23-11-2024 02:31 PM بتوقيت القدس المحتلة

"الرموز".. قصة من ثورة فبراير

هكذا وبمرسوم ملكي.. اختارت السلطات البحرينية أن تمهد لإعلان حالة الطوارئ أو ما أُطلق عليه "حالة السلامة الوطنية" في 15 آذار/ مارس 2011، مطلقة يد الأمن ليسرف في القمع والقتل والإعتداءات

"الظروف التي تمر بها مملكة البحرين جرت فيها تصعيدات أمنية مست أمن البلاد وعرضت حياة المواطنين للخطر وأضرت بمصالحهم وأرزاقهم وتعدت على ممتلكاتهم وطالت مؤسسات الدولة ودور العبادة وأساءت لمنابر العلم في المدارس والجامعات وحتى وصلت لتطال مهنة الطب الإنسانية وحولت المستشفيات إلى بؤر رعب وترهيب كما عملت على الإضرار بعجلة التنمية والاقتصاد البحريني".

صورة المعتقل الحقوقي عبد الهادري الخواجةهكذا وبمرسوم ملكي.. اختارت السلطات البحرينية أن تمهد لإعلان حالة الطوارئ أو ما أُطلق عليه "حالة السلامة الوطنية" في 15 آذار/ مارس 2011، مطلقة يد الأمن ليسرف في القمع والقتل والإعتداءات. شهر واحد فقط كان فاصلاً بين اليوم الذي تلألأت فيه الثورة بأبهى صورها "السلمية"، وبين اليوم الذي أُطلقت فيه يد البطش لتقابلها بالرصاص والتنكيل.

أتت "حالة السلامة الوطنية لتكون الفرصة المناسبة للانتقام" بحسب رأي الحقوقي المعتقل في السجون البحريني عبد الهادي الخواجة، وبالتالي أرادت السلطات أن تقوم بتصفية حسابها مع شعب أذنب حينما طمع بنسيم الحرية. اعتُقل الخواجة وعشرون آخرون من رموز الثورة وحوكموا أمام محاكم عسكرية ومن ثم في محاكم مدنية بتهم جاهزة تراوحت الأحكام فيها بين الخمس سنوات والمؤبد، وقد اعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي المحاكمات أنها "الاضطهاد السياسي" ووصفتها منظمة العفو الدولية "بالصورة الزائفة للعدالة"، لتُعرف القضية فيما بعد بـ "قضية الرموز".

الرموز الـ 21..

تضم "قضية الرموز" 21 من القيادات السياسية المعارضة والناشطين الحقوقيين الذين لعبوا دوراً كبيراً وفاعلاً في أحداث 14 فبراير، وهم ينتمون إلى جمعيات سياسية وحقوقية مختلفة، منهم الشيخ حسن مشيمع، أمين عام حركة حق، الذي ترك علاجه في لندن للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية، المتهم من قبل النظام في قضية سابقة تقول المعارضة إنها لُفقت له. ومن بين المعتقلين الخواجة الذي قرر تقديم استقالته من عمله الدولي كمنسق اقليمي لمنظمة "فرونت لاين" الدولية - ومقرها دبلن وبروكسل- "بعد سقوط القتلى والجرحى في أولى الأيام.. والتفرغ للنشاط التطوعي في البحرين للمساهمة في أن يكون التحرك الشعبي سلمياً وفاعلاً في ضمان الحقوق، وفي رصد وتوثيق الانتهاكات التي وقعت أثناء الأحداث"، حسبما يذكر الخواجة نفسه في مرافعة قدمها للمحكمة البحرينية يوم 22 أيار/ مايو 2012.

وكان أحد قادة تيار الوفاء الإسلامي عبد الوهاب حسين الذي قاد أولى تظاهرات 14 شباط/ فبراير 2011 من بين المعتقلين، وكذلك أمين عام جمعية "وعد" إبراهيم شريف كونه كان الأول حضوراً من بين قيادات الجمعيات السياسية  في دوار اللؤلؤة يوجه الشباب ويشاركهم في حراكهم.

معظم المعتقلين كانوا من الداعمين أو المنضوين تحت لواء "التحالف من أجل الجمهورية" وهو تحالف جمع قوى سياسية معارضة دعت إلى اسقاط النظام البحريني بهدف إقامة جمهورية ديمقراطية.

وتجدر الإشارة أن المعتقل شريف لم يكن من الداعين إلى إسقاط النظام إلا أن حضوره الفاعل في الثورة كان كافياً ليكون سبباً لاعتقاله، حيث أرادت السلطة من وراء هذه الخطوة تمرير رسالة مفادها أن لا أحد خارج دائرة الاستهداف سواء من أهل السنة أو من التيار الليبرالي او حتى الاسلامي.   

الإطاحة بالنظام والمشاركة في الحرب ضد "إسرائيل" وإقامة جمهورية إسلامية

صور الرموز المعتقلين تم اعتقال الرموز ووجهت لهم تهم مشتركة كـ "محاولة قلب النظام القائم في البحرين" بالإضافة إلى تهم أخرى  منها "التخابر مع الخارج والتحريض على العنف"، ويفصّل المعتقل عبد الجليل السنكيس التهم التي وُجهت له:

"- محاولة قلب نظام الحكم
- التحريض على قلب نظام الحكم
- تعطيل القوانين والتحريض على عدم الانصياع لها
- الدعوة لتعطيل الدستور وقلب نظام الدولة
- تعطيل مؤسسات الدولة
- الإضرار بالوحدة الوطنية
- الاعتداء على حريات الآخرين
- نشر أخبار وإشاعات كاذبة
- حيازة محررات تروج لقلب نظام الحكم
- التخابر مع الخارج
- الدعوة والتنظيم والاشتراك في اعتصامات ومسيرات غير مرخصة
- الانضمام لجماعة محظورة وتنظيمات غير مرخصة وعلى خلاف القانون."


فيما يقول المعتقل الشيخ محمد حبيب المقداد في مرافعة أدلى بها أمام محكمة الإستئناف العليا بتاريخ 22 أيار/ مايو 2012 إن من بين "التهم المفبركة" التي وجهت له مشاركته في حرب 2006 "مع حزب الله ضد إسرائيل" وتهمة لقائه واجتماعه بأمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، وسُئل المقداد في التحقيقات التي أّجريت معه عن مواقع حزب الله وانتشارها في لبنان!

كما أن إقامة "جمهورية إسلامية" والإيمان "بولاية الفقيه كمبدأ أساسي للحكم" كان من بين التهم التي وجهت لشريف بحسب "إدعاءات الرائد عيسى سلطان السليطي".

وعلق شريف على التهمة الموجهة إليه بالقول: "ألا يعلم هذا الرائد في جهاز الأمن الوطني إن مثل هذه الإدعاءات حول شخص معروف بانتمائه للفكر السياسي الليبرالي العلماني المعارض لفكرة الدولة الدينية وواحد من أبناء الطائفة السنية ستثير الضحك بقدر ما تثير الشفقة على تدني المستوى المهني لجهاز الأمن الوطني وعدم تورعه عن اختراع اتهامات لا يمكن لعاقل أن يصدقها؟!"

إنتزاع الاعترافات بالإكراه..

يُجمع المعتقلون في مرافعات قدموها أمام محكمة الاستئناف أن اعتقالهم جرى دون ابراز أي أمر قضائي أو وثيقة رسمية، وأن الاعترافات التي ادلوا أمام النيابة العامة انتُزعت منهم بالإكراه.

ويؤكد إبراهيم شريف أن النيابة العامة اعتمدت على " أقوال انتزعت بالتعذيب أوبناءً على “المصادر السرية” المصطنعة لجهاز الأمن الوطني".

الكلام نفسه ذكره المعتقل في القضية نفسها محمد علي رضي إسماعيل، في إفادته لمحكمة الاستئناف العليا المدنية: "في القلعة واثناء وجبات التعذيب لاسيما الصعق الكهربائي والضرب بالهوز وأُجبرت على أن اوقع على افادة دون أن أراها فقد وضعوا القلم في يدي ورفعوا العصابة عن عيني وأمروني بالنظر إلى مكان محدد وقالوا “وقع هنا”، ولما طلبت أن أقرأ هددوني بالعودة إلى الكهرباء والتعذيب من جديد عندها وقعت بعد أن سلمت أمري إلى الله".

بدوره، أقر المعتقل سعيد ميرزا أحمد ( النوري) أمام المحكمة بأنه تعرض "أثناء فترة التوقيف لأقسى أنواع التعذيب المعنوي والجسدي طول فترة الستة أشهر"، حتى تم انتزاع الاعترافات منه "بالقوة والإكراه".

من جانبه قال الشيخ حسن مشيمع في مرافعته: "أخذوني مرتين أوثلاث إلى التحقيق قبل أخذنا إلى النيابة العسكرية  وكان ذلك في داخل احد المكاتب في نفس المعتقل وكنت معصب العينين لا أرى شيئاً وأجلسوني أمام المحققين الذين لم اعرفهم ولم أراهم والجلاوزة تحيط بي وتنتظر إي إشارة ليضربوني وهددت بعدم تغير أقوالي في النيابة العسكرية".

الرموز في تقرير بسيوني

الحرية إلى الرموزأشار تقرير لجنة تقصي الحقائق الملكية التي ترأسها شريف بسيوني إلى اعتقال الرموز في (المادة 552) فقال إنه بتاريخ 17 آذار/ مارس 2011 بدأت "إجراءات اعتقال العديد من شخصيات المعارضة الذي قادت مظاهرات الأسابيع السابقة. وفي الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم، تم القبض على المجموعة الأولى من هذه القيادات السياسية والدينية وفقا لمذكرات توقيف صادرة إما من قبل القائد العام لقوة الدفاع أو المدعي العام العسكري. وكان من بين المعتقلين: السيد حسن المشيمع، والسيد إبراهيم شريف، والدكتور عبد الجليل السنكيس، والسيد عبد الوهاب حسين، والشيخ سعيد ميرزا أحمد النوري، والشيخ عبد الهادي عبد الله المخدور، والسيد الحر يوسف الصميخ، حيث بقي هؤلاء الأفراد في عهدة وكالة الأمن القومي حتى تم تحويلهم إلى النيابة العسكرية في٢٩ مارس ٢٠١١ . وقد زعم العديد من هؤلاء الأفراد أنهم تعرضوا لسوء المعاملة خلال الاستجواب في مراكز الاحتجاز وفي جهاز الأمن الوطني ٢٦١."

ثم "ألقي القبض على غيرهم من الزعماء السياسيين بمعرفة جهاز الأمن الوطني في الأيام والأسابيع التالية. وكان من بينهم السيد محمد حسن جواد، والسيد محمد رضا اسماعيل، والشيخ  عبد الجليل المقداد، والسيد صلاح عبد الله الخواجة، والشيخ محمد حبيب الصفاف، السيد  ميرزا المحروس، والسيد عبد الهادي الخواجة، حيث ألقي القبض على جميع هؤلاء الأفراد واستجوابهم بمعرفة جهاز الأمن الوطني، وتم احتجازهم لفترات تراوحت بين أسبوع واحد وثلاثة أسابيع"، بحسب (المادة 553).

وأتى التقرير فيما بعد ليؤكد ما ذكره كل المعتقلين عن انتزاع الإعترافات منهم تحت التعذيب، فأشارت (المادة 1694) منه إلى " تعرض الكثير من الموقوفين للتعذيب ولأشكال أخرى من الانتهاكات البدنية والنفسية داخل محبسهم، الأمر الذي يدلل مرة أخرى على وجود انماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية... ان حجم وطبيعة سوء المعاملة النفسي والبدني يدل على ممارسة متعمدة كانت تستهدف في بعض الحالات انتزاع اعترافات وإفادات بالإكراه بينما في حالات أخرى كانت هذه المعاملة تستهدف العقاب والانتقام."

وفي تقريره برأ بسيوني الرموز من التهم الموجهة إليهم من قبل السلطات، مكرساً أن الرموز المعتقلين هم مجرد "سجناء رأي" لا متآمرين على النظام بحسب رواية السلطة. وتطرق بسيوني إلى رؤية "التحالف من أجل الجمهورية"، على أنها رأي لم يحرض على العنف كوسيلة لتنفيذه بل أكد على استخدام "الوسائل السلمية بما فيها العصيان المدني والمقاومة السلمية"، وأن التحالف على "استعداد للتخلي عن هذا المطلب في حالة عدم موافقة الشعب".

وأوصى التقرير في (المادة 1246) بأن تتولى جهة مستقلة ومحايدة التحقيق في كافة الإدعاءات بالتعذيب وفقاً لبرتوكول اسطنبول، صدر في العام 1999، وأصبح في العام 2000 وثيقة رسمية في منظمة الأمم المتحدة. وهو ما لم تلتزم به السلطات البحرينية إذ أخضعتهم للمحاكمة أمام محكمة الاستئناف العليا الجنائية البحرينية، لتبقى القضية مكانك راوح.

نظام لا يعرف العدالة لا يستطيع أن يطبقها

ابراهيم شريف والشيخ علي سلمانواليوم وبعد قرابة العامين على اعتقال رموز الثورة البحرينية، ورغم ما أُلصق بهؤلاء من تهم وأُلحق بهم من ضرر جراء عمليات التعذيب التي تعرضوا لها، تنقل جهات بحرينية معارضة أن مواقف الرموز لاتزال على ما هي.. بل تمد الشارع بمزيد من الصمود والإرادة. ولازال رموز المعارضة البحرينية إلى اليوم على موقفهم في رفض أي مبادرات سياسية يطرحها النظام، وهم يعتبرون أنفسهم رهائن لديه.

لخص المعتقل إبراهيم شريف حالة المعنويات التي يعيشها هؤلاء في ختام مرافعته التاريخية التي ألقاها أمام محكمة الاستئناف العليا في أيار/ مايو 2012 عندما قال:

"أيها السادة، نقف أمامكم اليوم بعد تجربة ومعاناة امتدت أكثر من 14 شهراً ونحن على يقين أن فاقد الشيء لا يعطيه، وان نظاماً لا يعرف العدالة لا يستطيع أن يطبقها. إننا نعرف سلفاً نتيجة هذا الامتحان بين العدالة الحقيقية التي تنتصر للمظلوم ولوكان ضعيفاً، والعدالة الزائفة التي تنتصر للقوي ولوكان ظالماً. يستطيعون حبسنا ولكنهم لن يستطيعوا اعتقال حلمنا .. حلم الحرية لشعبنا، والكرامة لأهلنا"