تتفاوت تقديرات ثروة الغاز اللبنانية «الواعدة». آخرها من إحدى الشركات الفاعلة تُفيد بأنّ قيمتها ستبلغ 120 مليار دولار بالحدّ الأدنى
بلدان الشرق هي الخيار الأمثل لتصريف الإنتاج
حسن شقراني
تتفاوت تقديرات ثروة الغاز اللبنانية «الواعدة». آخرها من إحدى الشركات الفاعلة تُفيد بأنّ قيمتها ستبلغ 120 مليار دولار بالحدّ الأدنى. ولكن السؤال هو حول الاستراتيجية المتبعة لتصريف الإنتاج الذي سيظهر بعد 8 سنوات.
تنبهر أروقة المال في لبنان حالياً بالتقديرات المتداولة بشأن قيمة الثروة النفطية الموجودة في المياه الإقليمية. أحد المصرفيين الكبار يتأمّل في المشهد المقبل، مشيراً إلى التقديرات الأحدث التي توفّرها إحدى أبرز الشركات المرجعية في هذا القطاع _ يتحفّظ على ذكر اسمها _ تفيد بأنّ قيمة الثرورة الطبيعية تبلغ 120 مليار دولار حتّى الآن، بعد حسم الأكلاف الإجمالية الخاصة بعملية التنقيب والاستخراج؛ أي إن هذا الرقم يعكس الإيرادات الصافية.
تلك الثرورة مكوّنة بنسبة 90% من الغاز و10% من النفط على الأرجح.
لكي تتحوّل تلك التأمّلات إلى واقع قائم ينعم به الاقتصاد اللبناني، في حالة من الشفافية وحسن استخدام الموارد، هناك خطوات كثيرة يجب أن تُنفّذ. أولاها في القريب العاجل إقرار مرسوم تأهيل شركات النفط الذي تأخّر قليلاً بسبب دراسته في مجلس شورى الدولة. فقد كان متوقّعاً أن تبدأ الدورة الخاصة بالشركات المؤهّلة للمشاركة في دورة التراخيص الأولى، في بداية شباط 2013. على أن تبدأ وزارة الطاقة والمياه بتلقّي الطلبات في الثاني من أيار 2013، والإعلان عن الشركات المؤهلة في نهاية الشهر نفسه.
يُفترض أن يُقرّ مجلس الوزراء في جلسته المقبلة هذا المرسوم، مع العلم بأن التأخير وارد أيضاً، كما حصل طوال العامين الماضيين.
إذا مضت الأمور في مسارها الصحيح واحتُرمت المواعيد المحدّدة فـ«بإمكان لبنان أن يقوم بأول عملية تنقيب عام 2015، بعد أن يوقّع أوّل عقد للبدء بالعملية في عام 2014» وفقاً لما أكّده وزير الطاقة والمياه جبران باسيل أخيراً على هامش المؤتمر الدولي للطاقة المتجدّدة الذي عُقد في الإمارات العربية المتّحدة أخيراً. ثبّت إعلانه بذكر أنّ شركة فرنسية، لم يُسمّها، أبدت تفاؤلاً في إمكان البدء باستخراج النفط على نحو أسرع من المعتاد.
وأشار باسيل إلى أنّ كميات الغاز موجودة بحجم «واعد جداً» وأن المسوحات الأحدث كشفت وجود السوائل النفطية _ أي النفط الخام _ «ما دفعنا الى البدء أيضاً بمسوحات برية، وعقدنا اجتماعات مع أكثر من شركة من أجل إجراء المسح البري».
ولكن اليوم تبقى الأولوية للغاز. فما هي المعطيات الاستراتيجية التي يجري بحثها حالياً ليحجز لبنان مكانه على خارطة هذا المورد الأساسي في عالم الطاقة؟
بداية يجب التأكيد أنّ إسرائيل ستبدأ استخراج الغاز من حقل «تامار» في آخر آذار المقبل، أو بداية نيسان، بكميات تجارية لتلبية طلب السوق المحلية. وفي 2017 يُتوقّع أن تبدأ الإنتاج من حقل «ليفايتان» والتصدير الخارجي.
