ان اسرائيل ما هي في الحقيقة الا فلسطين: فهي ممتدة فوق فلسطين التاريخية على حساب الشعب الفلسطيني.. على حساب عيشهم وتاريخهم وان الصواريخ التي يطلقونها من وقت لاخر ليست سوى رسائل حب لقراهم وبساتينهم
تشهد الصهيونية في العقد الأخير انتقادات حادة من اليهود أنفسهم بالدرجة الأولى. يهود بعضهم كان "إسرائيلياً" وتراجع عن صهيونيته بعدما عاش تجربة مريرة في "أرض إسرائيل" المزعومة. اليوم يطالعنا موسيقي يهودي عالمي يدعى جلعاد عتسمون، تجربته جديرة بالتعرف عليها، من خلال كتاب أصدره ينتقد فيه الصهيونية ويصفها بالنازية.
من هو جلعاد عتسمون ؟! :
ولد جلعاد عتسمون في الكيان الإسرائيلي. وهو يعد واحدا من ابرز فناني الجاز في العالم وهو كما يقول الناشرون ناقد للكيان الإسرائيلي مثير للجدل. اذا تشكل آراؤه وكتاباته موضع استقطاب بين مؤيد ومعارض من منظري اليمين واليسار. ولد في تل ابيب، وخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي لبعض الوقت حيث ارسل إلى لبنان في العام 1984 . وعند زيارته معتقل الخيام الذي أقامه الاحتلال في جنوب لبنان، أحس ببداية تغير في تفكيره وما لبثت حياته ان شهدت تغيرا دراماتيكيا فهاجر واستقر في بريطانيا. وخلال وجوده في لبنان اكتشف كما يقول إنه كان "جزءا من دولة كولونيالية تأسست على النهب والسلب والتطهير العرقي للسكان الاصليين اي الفلسطينيين."
أفكاره تضرب عميقا الفكر الصهيوني :
تساءل الموسيقي اليهودي العالمي جلعاد عتسمون في كتاب له ترجم إلى العربية عما اذا كان من المكن تحرير الخطاب اليهودي من الطغيان الايديولوجي والروحي وإبعاده عن نزعة التفوق. واضاف الكاتب انه من اجل ذلك على اليهود القيام بعملية تأمل ذاتي. وقال متسائلا "هل يمكن تحرير خطاب الهوية اليهودي من الطغيان الايديولوجي والروحي الذي فرضه على نفسه؟ هل تستطيع السياسة اليهودية ان تنأى بعيدا عن نزعة التفوق؟ هل يستطيع اليهود انقاذ انفسهم؟.
"ان جوابي بسيط: لكي تجعل الايديولوجيا اليهودية نفسها عالمية ولكي يمضي اليهود قدما ويقوموا بإعتاق انفسهم يتعين القيام بعملية تأمل ذاتي صادقة ومفعمة بالحماسة. وما اذا كان يستطيع اليهود الانخراط في مثل هذا المسعى تظل مسألة مفتوحة. على انني آمل بأن يقدم هذا الكتاب بداية جيدة الى حد ما."
اما الكتاب فعنوانه "من التائه؟ دراسة في سياسة الهوية اليهودية". وقد نقلته الى العربية عن الانجليزية المترجمة الفلسطينية حزامة حبايب. وجرت الترجمة بمساعدة صندوق منحة معرض الشارقة الدولي للكتاب للترجمة والحقوق. وصدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان في 376 صفحة من القطع الكبير.
إسرائيل ممتدة فوق فلسطين التاريخية :
اما الحل "الواقعي العملي" للمسألة الفلسطينية الاسرائيلية فهو تصور خيالي لجأ اليه الكاتب. وفي هذا الامر يقول "تخيلوا رئيس وزراء اسرائيليا يستيقظ ذات صباح مشمس بتصميم غير عادي لارساء سلام حقيقي. في ساعات الصباح الاولى تحضره الحكمة فيدرك ان اسرائيل ما هي في الحقيقة الا فلسطين: فهي ممتدة فوق فلسطين التاريخية على حساب الشعب الفلسطيني.. على حساب عيشهم وتاريخهم وان الصواريخ التي يطلقونها من وقت لاخر ليست سوى رسائل حب لقراهم وبساتينهم وكرومهم وحقولهم المسروقة.
"يدرك رئيس وزرائنا المتخيل بأن ما يطلق عليه الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني يمكن حله في 25 دقيقة ما ان يوافق كلا الشعبين على العيش معا. تبعا للتقليد الاسرائيلي احادي الجانب تتم الدعوة لمؤتمر صحفي متلفز في اليوم ذاته.. يعلن رئيس الوزراء للعالم ولشعبه ان اسرائيل تدرك ظروفها الفريدة من نوعها ومسؤوليتها ازاء السلام العالمي. تدعو اسرائيل الشعب الفلسطيني للعودة الى بيوتهم وسوف تصبح الدولة اليهودية دولة لمواطنيها حيث يتمتع كل الناس بحقوق متكافئة."
ورأى جلعاد عتسمون ان من شأن هذا ان يحل ايضا مشكلة اليهود مع العالم. وقال "على الرغم من الصدمة من الخطوة الاسرائيلية المفاجئة الا ان المحللين السياسيين حول العالم لن يلبثوا ان يدركوا انه بالنظر الى ان اسرائيل تمثل يهود العالم فإن مثل هذه المبادرة البسيطة لن تحل الصراع في الشرق الاوسط فحسب وإنما من شأنها ان تضع نهاية لالفي عام من الشك والاستياء المتبادلين بين المسيحيين واليهود.
"بقدر ما تبدو هذه الفكرة مثيرة الا اننا يجب الا نتوقع ان تتحقق قريبا ذلك ان اسرائيل هي الدولة اليهودية واليهودية ايديولوجيا متمحورة اثنيا مدفوعة بالاقصائية والاستثنائية والتفوق العرقي ونزعة متأصلة عميقا نحو الفصل العنصري". وتابع جلعاد :"لكي تكون إسرائيل والإسرائيليون شعبا كالشعوب الاخرى يتعين اولا التخلص من كل آثار التفوق الايديولوجي اليهودي. ولكي تقود الدولة اليهودية مبادرة سلام لابد من تجريد إسرائيل من الصهيونية."