من البديهي القول إن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى مصر، لن تستطيع إزالة ثلاثة عقود من القطيعة بين البلدين، لكن تلك الزيارة استطاعت إحداث كوّة في جدار العلاقة المصرية-الإيرانية
من البديهي القول إن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى مصر، لن تستطيع إزالة ثلاثة عقود من القطيعة بين البلدين، وما خلفته تلك القطيعة من تباعد على الصعيدين السياسي والإقتصادي. لكن تلك الزيارة استطاعت إحداث كوّة في جدار العلاقة المصرية-الإيرانية، التي يحكمها حالياً العديد من الملفات الشائكة والتي يشكّل بعضها نقاطاً خلافية بين البلدين أبرزها الأزمة السورية والموضوع المذهبي والموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لا زال غامضاً حتى الآن في ظل المواقف المتناقضة والمتأرجحة بين إعادة النظر في اتفاقية "كامب ديفيد" أو ابقائها على حالها.
في السياق، يكثر الحديث عن معوقات عدة حالت دون تقارب ايراني-مصري سعت إليه طهران عقب انتصار ثورة 25 يناير وسقوط الرئيس السابق حسني مبارك، والمتمثلة بعدم استقلالية السياسة الخارجية المصرية بشكل كامل عن الهيمنة الأميركية، وهذا ما يفسّر تأرجح الموقف المصري من "كامب ديفيد"، إضافةً إلى تخوّف السلطة التي يقودها الإخوان المسلمون من إغضاب الخليج والذي بدا جلياً في تصريحات وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، الذي سعى إلى طمأنة دول الخليج بأن التقارب بين القاهرة وطهران لن يتمّ على حساب أمن هذه البلدان، قائلاً، على هامش الإجتماع التحضيري لقمّة منظمة التعاون الإسلامي، إن "علاقات مصر بأي دولة لن تكون أبداً على حساب أمن دول أخرى"، ومضيفاً أن "أمن دول الخليج هو أمن مصر".
لا ينكر الباحث الإستراتيجي الإيراني محمد صادق الحسيني أن دون التقارب بين القاهرة وطهران عقبات عدة، لكنه في الوقت عينه يرى أن "هذه الزيارة تشكل نقلة نوعية للحراك الدبلوماسي بين ايران ومصر، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا فلسطين وسورية وأمن المنطقة بشكل عام أي الأمن الإقليمي"، موضحاً أن "هذه الزيارة تضع النقاط على الحروف بالنسبة للمعادلة الإقليمية التي من الممكن أن تتركب من جديد بناءً على قدرة الطرفين على تقديم مقاربات جديدة بالنسبة للموضوع الفلسطيني والسوري والأمن الإقليمي المهدد بالتدخل الأجنبي والفتنة المذهبية وبمحاولة ركوب موجات الثورات العربية من قبل القوى الكبرى التي تريد أن تصادر حق الشعوب في تقرير مصيرها بتشكيل أنظمة بديلة لتلك الأنظمة التي تمّ إسقاطها".
وفي حديث لموقع المنار، يقول الحسيني الذي سبق أن كان مستشاراً للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي والعضو حالياً في جمعية الصداقة المصرية الإيرانية، إن "المصريين يقتربون يوماً بعد يوم من الرؤية الإيرانية للملف السوري، والدليل مبادرة الرئيس محمد مرسي الذي جعل ايران جزءاً من الحل، قائلاً إن هذه القضية تحل عربياً وإسلامياَ وليس هناك ضرورة لتدخل أجنبي عسكري أو غير عسكري". ويظهر كلام الحسيني جلياً في البيان الختامي لقمة منظمة التعاون الإسلامي، التي عُقدت في القاهرة، والذي لم يتضمن أي إدانة للنظام السوري. كما تجنب تحميل النظام مسؤولية استمرار العنف في سورية، مكتفياً بالتأكيد على ضرورة إجراء "حوار جاد".
أما بالنسبة للخلاف المذهبي بين البلدين والذي تمظهر من خلال سيل الإتهامات التي سبق أن وُجّهت لطهران والتي كررها البعض أثناء زيارة نجاد للقاهرة، كاتهام الرئيس الإيراني بالسعي من خلال زيارته لشيخ الأزهر ومؤسسة الأزهر الى "وضع قدم للشيعة في مصر"، بحسب المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية هشام كمال، يعتبر الحسيني أن هذه الزيارة شكلت نوعاً من "المصارحة بين المذاهب كما حدث خلال زيارة نجاد للأزهر والحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأزهر أحمد الطيب، والتي ستستكمل بزيارة كبار مشايخ الأزهر لإيران".
وبعيداً عن وجهة نظر بعض المراقبين تجاه زيارة نجاد للقاهرة، حيث رأى هؤلاء أن ما طغى على الزيارة أجواءٌ من تراشق الإتهامات ذات الطابع المذهبي وخلافٌ حاد في الموضوع السوري، يؤكد الحسيني أنه "ما تمّ الإتفاق عليه هو تعاون جذري وعميق بين مرسي ونجاد في مجال وأد الفتنة المذهبية، والتعاون لحلّ الأزمة السورية بأقل الأضرار بالنسبة للشعب السوري، وهذا سيزعج الكثير من الدول كتركيا. كما تمّ الإتفاق على وضع الخبرات الإيرانية بتصرف القيادة المصرية في مجال مكافحة الإرهاب وفي مجال الإلتفاف على العقوبات الإقتصادية وتفعيل استثمارات ايرانية داخل مصر بدل أن تبقى الأخيرة رهينة للمساعدات الأميركية والأوروبية. إضافةً إلى وضع الخبرات الإيرانية في مجال الطاقة الذرية بيد المصريين".
وتتقاطع تصريحات الحسيني مع ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية عن رواج شائعات حول زيارة مسؤول مخابراتي إيراني للقاهرة وعقده لقاءات سرية مع قيادات الإخوان، إضافةً لما ذكرته الصحيفة عن أن الإخوان يستخدمون هذه العلاقات مع طهران وسيلة ضغط مصرية على أميركا و"إسرائيل" في عملية السلام.هذا ويرى الخبير في مركز الأهرام الإستراتيجي، الدكتور وحيد عبد المجيد، أن "الإخوان مصممون على إقامة علاقات مع إيران في إطار حلم مؤسس الجماعة حسن البنا بتكوين الخلافة الإسلامية في الشرق الأوسط".
والجدير ذكره، أن ما يُحكى عن تقارب ايراني-مصري لجهة الأزمة السورية يتزامن مع أصوات كثيرة برزت في الآونة الأخيرة وتحدثت عن أرجحية الحل السياسي في ظل تخبط في صفوف ما يسمى المعارضة السورية وعدم قدرة الأخيرة على تحقيق انجازات ميدانية حقيقية، مما يضعها أمام الدخول في نفق حرب استنزاف طويلة، وهذا ربما ما دفع رئيس ما يُسمى الإئتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب إلى التلويح بخيار الحوار مع النظام.