«الكميات الموجودة عندنا تفوق بأضعاف ما هو مكتشف في شمال فلسطين وقبرص» يُعلّق خبير الصناعة النفطيّة، المهندس ربيع ياغي. «الوقت هو القاعدة الذهبية، فالغاز يُسوّق على أساس العقود الطويلة الأجل، التي لا تقلّ عن عشرين عاماً، ويجب على لبنان استدراك وضعه التنافسي».
التنافس مع إسرائيل وحتّى قبرص على الأسواق الأكثر جاذبية هو السمة الأساسية في هذا المجال. فالبلدان اللذان يملكان ثروة في حوض شرق المتوسط أيضاً، يتعاونان على نحو وثيق، إلى درجة أنّهما ينسقان لإنشاء محطة لتسييل الغاز في جنوب الجزيرة المتوسطيّة (هذا التنسيق ناجم عن كون البلدين متفقين مع شركة «Noble Energy» للتشغيل).
بل إن تعاونهما أدى إلى قضم مساحة تبلغ 860 كيلومتراً مربعاً من حق لبنان؛ وهي قضية يتابعها الطرفان على ما يؤكّد المعنيون، ومن المفترض أنها كانت على رأس جدول أعمال اللقاء الذي جمع الرئيس ميشال سليمان ونظيره القبرصي ديميتريس كريستوفياس في بيروت في 10 كانون الثاني 2013.
في الواقع، إنّ الطريقة الوحيدة المجدية للبنان لتسويق غازه عالمياً _ وهي عملية لن تتم على الأرجح قبل 8 سنوات، أي في عام 2020 على ما يؤكّده ربيع ياغي _ ستكون عبر تسييل الغاز ونقله إلى الأسواق المختلفة؛ الطريقة الأخرى هي التصدير بشكله الخام، وذلك يحتاج إلى شبكة أنابيب ليس مفهوماً حتّى الآن إن كانت سترى النور، نظراً إلى صعوبتها وتعقيدها.
ولكن الأسواق البديهية التي يُمكن أن يُفيد لبنان منها أكلها القبارصة والإسرائيليون. «قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي، وبتعاونها مع إسرائيل تُسهّل تصريف الغاز المسال إلى القارّة بدون عوائق إدارية لأن لها الأفضليّة»، يشرح الخبير النفطي.
كذلك لدى أوروبا خيارات الاستيراد من روسيا، كازاخستان، ليبيا والجزائر، فيما الأميركيون يتجهون إلى اكتفاء ذاتي وربما تصدير أيضاً.
هكذا يبدو مخرج لبنان في عقدة الأسواق هو التوجّه شرقاً صوب الصين والهند، وربما كوريا واليابان، وهي أسواق ناشئة وواعدة، ومع بدء لبنان استخراج غازه سيكون استهلاكها قد ارتفع إلى أضعاف المسجّل حالياً.
ولكن لضمان حصّة سوقية كهذه «على لبنان منذ اليوم السعي بجدية لتحقيق ذلك عبر إشراك الشركات التابعة لتلك البلدان الشرقية، المهتمة بالاستكشاف»، يُحلّل ربيع ياغي. «بذلك يكون لها وجود فعلي في لبنان وتبقى معه حتّى مرحلة التصريف».
اليوم أعربت 32 شركة عن رغبتها في المغامرة في تجربة الغاز اللبناني. أغرتها البيانات التي توصّلت إليها شركتا المسح الجيولوجي «Spectrum» البريطانية و«PGS» النروجية. اشترت تلك البيانات بمبالغ دسمة بلغت حصّة لبنان منها 90 مليون دولار؛ وهو استثمار في الداتا يؤشّر إلى اليقين بوجود ثروة نفطية.
يُشار هنا إلى أنّه بعد عملية التقويم الأولي للشركات المؤهلة سيبقى في نهاية المطاف 8 شركات يتم التفاوض معها على شروط التنقيب والاستخراج والإنتاج. يتمّ التلزيم إلى كونسورتيوم من 3 شركات، تعمل على الاستكشاف والتنقيب في عدد بلوكات محدد، وفي ضوء هذا التنقيب تُعلن دورة تراخيص ثانية كما العرف العالمي. حينها يكون الغاز قد اكتُشف على الأرجح وارتفع تقويم لبنان في السوق العالمية.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه