07-11-2024 11:30 PM بتوقيت القدس المحتلة

مازوت 14 آذار إلى سوريا

مازوت 14 آذار إلى سوريا

غالبية التجار اللبنانيين المصدّرين مقربون من فريق 14 آذار


تصاعدت حدة الاعتراض على عمليات نقل المازوت الى سوريا. المعترضون لا يعرفون ان الجزء الأكبر من هذه المادة لا يذهب الى خزانات دبابات النظام السوري، وإنما وجهتها هي السوق المحلية السورية. كما أنهم لا يعرفون (أو ربما يعرفون؟) أن غالبية التجار اللبنانيين المصدّرين مقربون من فريق 14 آذار.
 

 تحرّكت السفارة الاميركية في بيروت سريعاً على خط ملف اعادة تصدير المازوت من لبنان الى سوريا. ففي معلومات لـ«الأخبار» ان مكتب السفيرة مورا كونيللي اتصل قبل يومين بالمدير التنفيذي لشركة «هيبكو ــــ كوجيكو» بشير بساتنة وطلب اللقاء معه بحجّة استيضاح ملابسات هذا الملف. ولم تقبل المصادر ان تؤكّد او تنفي حصول مثل هذا اللقاء ومضامين الاحاديث التي دارت فيه. الا ان اللافت ان كونيللي نفسها سارعت، في الايام القليلة الماضية، الى طلب مواعيد كثيرة للقاء مسؤولين في الحكومة اللبنانية وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي. وتزامن ذلك مع تحريك مجموعات مسلّحة في مناطق الشمال لاعتراض سبيل الصهاريج المحمّلة بالمازوت والمتجهة الى الحدود مع سوريا، فضلاً عن تنفيذ تجمّعات أول من امس على معبري العريضة المؤدي الى طرطوس والعبودية المؤدي الى حمص لقطع الطريق في الاتجاهين بالحجارة والعوائق. كما تزامن مع عودة الشيخ احمد الاسير الى التهديد بقطع طريق الجنوب عبر صيدا في حال لم يتوقف تحميل الصهاريج السورية بالمازوت من الخزّانات الخاصّة في الزهراني.

 على الخط نفسه، تحرّك نوّاب من كتلة المستقبل والقوات اللبنانية لاثارة هذا الملف اعلامياً وربطه باتهام الحكومة اللبنانية بدعم المجهود العسكري للجيش السوري. كذلك ذكرت معلومات موثوق بها ان رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة استدعى قبل ثلاثة ايام المدير العام لشركة «يونيتيرمينال» احمد سليم رمضان واستوضحه عن الملابسات بحضور مستشار السنيورة بسّام تميم. وقالت المصادر ان السنيورة عاتب رمضان (المحسوب على 14 آذار) بسبب الانخراط القوي لشركته في نشاط اعادة تصدير المازوت الى سوريا، وقد ردّ رمضان بأنه يقوم بعمل تجاري بحت يوفّر الارباح المهمّة من دون ان يكون هناك اي مخالفة للقوانين المحلية او القرارات الدولية التي لا تفرض اي عقوبات على التعامل التجاري مع القطاع الخاص السوري، مؤكّداً للسنيورة ان السلطات السورية حررت تجارة المازوت على اراضيها لمواجهة النقص في هذه المادّة الحيوية، وبات هناك اكثر من 10 شركات سورية خاصّة تعمل مع الشركات اللبنانية والتركية واليونانية والروسية لاستيراد حاجات سوريا من المازوت.

 وفي التفاصيل التي اطّلعت عليها «الأخبار» من مصادر عدّة متقاطعة، تبيّن ان شركتي «يونيتيرمينال» (وهي شركة لبنانية مساهمة يملك آل عبجي، أصحاب بنك بيمو، وورثة بيار خوري 50% منها، فيما تمتلك شركة IPG الكويتية 50%) و«هيبكو» (التي يملكها آل البساتنة وقد استحوذت منذ سنة ونصف السنة على منشأة «كوجيكو» وأصولها العائدة لوليد جنبلاط عبر بهيج ابو حمزة) تنشطان بقوّة حالياً على خط اعادة تصدير المازوت الى سوريا، ليس عن طريق البر فحسب بل ايضاً عن طريق البحر. ويشارك في هذا النشاط عدد لا بأس به من الشركات المحلية الخاصّة، ولو بحصص اقل، منها شركات «كورال اويل» (شل سابقا ويملكها رجل الأعمال السعودي محمد العامودي وهو يملك مصافي للنفط في المغرب وفي السويد) وشركة «يونايتد» (وهي مملوكة من جوزف طايع)، وشركة «ميدكو» (يملكها آل شماس ومنهم مارون شماس)، و«الشركة العربية» (يملكها وليد عبد الرزاق الحجة).

 وتقول المصادر ان هذه الشركات قامت، في الشهر الاخير، باعادة تصدير نحو 30 الف طن من المازوت (المعروف بالاخضر)، لقاء رسم يمثّل 1% من القيمة المجاز اعادة تصديرها. إلا أن اللافت ان حجم استيراد المازوت الى لبنان ارتفع في الفترة نفسها الى 100 الف طن في الشهر، في حين ان الاستهلاك المحلي لهذه المادّة لا يتجاوز 50 الف طن شهرياً، وهو ما يدفع المراقبين الى تقدير حجم التهريب عبر الحدود بنحو 20 ألف طن شهريا. وتؤكد مصادر الشركات أن المهربين يسحبون من السوق المحلي نحو مليوني ليتر يوميا. وهذه الكمية مرجّحة للازدياد عندما يتحسن الطقس وتزول الثلوج التي تعرقل توسّع عمليات التهريب بسبب انقطاع الطرقات غير المؤهّلة.

 في قراءة مبسّطة لهذه التفاصيل، يتبيّن ان ليست هناك جهة (او جهات سياسية) متورطة وحدها باعادة تصدير المازوت لاغراض سياسية فحسب، بل ان معظم الشركات الخاصة الناشطة (وهي تتوزع على كل القوى السياسية المسيطرة) تتسابق للاستفادة من هذا النشاط، ولا سيما ان ارباحه كبيرة. اذ ان الشركات نفسها تقرّ بأن الربح على كل طن مازوت يتجاوز 15 دولاراً، اي ان اعادة تصدير 30 الف طن عبر الطرق الشرعية تولّد ارباحا شهرية تتجاوز 450 الف دولار (تقول المصادر ان الارباح الفعلية المخبأة تدفع الى تقدير هذه الارباح بنحو 600 الف دولار على الاقل)، تضاف اليها ارباح اقل بقليل ناتجة من التهريب. اي ان النشاط المتصل بتأمين حاجات السوق السورية من المازوت عبر لبنان يدرّ ارباحاً لا تقل عن مليون دولار في الشهر، وهي أرباح مرجّحة للتعاظم في ضوء الشح الذي تعانيه سوريا في ظل الحصار.

 من جهة ثانية، يتبيّن ان الشركات ليست مضطرة ابدا لاعادة تصدير المازوت الاحمر الذي تحتكر الدولة تجارته، اذ ان السعر المحلي الرسمي هو نفسه، بحسب جدول تركيب اسعار مبيع المحروقات الصادر بموجب القرار رقم 50 بتاريخ 12 شباط 2013، ويبلغ سعر الصفيحة 27 الفا و700 ليرة، فضلا عن ان المازوت بنوعيه (الاحمر والاخضر) لا يخضع للرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة بموجب القانون رقم 202 الذي صادق عليه مجلس النواب بتاريخ 5/3/2012. وربما تمثّل هذه القضية الاشكالية الرئيسية في هذا الملف، باعتبار ان اعفاء مادّة المازوت من الضرائب والرسوم يعدّ نوعاً من انواع الدعم المباشر، وبالتالي يعتقد بعض المراقبين ان على الدولة ان تفرض الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة على الكميات المعاد تصديرها التي تمثّل نحو 15% لا ان تكتفي بجباية رسم اعادة التصدير البالغ 1%.

 من جهة ثالثة، تبيّن هذه الوقائع ان الجميع في سوريا يستفيد من اعادة التصدير والتهريب، وليس فقط الجيش السوري كما يدّعي البعض ويحرّض. اذ ان المعلومات تفيد بأن انشط عمليات التهريب تجري عبر الحدود المتاخمة لمناطق تسيطر عليها المعارضة السورية، فضلا عن ان نحو 100 الف طن من المازوت يتم استيرادها من تركيا واليونان شهريا عبر الشركات السورية نفسها التي تستورد من لبنان. وهذه الوقائع تفيد ايضاً بنفي صحّة الكلام عن ان العمليات الحاصلة عبر لبنان تعدّ خرقا للعقوبات الغربية المتخذة لمحاصرة النظام السوري. وتؤكد مصادر متابعة لهذا الملف أن الكمية الأكبر من المازوت الذي يجري إدخاله إلى سوريا يُوَزّع في السوق السورية، ويستفيد منها بشكل كبير المواطنون السوريون كمحروقات للسيارات والآليات، أو للتدفئة.
 وكانت وسائل الاعلام قد ركّزت على شركة «يونيتيرمينال» باعتبارها الشركة المسؤولة عن تنشيط حركة اعادة تصدير المازوت الى سوريا، وذلك في ضوء تسريبات من داخل وزارة الطاقة والمياه، وبحسب مصادر نفطية مطلعة فإن التركيز على هذه الشركة يعود الى ميول مديرها نحو 14 آذار وامتلاك شركة كويتية نصف اسهمها. وقالت هذه المصادر ان أحمد سليم رمضان لا صلة له قريبة أو بعيدة بأي من قوى 8 آذار.

 وتشير المصادر إلى أن قصّة تصدير المازوت الأخضر بدأت منذ نحو 4 أشهر حين عمدت «يونيترمينال» إلى تصدير كميات إلى سوريا من خزاناتها القائمة في الدورة، إلا أن الطلب السوري على هذه المادة ارتفع مع بدء فصل الشتاء، ما دفع الشركة إلى استئجار خزانات إضافية وتسريع حركة استيراد المازوت الأخضر، خصوصاً أن استئجار الخزانات يخفف من كلفة انتظار البواخر في البحر قبل تفريغها. وبعد فترة قصيرة، تبيّن لشركة «يونيترمينال» أن الخزانات الإضافية لم تعد كافية نظراً إلى ارتفاع وتيرة الاستيراد والطلب، وبالتالي عمدت الشركة إلى استئجار خزانات في الزهراني. الا ان ازدياد الطلب دفع باقي الشركات إلى التسابق من اجل الحصول على حصّة لها وهكذا كان.

 عملياً، لا تخالف هذه الشركات أي قانون ببيعها المازوت الأخضر للتجار السوريين، إذ إن قانون التجارة في لبنان يفرض على هؤلاء دفع الرسم المالي في وزارة المال على الكمية المعاد تصديرها ويحصل الأمر بصورة طبيعية.

 واللافت أن السوريين يشترون صفيحة المازوت حاليا بنحو 40 ألف ليرة لبنانية في السوق السوداء، بالمقارنة مع 27700 ليرة في لبنان، واللافت ايضا ان احصاءات المركز الآلي الجمركي في لبنان تفيد بأن سوريا استوردت من لبنان في عام 2012 نحو 43231 طناً من المازوت الاخضر بقيمة إجمالية تبلغ 44.3 مليون دولار، علماً بأن هذه التجارة ليست حديثة العهد كما يحاول البعض تصويرها.

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه