28-11-2024 09:40 AM بتوقيت القدس المحتلة

عن ربيع حقيقي.. قد يبدأ من الضفة

عن ربيع حقيقي.. قد يبدأ من الضفة

كان على الربيع أن ينطلق من فلسطين. ربما وقتها كان بالإمكان أن يكون حقيقياً أو بعيداً عن الهشاشة وعبثية الأهداف، حيث أن القضية الفلسطينية كانت لتكون المحرّك المركزي لكل ثورة أو حراك في أي بلد عربي

هل تنتفض الضفة، فتكون بداية لربيع جديد؟ كان على الربيع أن ينطلق من فلسطين. ربما وقتها كان بالإمكان أن يكون حقيقياً أو بعيداً عن الهشاشة وعبثية الأهداف، حيث أن القضية الفلسطينية كانت لتكون المحرّك المركزي لكل ثورة أو حراك في أي بلد عربي. وقتها فقط كان ليكون الواقع العربي ربيعاً بامتياز، فالثورات لم تكن لتكون عرضةً للتدجين الغربي أو لاختلاط الأوراق وتداخل المطالب الشعبية بالمصالح الإقليمية، بحيث كان ليكون هناك هدفاً أساسياً ليجمعها ويُكسبها بعداً عروبياً يحميها من الحسابات المذهبية الضيقة: القضية الفلسطينية.

ما حدث ويحدث ولو اكتسب تسمية "الربيع العربي" في لحظة ما، يبدو أبعد ما يكون عن كونه ربيعاً، فهل نستطيع المزج بين صور القتل والإرهاب المتنقل، كما يحدث في سورية، وصور المواجهات المستمرة في الكثير من البلدان العربية بين الشعب والأنظمة الجديدة حول مطالب أُسقطت الأنظمة القديمة من أجلها؟ منذ البدء، لم يكن للثورات قضية واحدة، هدفٌ سام تتحرك مجتمعة من أجله، تتوحد من أجله فتصبح صلبة وتعد بأمل ما، بمستقبل أجمل يستحق تسمية الربيع.

لسنا في وارد نسف ما جرى، خصوصاً أن دماءً أريقت وأن شهداءً بذلوا أرواحهم من أجل سقوط فراعنة كثر، لكن حفاظاً على ما بذل هؤلاء، من الأجدى بنا أن لا يُسكرنا الربيع ويبعدنا عن تقييم ما يجري علّنا ننقذ ما تبقى مما تم إنجازه بدءاً من جسد البوعزيزي المحترق وحتى الآن، فإن أي حراك عربي لا يلحظ القضية الفلسطينية ولا يُحدث تغييراً في الصراع العربي الإسرائيلي، ويضع نفسه في مواجهة أي فصيل مقاوم أو نظام عروبي ممانع انطلاقاً من أسباب مذهبية ضيقة، هو حراك مؤقت سيبقي الشعب لاهثاً خلف رغيف الخبز ومساعدات محكومة بخيارات سياسية ترضاها الدول الكبرى.

لما لا يكون جسد الشهيد الفلسطيني عرفات جرادات انطلاقة لربيع جديد، لربيع حقيقي؟ لقد استطاع هذا الجسد المعذب ومعه أصوات رفاقه الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية من إعادة النبض إلى مناطق الضفة الغربية وتهيئة الأرض ربما لانتفاضة ثالثة قد تكون النقطة الوحيدة المضيئة، في ظل ما تشهده المنطقة من كابوس الموت والإقتتال المذهبي. يبدو أن هذا ما يخافه الإسرائيليون وحلفاؤهم، حيث أنهم سارعوا للبحث عن آلية تحول دون اندلاع انتفاضة ثالثة، قد تشكل خطراً على مشروع قوامه التقسيم في المنطقة، فقد ذكر موقع "يديعوت أحرونوت" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طلب من السلطة الفلسطينية، العمل على تهدئة الخواطر في المناطق الفلسطينية، مقابل تحويل مستحقات الضرائب إلى السلطة هذا الشهر أيضاً. ويتقاطع ذلك مع تصريح للرئيس المؤقت للكنيست بنيامين بن أليعازر الذي أكد أن واشنطن تسعى لحل للأزمة منعاً لحدوث انتفاضة "يمكن أن تلقي بظلالها على الأردن ومصر والسعودية وكل دول المنطقة".

هل ضاق الفلسطينيون ذرعاً بكونهم لا زالوا خارج الذاكرة العربية؟ هل شعروا أنه حتى ما تبقى من مقاومتهم قد يكون عرضة لهواء الربيع السائد الذي أغرق منذ فترة عدداً كبيراً من الأنفاق في غزة بالمياه في ظل حديث عن محاولة لإرساء تسوية ما؟ على أبواب الربيع، باغتنا للحظة حلمٌ بربيع جديد، آت من الضفة، علّه يستحيل حقيقة.