسابيع قليلة صدرت فتوى عن داعية سعودي مشهور تدعو لمقاطعة قناة الأطفال لدى مجموعة «أم بي سي». برأي الداعية، تفسد القناة عقول الأطفال بأفكار الإلحاد والكفر، وترسم نماذج غربية لجيل صاعد يظهر أنّه منخورٌ للعظم بالحلم الأميركي. ردّت القناة على الشيخ ردًّا قاسيا. اعتبرته مريضاً نفسياً يحتاج لعلاجٍ في مصحّات عقلية. أثار الأمر جدلاً واسعاً على ساحة تويتر، فما بين الرد ورد الفعل ظهر المجتمع السعودي المتابع بعشرات الآلاف للشيخ وللقناة في حالة الضائع. هل ما يقوله الشيخ صحيح، أم أنّ القناة ليست سوى مساحة حرّة من قيود صارمة تعيشها المملكة.
وقبل أسابيع قليلة أيضا، أعلن وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة، استعداده لإغلاق القنوات الفضائية التّي تثير الفتنة وتهدّد الوحدة الوطنية في المجتمع السعودي. كثيرٌ من القنوات الدينية الوهّابية المتشددة التي تبث فتاويها وبرامجها، تزيد من التعصّب الأعمى وتضرب النسيج الاجتماعي بالصميم. فهي تستهدف في كلامها جماعةً تعيش على الأرض ذاتها منذ مئات السنين، وتتهمها بالعمالة وبكلّ ما يخطر في البال من أوصاف شنيعة قد لا تطال حتّى من يعبد النار.
الحرب قائمة في السعودية بين خطين: محافظ إلى حد التزمّت، ومنفتحٍ على خيار الليبرالية ولو مغطاة بشعائر دينية. الشيوخ يفتون أحياناً بحرمة قنوات يمولها سعوديون أغنياء، ويعمل فيها الكثير من الوجوه السعودية، وتناقش العديد من المواضيع المختصة بشؤون المملكة دون سواها. هذه القنوات تعتبر نفسها ممثلةً عن السعوديين... السعودي الذي يصلّي ويصوم ويغني ويرقص ويهتم بالموضة ويحب التعريج على القضايا الدينية من دون أن يغرق في التطرف والإرهاب. هكذا ترسم تلك القنوات شخصية السعودي، لا ضير في أن يمرح قليلاً، ولا مانع من قليلٍ من العشق المحرّم التركي، ومن الدلع اللبناني، والقضايا الاجتماعية الخليجية، لا أكثر من ذلك. أمّا في السياسة فما تريده الحكومة تماما هو ما يتمّ الإفصاح عنه.
الشبكة الإعلامية مملوكةٌ من قبل سعوديين، وسياستها ذات خلفية سعودية لا تخالف توجهات المملكة، ظاهرا وباطنا. لكنها اجتماعيا تحلّق بعيدا إلى مكانٍ يظهر أن لا أحد يرغب بالذهاب إليه. فعلى شاشاتها يظهر الاختلاط المرفوض في المجتمع السعودي، وفي استوديوهاتها تظهر النساء السافرات المتبرجات المتحدثات بلهجة سعودية ليطللن على بلد يعدّ لحدّ الآن التلفظ باسم المرأة علنا خرقا للحشمة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تقع فيها مهاجمة هذه القنوات والدعوة إلى مقاطعتها، وحتّى إلى الجهاد ضدّها. فقد سبقتها هجمة قوية شنّها بعض علماء الدين في السعودية على شبكة «أم بي سي» يوم بدأت عرض المسلسل التركي «نور» لما فيه من «فتنة ومفسدة للنساء». وفي الجانب الآخر من المشهد، يقف الخط الذي لا يريده المزاج السعودي عموماً، وينادي به بعض علمائها، خط التعصّب الذي ينمّي بذور الإرهاب. وداخل حدود السعودية، لا رغبة بالإرهاب وبالجهاد ضدّ الكفار. داخل حدود السعودية لا رغبة بزعزعة الأمن والاستقرار الذي تحتاج اليه المملكة. الدين في المسجد وليس في ساحات الجهاد. لذا تقف المملكة اليوم موقفا متصلبا تّجاه أي محاولات للعب على الوتر الطائفي، حتّى لو كلّفها الأمر الاعتراف بأقلياتها ومنحهم المزيد من الحقوق المدنية على حساب نهجها الفكري الرسمي.
وتتجه الحكومة للوقوف في صفّ القنوات المنفتحة على حساب تلك التّي تبث عقيدة الدولة الوهابية على التلفاز. فتلك القنوات تشكل برأيها خطرا أكبر من القنوات الفاضحة المليئة بالرقص والغناء.
يتحدث السعوديون عن خصوصية مجتمعهم... تظهر البلاد على شكل الفتاة التي ما إن تطأ قدماها خارج الحدود حتّى تخلع عباءتها وينحسر عنها نقابها لتعيش نفسا من الحرية تريده، وإذا ما عادت إلى قواعدها غطت نفسها فلا يعرفها أحد. الإعلام السعودي أو ذاك المحسوب عليه لا يشبه مجتمعا يبنيه السعوديون في خيالهم: مجتمعا إسلاميا مغلقا محافظا يحلّق بجناحين لا يلتقيان أبدا. تنهال الآن ردود الأفعال على الشيخ والوزير. الكثير يصادق على كلام الشيخ ويدافع عنه ويدعو للمقاطعة. وكثيرون يريدون محاربة المد الأميركي الغريب، وكثيرون يريدون «العودة إلى الدين» في نسخة تخشاها السلطة وترى فيها حاضنة للإرهاب. وكثيرون يؤيدون الوزير، ويُرد عليهم بانهم «سعاة تغريب» إن لم يكن فسادا ومعاصي. والسجال/الفصام ما زال دائراً.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه