افاقت تونس يوم الاربعاء على كارثة كبرى تتمثل في اغتيال السيد شكري بلعيد احد ابرز قادة الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة لحركة ’النهضة’ الاسلامية التي تقود الائتلاف السياسي الحاكم في البلاد.
القدس العربي
افاقت تونس يوم الاربعاء على كارثة كبرى تتمثل في اغتيال السيد شكري بلعيد احد ابرز قادة الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة لحركة 'النهضة' الاسلامية التي تقود الائتلاف السياسي الحاكم في البلاد.
عملية الاغتيال السياسي هذه تعتبر غريبة على تونس وشعبها الحضاري المسالم، خاصة في مثل هذا التوقيت حيث تمر البلاد بمرحلة صعبة تسودها الانقسامات والاستقطابات السياسية.
الراحل شكري بلعيد كان يتمتع بشخصية قوية في التحالف اليساري، ومن اشد منتقدي حركة النهضة الاسلامية والمطالبة باسقاط حكومتها بحكم كونه علمانيا يريد دولة مدنية ليبرالية في تونس ولهذا وجه البعض، وقبل ان تبدأ التحقيقات الجنائية، اصابع الاتهام للتيار الاسلامي، او محسوبين عليه بالوقوف خلف عملية الاغتيال الارهابية هذه.
حركة النهضة التي يتزعمها الشيخ راشد الغنوشي سارعت بادانة عملية الاغتيال هذه بقوة، واكد السيد حمادي الجبالي رئيس وزراء تونس واحد ابرز قادتها، الى القول ان الاجهزة الامنية ستبذل كل جهد ممكن لكشف هوية الجناة وتقديمهم الى العدالة، ووصف عملية الاغتيال هذه بانها ضربة لثورة الربيع العربي التونسية.
ويشك كثيرون بصحة الاتهامات الموجهة الى حركة النهضة بالوقوف خلف هذه العملية، ويستندون في شكوكهم هذه الى ان الحركة التي تحكم البلاد من خلال ترويكا ثلاثية، لا يمكن ان تقدم على جريمة كهذه من شأنها اشعال فتيل حرب الاغتيالات وزعزعة استقرار البلاد، وادخالها في دوامة العنف مما يعني انهيار حكمها، او اضعافه على اقل تقدير.
ردود فعل احزاب المعارضة كانت غاضبة جدا حيث نزل الآلاف من انصارها الى الشوارع والميادين في تونس العاصمة ومدن اخرى منددين بالجريمة ومطالبين باسقاط النظام تماما مثلما فعلوا في بداية ثورتهم قبل عامين لاطاحة نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
والاكثر من ذلك ان قادة ثلاثة اكبر احزاب معارضة قرروا الانسحاب من الجمعية التأسيسية، او البرلمان المؤقت، ادانة لجريمة الاغتيال هذه واحتجاجا على حالة الفوضى وغياب الامن في البلاد.
تونس تقف على ابواب مرحلة صعبة حيث يربط كثيرون بين عملية الاغتيال هذه التي استهدفت الراحل بلعيد وعملية اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الاسبق، مع فارق اساسي وهو ان حجم الانقسام في الشارع التونسي بين التيارين الاسلامي والليبرالي اكبر بكثير من نظيره اللبناني في حينها.
هناك ثورتان مستهدفتان من الداخل والخارج وهما المصرية والتونسية، لوجود قواسم مشتركة بينهما اولها انهما كانتا سلميتين، وثانيها: انهما فاجأتا العالم الغربي، وثالثها: اطاحتهما بنظامين كانا من اعمدة الغرب وامريكا في المنطقة، ورابعها: انتهاؤهما بفترة زمنية قياسية، فالنظام المصري سقط بعد 18 يوما والتونسي بعد ستة اسابيع، وخامسها: عدم حدوث اي تدخل عسكري فيهما مثلما حدث في ليبيا التي تتوسط البلدين.
بقايا النظام التونسي السابق لا تريد حتما استقرار البلاد ونجاح التجربة الديمقراطية فيها، وهؤلاء ما زالوا موجودين في معظم مفاصل الدولة، ويملكون المال والدوافع لبذر بذور الفتنة، اما القوى الخارجية فتشاطرها الهدف نفسه لانها تريد نظاما ديكتاتوريا قويا في البلاد من اجل مكافحة التيارات الاسلامية الجهادية التي حطت الرحال في تونس، وبدأت تقيم 'قواعدها' في اطرافها، والجنوبية خاصة.
مقاومة التيارات الجهادية باتت الهدف الاهم بالنسبة الى الدول الغربية، بعد تجربة مالي، وانهيار الدولة الليبية، واستيلاء هذه التيارات على كميات كبيرة من الاسلحة سواء من مخازن نظام القذافي السابق في ليبيا او من الاسلحة الحديثة التي قدمتها الحكومة الفرنسية لكتائب الزنتان وغيرها اثناء تدخل طائرات الناتو لمساعدتها في الاطاحة بالنظام الديكتاتوري الليبي.
نتمنى ان تنجح السلطات التونسية في كشف الجناة منفذي هذه الجريمة وتقديمهم الى العدالة، مثلما نتمنى على احزاب المعارضة ضبط النفس والتحلي باقصى درجات الحكمة، من حيث اغلاق كل الابواب في وجه الفتنة، وعدم تهيئة الظروف، وبحسن نية لنجاحها.
استقرار تونس هو مسؤولية الجميع، وخاصة حركة النهضة التي ارتكبت في رأينا اخطاء كبيرة ابرزها عدم تشكيل حكومة قوية من كفاءات، وما اكثرها في تونس، تتعاطى بفاعلية مع ازمات البلاد الاقتصادية، وتوحد التونسيين جميعا خلفها في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
نصلي من اجل تونس وامنها واستقرارها ونصلي ايضا من اجل تجاوزها هذه المحنة التي قد تولد مصائب كبرى اذا لم يتم تطويقها سريعا.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه