29-11-2024 10:57 PM بتوقيت القدس المحتلة

مدينة «يسقط حمد»

مدينة «يسقط حمد»

الجدران تريد الاعتراف، الاعتراف بحق كل المواطنين في أن يكونوا ما يريدون ويقولوا ما يريدون ويقيلوا من لا يريدون، من دون أن ينال أحد من كرامتهم. يتطلب ذلك مواطنة كاملة تتخلى فيها السلطة عن شرعية الفتح

علي الديري

الملك حمد بن عيسىالجدران تريد الاعتراف، الاعتراف بحق كل المواطنين في أن يكونوا ما يريدون ويقولوا ما يريدون ويقيلوا من لا يريدون، من دون أن ينال أحد من كرامتهم. يتطلب ذلك مواطنة كاملة تتخلى فيها السلطة عن شرعية الفتح التي تحتكم إليها في ممارسة الحكم القائم على التمييز والإقصاء، والاستناد إلى شرعية الشعب الكامل الصلاحيات والحقوق. الاعتراف بأنّ تاريخ الفتح (1783) ليس تاريخ البحرين، بل هو تاريخ آل خليفة، وهو تاريخ الإذلال أو التبعية (الولاء القبلي) لمن هم خارج العائلة.

في افتتاح المتحف العسكري في 5 شباط (فبراير) 2013 التابع لقوة دفاع البحرين، يقف الملك أمام جدارية كبيرة تشير إلى هذا التاريخ. تلخّص صورة الملك وهو ينظر إلى هذه اللوحة القصة الكاملة لتاريخ أزمة البحرين، كيف يرى الملك وعائلته هذه اللوحة؟ وكيف يرى الشعب هذه اللوحة؟

لو وضعنا جدار المتحف العسكري، قبالة جدران شارع البديع والمنامة وسترة وجدران، بلدات مثلث الصمود وبقية مناطق الاحتجاجات الملتهبة بالشعارات التي تحاكي مشاعر الناس الحقيقية، فسنرى أزمة البحرين العميقة من خلال جدرانها. جدار المتحف يذكر بأمجاد القبيلة (الفاتحة) وجدران المناطق الملتهبة، تذكر بالظلم الذي وقع وما زال يقع عليها من تاريخ هذا الفتح. ليس في جدار المتحف ما يشير إلى تاريخ مشترك، معركة وطنية مثلاً أو بطولات خاضها السكان ضد عدو خارجي. فيها ما يذكر السكان السابقين لمجيء آل خليفة بالإخضاع والسيطرة والقوة الغالبة عليهم.

يقف الملك أمام هذه اللوحة بزهو، لكن في المقابل، لو يمم وجهه تجاه الجدران الحقيقية خارج قصره ومتحفه العسكري، فماذا سيرى؟ لن يرى ما يبعث على الزهو، سيرى جدران «يسقط حمد». سيجد نفسه مضطراً إلى الإذعان لحقيقة أنه الحاكم الأكثر إهانة من قبل شعبه. هكذا ترد الجدران على الإذلال الممنهج لساكنيها، بإهانة الرأس الممنهج للإذلال، فتحقق قدراً من الاعتراف. الاعتراف أمام نفسها بأنها قادرة على الرد وإعادة الاعتبار إلى ذاتها المذلة. وهذا ما يختصره شعار «هيهات منا الذلة» المقرون دوماً بشعار «يسقط حمد» على الجدران. المدينة هي المكان الذي يتحقق فيه قدر معقول من الاعتراف، الاعتراف بحق المواطنين في التعبير عن حقهم في القول والكتابة والكلام. رسالة الجدران تهدف إلى تحقيق هذه المدينة.

الذل يتصل بالغزو والحكم الغاصب وأشكال الاستعباد والاسترقاق، وهو التاريخ الذي تتمثله هذه اللوحة فوق الجدار العسكري الخاص بتاريخ القبيلة، ولنتذكر أنّ السخرة وضريبة الرقبة لم تقبل قبيلة آل خليفة أن توقف العمل بهما إلا بعدما فرضت بريطانيا إصلاحاتها الإدارية في مايو 1923. هذه المعاني المتصلة بالذل هي ما تسميه نظرية الاعتراف بالتجارب الأخلاقية السلبية أو تجارب الإذلال والمهانة والإقصاء (انظر: كتاب الاعتراف، الزواوي بغورة). السبب الرئيس لأشكال المهانة والإذلال والانتهاك يعود إلى غياب النماذج الثلاثة في الاعتراف التي تحدث عنها أكسل هونث تلميذ الفيلسوف هابرماس، وهي: الحب والقانون والتضامن. وبهذا الغياب يحدث الصراع في المجتمع بين جدران الناس وجدارن متحف الملك.

«العودة إلى دستور عقدي. رحيل آل خليفة، يسقط حمد، لا حوار مع القتلة، تقرير المصير» شعارات غرافيتية مطبوعة على جدران البحرين. تشترك في أنها تريد أن تزيح جداراً سميكاً مكتوب عليه تاريخ الإذلال والإخضاع بالقوة.

* كاتب وناقد من البحرين

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه