ما لم يستجد طارئ بارز أو متغير جذري، يبدو واهماً من يعتقد أن ميشال عون سيتراجع عن سيره بصيغة «الأرثوذكسي».
جان عزيز
ما لم يستجد طارئ بارز أو متغير جذري، يبدو واهماً من يعتقد أن ميشال عون سيتراجع عن سيره بصيغة «الأرثوذكسي». فالمكاسب التي حققها حتى اللحظة من تلك الورقة التي قدمها له سمير جعجع في اجتماع بكركي في 16 كانون الأول 2011، وفيرة غزيرة. لكنها لم تنته بعد. يومها اعتقد خصومه أنهم يحرجونه بطرح الدوائر المذهبية. كانت حساباتهم أن حلفاء عون سيرفضون. فيما حلفاؤهم سيتفهمون. فيتعثر مشروع الفرزلي باكراً، بحيث يقطفون ثمار طرحه ويجني الجنرال عثاره. انقلبت الحسابات كلها. مشى الشيعة فجأة، ورفض الفريق الأزرق بشفاه زرقاء، فعاش «الأرثوذكسي» طويلاً، ما كفى لتفجير الآذاريين، وذبح «المستقلين» وندم المناورين.
لكن مسار عون مع ذلك الطرح لم ينته بعد. لا بل يبدو اليوم وكأنه يتموضع معه على مثلث رابح ـــ رابح ـــ رابح.
احتمال الربح الأول، إذا أقر «الأرثوذكسي»، بأي طريقة كانت. فنظرياً، هناك احتمال أن يكمل هذا المشروع طريقه من اللجان المشتركة إلى الهيئة العامة، وأن يحوز هناك على أكثرية كافية لإقراره قانوناً. في هذه الحال يكون عون قد ربح، لا بل قد انتصر. فهو عندها سيربح انتخابياً، كما تظهر التوقعات والاستطلاعات. كما سيحوز مع حلفائه أكثرية نيابية كافية لتأليف حكومة في مواجهة معارضة. والأهم أنه سيتكرس فعلاً زعيماً للمسيحيين ولأكثر منهم، وذلك طبعاً من دون شهادة أو نبوءة وزير إعلام غازي كنعان، فريد مكاري، الذي من محل الزمان على البلد ونكبة «مستقيمي الرأي» فيه، انه صار يعطي رأيه في الأقزام والجبابرة.
احتمال الربح الثاني لعون، في أن تنعقد الهيئة العامة، وأن يكون قد سبقها إنضاج ما لطبخة أخرى بمكونات غير «أرثوذكسية». أي أن يكون ميشال سليمان أو سواه، قد نجح في جمع أكثرية أخرى لصيغة أخرى لقانون الانتخابات. عندها من المرجح أن يذهب عون إلى المجلس، وأن يقترع للأرثوذكسي، ولو وحيداً، ولو خاسراً حتماً. بحيث يترك المسيحيين الآخرين ممن تبنوا هذا المشروع طيلة الشهرين الماضيين، يذبحونه على عتبة اتهامات «التسويات» و«التنازل عن الـ 64 مقعداً» ورائحة «الضغوط الخارجية والإملاءات والملاءات»... عندها يخسر عون بالنقاط داخل المجلس، قبل أن يخرج من القاعة ليعري الرابحين الصوريين بمدفعيته الثقيلة، فيتحول ضحية تلتف حوله أكثرية مسيحية تسونامية، تماماً كما حصل سنة 2005. مع فارق أن «التحالف الرباعي» بات من المستحيلات، ما يجعل الربح العوني ربحاً ملموساً، وغير ممنوع من الصرف كما يومها.
يبقى الاحتمال الثالث، ان يتعطل الاستحقاق النيابي. بطعن من ميشال سليمان بالقانون الجديد، او بسقوط المهل عبر تعداد الأيام بلا إنجاز، أو بالمحظور المحذور الأمني... أياً كان السبب، إذا لم تُجر الانتخابات، لن يكون ميشال عون خاسراً. فعندها تستمر الحكومة الميقاتية في عملها. مستندة إلى منطق دستوري بديهي. فها هي المادة 69 من الدستور واضحة صريحة، ولا عبارة في أي من فقراتها الست تقول باعتبار الحكومة مستقيلة، في حال تعديل قانون الانتخابات لجهة تمديد ولاية المجلس النيابي، او في حال تعذر إجراء انتخابات نيابية جديدة. هذا فضلاً عن ذلك الاجتهاد الفرنسي الذي يضعه الجنرال تحت تلك الطاولة الصغيرة، مستنداً إلى علامة فرنسي مكرس في علوم القانون الدستوري، يقول بنقل صلاحية المجلس النيابي إلى الحكومة مؤقتاً. وهو تلويح عوني، يبدو أنه لم يزعج سيد ساحة النجمة. فهو يدرك بالتخاطر، ان عون «يتكتك»، رافعاً منسوب الضغط على الخصوم، تماماً كما «يتكتك» دولته في الاتجاه نفسه، فاتحاً لهم باب مناقصة آذارية لتقديم أفضل اقتراح، بعدما توهم أهل 14 آذار أنهم قادرون على الاستمرار في صمت قبورهم، والضحك على الجميع في مسألة قانون الانتخابات.
يتصرف عون من الآن وكأنه رابح. يُهمل كل السيناريوهات المتخيلة، ولا يهتم كثيراً بتمارين محاكاة الفرضيات التي يدرك أنها مستحيلة. يتصرف وكأنه رابح رابح رابح، في أضلع المثلث المذكور كافة. لم يكن ينقصه إلا «الأمر الكبير» الذي هوّل بكشفه في وجه ميشال سليمان. وهو ما يتكتم حوله بالكامل. مع أن البعض يقدر أنه مرتبط بما يطرحه أحد مستشاري سليمان سراً وبالتفصيل، على بعض المراجع. ولم يكن ينقصه إلا السيناريو الذي يقول إنه إذا وصل «الأرثوذكسي» إلى الهيئة العامة، فقد يتنحى نبيه بري عن إدارة الجلسة. وقد يغيب مكاري الغائب. فتؤول رئاستها إلى رئيس السن النائب عبد اللطيف الزين. لكن الأخير، ومسايرة لموقف كتلته، سيعتذر أيضاً. فيعتلي ميشال عون سدة رئاسة المجلس، كما تقتضي الأصول والقوانين، رئيس سن ثانياً، ليكتمل المشهد... إذا صح ذلك، وأضاف الجنرال إلى رصيده لقب «العطوفة» القديمة، ترى كم سطراً سيحتاج عباس هاشم بعدها لمخاطبته؟
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه