ما الذي سيأتي به جون كيري، ومن بعده باراك أوباما للمنطقة، وتحديداً للفلسطينيين الرازحين منذ سنوات وعقود، تحت نير الاحتلال والاستيطان والحصار؟..سؤال تتداوله بكثيرٍ من الحيرة، أوساطٌ سياسية ونخبوية
*عريب الرنتاوي-الدستور الاردنية
ما الذي سيأتي به جون كيري، ومن بعده باراك أوباما للمنطقة، وتحديداً للفلسطينيين الرازحين منذ سنوات وعقود، تحت نير الاحتلال والاستيطان والحصار؟..سؤال تتداوله بكثيرٍ من الحيرة، أوساطٌ سياسية ونخبوية، مع أن الرأي العام الفلسطيني والعربي، يكاد يكون قرأ “مكتوب موسم الزيارات من عنوانه”، وعنوانه عشرات الوحدات الاستيطانية التي تستقبل بها إسرائيل كل موفد أو وفد أمريكي جديد للمنطقة.
طوال سنوات ولايته الأولى الأربع، لم يزر أوباما "إسرائيل" مرة واحدة، وهو دشّن ولايته الأولى بزيارتين هامتين لتركيا ومصر وخطابٍ شهير في جامعة القاهرة..اليوم، ومع بدء استلامه مقاليد ولايته الثانية، يقرر أوباما أن يضع إسرائيل، واستتباعاً فلسطين (السلطة) والأردن، على رأس جدول زياراته الخارجية، برغم العلاقة الفاترة التي تربطه برئيس الوزراء المُعاد انتخابه، بينيامين نتنياهو.
كل التقديرات، الأمريكية والأوروبية، تؤكد أن أوباما لن يستثمر الكثير من الوقت والجهد في السعي لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي..هذا ليس في صدارة أولويات ولايته الثانية، ولا هو الموضوع الأثير على قلبه..للرجل أولويات كبرى في الداخل الأمريكي، أما أولوياته الخارجية، فبعيدة عن الشرق الأوسط بمجمله، صوب آسيا والمحيط الهادئ..وثمة “تقديرات استراتيجية” بأن واشنطن، تتجه لإعادة “توزين” مصالحها في مختلف بقاع العالم، وسط تأكيدات بأن الشرق الأوسط، بنفطه وإسلامييه وقواعده وحلفائها و”إرهابه”، بات يحتل مكانة متناقصة في سلم الأولويات والمصالح الأمريكية..فما الذي جاء الرجل ليفعله هنا، وماذا يحمل في جعبته؟!.
أحسب أن “عملية السلام” و”جهود استئناف المفاوضات” سوف تكون في أحسن الأحوال، عناوناً من جملة عناوين مدرجة على جدول أعمال رئيس البيت الأبيض في القدس..هناك ملف إيران متعدد الصفحات والمجالات، وهناك ملف “العلاقات الثنائية” التي يفاخر أوباما بأنه خدمها كما لم يفعل رئيس أمريكي آخر..وهناك جملة من الملفات المندمجة والمستقلة عن الملفين السابقين، بيد أنها أقل أهمية منهما، ومنها الملف السوري، وصعود الإسلام السياسي والفوضى “غير الخلاقة في الشرق الأوسط”.
سيعمل أوباما ما أمكن من أجل تحقيق إنجاز أمام الكاميرات على أقل تقدير، في لقاء قد يجمعه بعباس ونتنياهو، وربما الملك عبد الله الثاني، الأمر مشروط بما سيجري من استعدادات وتحضيرات لمثل هذه “الصورة الفوتوغرافية” المكلفة..فلسطينيا سيطلب إلى الرئيس عباس الاكتفاء بما تم إنجازه في الأمم المتحدة، إذ من غير المسموح استكمال مسيرة البحث عن “عضويات جديدة” لفلسطين، خصوصاً في محكمة الجنايات الدولية، والمرجح أنه سيشجع الرئيس عباس (يضغط عليه) من أجل إبطاء مسيرة المصالحة الوطنية، فهذا أمر غير مرغوب فيه من قبل، وبالذات، بعد الفتور الذي لفّ علاقة واشنطن بجماعات الإسلام السياسي، وتحديداً منذ واقعة بنغازي..لا ندري ما إذا كان الرجل سيكون قادراً على انتزاع ما يريد من الفلسطينيين، لكن المؤكد أن نتنياهو لن يقدم على أي تنازل في مجال الاستيطان، وكل ما يمكن أن تجود به “قريحة” زعيم الليكود، هي الدعوة لمفاوضات غير مشروطة، وتسهيلات في تحويل أموال الضرائب، ورفع بعض القيود عن حركة الفلسطينيين في الضفة والقطاع، طالما أنه سيظل قادراً على تشديدها في أي وقت يشاء.
ثمة جدل في بعض الأوساط الأوروبية والأمريكية، حول فكرة “إعطاء المفاوضات فرصة إضافية”، تمتد حتى نهاية العام، تنتهي إلى جدول تنفيذ حل الدولتين، لكن ما أطاح بكل الفرص السابقة، وما عطّل وسيعطل كل المحاولات اللاحقة، وأعني به الصلف والتعنت الإسرائيليين، ما زال على حاله، بل ازداد سفوراً وتصعيداً بعد الانتخابات الأخيرة، وفي ظل تزايد نفوذ لوبي الاستيطان وقوى التطرف القومي و”الحريدي” في إسرائيل.
لن تصل جهود أوباما إلى “إنفاذ حل الدولتين” إلى نهاياتها الظافرة، ولن يجلب معه “السلام” للمنطقة..ولا أحسب أن الرجل “ساذج” لكي يُمني النفس بإنجاز بهذا الحجم..كل ما يمكن أن يأمل به الرجل، هو إدامة “عملية السلام”، لا أكثر ولا أقل، فالعملية مطلوبة بذاتها، ولم تعد مطلوبة لنتائجها.
في الملف الأهم للزيارة: إيران، تراوح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بين حدين: تفادي المواجهة وعدم الوقوع في “منزلق الاحتواء”..لا حرب مع إيران، ولكن لا سلام معها ما لم ترضخ لشروط ومتطلبات “المجتمع الدولي”..المطلوب إبقاء طهران في مربعات العزلة والحصار والخنق الاقتصادي والدبلوماسي، ويجب أن لا يعكر جنون نتنياهو – ليبرمان، صفو هذه المقاربة، ولهذا السبب بالذات، يأتي سيد البيت الأبيض بنفسه إلى إسرائيل، للطمأنة والاطمئنان..لطمأنة إسرائيل بأن أمنها وتفوقها، وجودها ومستقبلها في أيدٍ أمريكية أمينة وطويلة، وللاطمئنان على أن هذا “الحليف المشاكس والمتمرد” لن يقلب الطاولة على رؤوس الجميع، ولن يفرض أجندته العدوانية على الدولة الأعظم، التي قررت على ما يبدو، أن لا حروب مستقبلية، أقله في السنوات الأربع الفائتة، وأن أقصى ما يمكن أن تذهب إليه، هو “حروب الوكالة” و”عمليات الطائرات من دون طيّار”..ولا ندري مرة أخرى، ما إذا كان أوباما سينجح في مهمته “الإيرانية” في إسرائيل، أم أن مصيرها سيكون مصير مهمته “السلمية” فيها؟!.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه