27-04-2024 08:51 PM بتوقيت القدس المحتلة

النقاش لموقع المنار: إغتيال بن لادن .. استكمال للحراك الثوري على أرضية المؤامرة

النقاش لموقع المنار: إغتيال بن لادن .. استكمال للحراك الثوري على أرضية المؤامرة

نهاية درامية للـ "مطلوب رقم واحد" في العالم، والمشهد الأخير للفيلم الأميركي الطويل الذي بدأ منذ أحداث الحادي عشر من أيلول كان متوقعاً.


نهاية درامية للـ "مطلوب رقم واحد" في العالم، والمشهد الأخير للفيلم الأميركي الطويل الذي بدأ منذ أحداث الحادي عشر من أيلول كان متوقعاً.
فـ"هوليود" لطالما ختمت أفلامها بإنتصار خيالي للـ"خير" الأميركي على "الشر" الذي يتربص به. وبسحر ساحر أنهت الولايات المتحدة مطاردة استمرت عشرين عام في دراما مختصرة لم تدم أكثر من ساعة، وبأمر من باراك أوباما أسقط الرأس ولم تسقط القاعدة ، ودفن مع أسامة بن لادن أسرار الدعم الأميركي المطلق له لا بل وقوفها وراء إنشاء تنظيمه بهدف ضرب السوفيات في يوم من الأيام.

جرت تصفية الهدف ولف الجثمان "على الطريقة الإسلامية"، أقام عليه الأميركيون صلاة الميت، ورمي في البحر على عجل وفي جنح الظلام. بعدها خرج أوباما منتشياً بنصره السياسي ليعلن نبأ تفوقه على أسلافه كلينتون وبوش بقبضه على روح الإرهاب العالمي. ولكن الرئيس الأميركي نسي أو تناسى إعلامنا عن الأسباب التي دفعته لقتل بن لادن في حين أنّ القوات الخاصة الأميركية كان بمقدورها الإمساك به حياً طالما أنها وجدت وقتاً للتصويب على رأسه، ولكانت استفادت من المعلومات المخبأة في جعبته للقضاء على قاعدته. والمثير للدهشة هو أن القوات الأميركية الجبارة كان لديها المتسع من الوقت لتنفيذ عملية كاملة، إلا أن هذا الوقت لم يتسع لتصوير العملية فرمت على شاشات التلفزة الباكستانية صورة مفبركة لجثمان بن لادن، سرعان ما اتضح زيفها فهرولت مسرعة لسحبها.

مشهد اغتيال بن لادن أطاح إعلامياً بالأحداث الجارية في العالم العربي، على الرغم من تكامله معها، فالحدث الذي رفع أسهم أوباما بالفوز بولاية رئاسية ثانية، يرسم في الوقت نفسه خطاً من خطوط الخارطة الجديدة للمنطقة، خارطة الشرق الأوسط الجديد القائم على القضاء على "الإرهاب" من جهة، وتقسيم المنطقة العربية والإسلامية إلى كانتونات "ديموقراطية" متصالحة مع العدو الإسرائيلي من جهة أخرى.

وبعيداً عن العواطف الجياشة أجرى موقع قناة المنار لقاء مع الخبير الإستراتيجي أنيس النقاش
 للتطورات الأخيرة في المنطقة فكانت هذه القراءة.

لماذا جاء الإغتيال الأميركي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في هذه الفترة الزمنية بالذات؟

"هناك اليوم توجّهاً جديداً في أفغانستان وباكستان يرتكز على استعداد الولايات المتحدة للتحاور مع طالبان وتسليمها "كابول" بشرط أن يكون الجهاد أفغاني من أجل تحرير أفغانستان، وعندها ينسحب الأميركيون تاركين الحرية لطالبان ليتفاهموا مع الرئيس الأفغاني حميد كارزاي أو غيره، وليحكموا بلدهم كما يشاؤون، بشرط أن لا يكون الجهاد عالمياً ويقطع الحدود ليضرب في أميركا وأوروبا. ولذلك فإن رمزية اغتيال بن لادن مع القبول بجهادية الملا عمر تشكّل هذا التوجّه الجديد، فالملا عمر لم يطرح نفسه يوماً للجهاد العالمي. ويمكننا إضافة الدور التركي الذي يريد أن يفتح مكتباً لطالبان في أنقرة والدور الإستراتيجي لباكستان في أفغانستان مقابل تسليمها لأسامة بن لادن لتتضح أمامنا المعادلة الجديدة، وبذلك يكون توقيت اغتيال بن لادن مناسباً تماماً."

هذا يعني أن الأميركي كان يستطيع تصفية بن لادن في السابق وامتنع عن ذلك؟

نعم ،كان بمقدور الأميركي اغتيال بن لادن سابقاً، ولكن هذا الحدث كان ليبقى بلا مفعول، فباكستان كانت تحمي بن لادن وطالبان في السابق، أو بالحد الأدنى كانت تمتلك معلومات عن مكان وجوده، وعندما أمنت دوراً إستراتيجياً لها قامت بمساعدة الأميركي في إخراج هذا السيناريو الذي يساعده على الخروج من أفغانستان بإنجاز بدل أن يخرج ذليلاً. لأنه على ما يبدو فإن الأميركي لم يعد يمتلك مخرجاً سوى الإنسحاب من أفغانستان لأن البقاء هناك يكلفه يومياً سبعة مليارات دولار، ويفضح قدرته العسكرية كما يشكّل تهديداً له من قبل خصومه حيث أضحت أميركا كمكسر عصا هناك.

هل تعتقد أن بن لادن قتل في وقت سابق وتم تأجيل موعد الإفصاح عن ذلك حتى اليوم، خاصة في ظل الحديث عن ارتباط بين توقيت اغتياله والإنتخابات الرئاسية الأميركية؟

إذا لم يظهر الأميركيون الجثة فسيكون هناك شكوك كبيرة حول مقتله في العملية التي نفذوها، حيث هناك بعض المعلومات التي تؤكد مقتله في وقت سابق. وفي جميع الأحوال إن إغتيال بن لادن يساعد أوباما في الإنتخابات الرئاسية الأميركية ويرفع أسهم ترؤسه لولاية ثانية، إلا إذا بقي الجيش الأميركي في أفغانستان في ظل ما يسمى بـ"هجوم الربيع" الذي تقوم به طالبان. فإن استمر هذا الهجوم بنفس الحدّة سيستيقظ الشعب الأميركي من سكرات الفرح ليجد أن الوضع ما زال على ما هو عليه أما إن توقفت العمليات فسيحقق أوباما المكاسب التي يطمح إليها. ولا يمكننا أيضاً أن ننسى الأسباب الإقتصادية التي من المحتمل أن تلعب دوراً ضد أوباما وتقلّب الرأي العام الأميركي عليه خاصة إن استمر الوضع الإقتصادي للمواطن الأميركي بالتدهور.

كيف تصف الأحداث التي تجري اليوم على الساحة العربية؟

هناك نظرية أميركية تقول أن الديموقراطيات لا تتقاتل فيما بينها، ولذلك يجب نقل الديموقراطية إلى العالم العربي في محاولة للوصول إلى تسوية للقضية الفلسطينية والوصول إلى نوع من السلم بين العالم العربي والإسلامي من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. واليوم تعتبر أميركا أنه مع سقوط الأنظمة في تونس ومصر واستكمال ذلك في بعض المناطق الأخرى، ستستكمل خطتها بنقل التناقضات ما بين الشعوب العربية والغرب فتصبح أولويات وتناقضات الشعوب العربية في مكان آخر، وعلى رأسها تناقضاتها مع الإستبداد في المنطقة خاصة مع ذلك الإستبداد الذي يقتل فضلاً عن حكمه بالقوّة مثل الأنظمة في ليبيا واليمن، حيث تولّدت هناك حروب أهلية داخلية بسبب هذا الإستبداد. وبذلك يصبح التناقض الرئيسي هو بين الشعوب أنفسها أو مع حكامها. وبالتالي هناك نوع من إعادة بناء شرق أوسط جديد جغرافياً وليس سياسياً أو عسكرياً عبر إسقاط المقاومة كما كانت تقول كوندليزا رايس.

إذاً ما يحدث هو تطبيق مخطط أميركي لشرق أوسط جديد بأيدٍ عربية؟

هذا المخطط يشبه الثورة العربية الكبرى ما بعد الحرب العالمية، حين أعيد تشكيل الامبراطورية العثمانية من جديد، حيث ظهرت الأفكار القومية العربية في مواجهة القومية التركية، مما أدى إلى تولّد دول قُطرية، بعضها يريد أن يتمسك بقُطريته وبعضها يريد أن ينطلق من قُطريته لإعادة بناء الفكر القومي، كل هذا ولد تناقضات أوجدها الإستعمار، فأضعنا 50 سنة تقريباً من الصراعات الثانوية دون وجود فكر لتنمية المنطقة وتحديد من هو العدو.
واليوم هم يعيدون بناء هذه المنطقة من جديد، بحيث ينهون حقبة الصراع مع الأميركيين والغرب بقضائهم عل الإرهاب المتمثل ببن لادن وإيهام الناس بأن الإستبداد العربي هو المشكلة الأساسية وعلينا أن نسقطه. وبالتالي مسألة القضية الفلسطينية – الإسرائيلية تحل ضمن القوانين الدولية، هذا ما يحاول الغرب فعله والملفت أن هناك دول عربية ممولة لهكذا مشاريع مادياً وإعلامياً وهي خارج كل هذه المعادلة، بينما هي تمثّل في الحقيقة إستبداداً مطلقاً وملكية مطلقة، كما تمثّل نظماً فريدة من نوعها في العالم وهي الملكية الكاملة للحكم، وهي تسخر إمكاناتها في خدمة هذا المشروع.

لكن كيف تصنّف الثورات القائمة اليوم في عالمنا العربي؟

هناك انتشار لفكر مذهبي وفئوي في المنطقة، وهذه نقطة الضعف الأساسية، فنحن لسنا في حراك ثوري بناء على فكر وحدوي وتحت راية قيادة تعلم أين هي مصلحة المنطقة، بل نحن في خضم حركة ثورية ضمن الفوضى العامة التي تتحكم بها القوى الغربية وبالتالي سندخل في مرحلة اللاتوازن وخلط المفاهيم، ومحاولة إبعاد الصراع مع إسرائيل قدر الإمكان لكي تكون الصراعات في أماكن أخرى. فخريطة المنطقة كانت قائمة على أساس هويات وطنية قطرية تجمع ضمنها مكونات إتنية ومذهبية وعصبيات مختلفة، والبعض يظن أن هذا إصطناعي وأنّ إعادة التركيب واجب، ليس لإيجاد الحلول لهذه المذهبيات بل ما يحصل هو عودة إلى الوراء وعودة إلى منطق الصراعات، فالثورات التي تحصل لا توضع ضمن هوية عامة كما وضع الأوروبيون أنفسهم تحت الهوية الأوروبية، بل اننا نعيد تركبة المنطقة بناء على هويات جزئية وهنا تكمن الخطورة.
وهنا تجدر الإشارة إلى غياب تيار واحد يقود هذه الثورات، فالشعوب العربية لا تثور من أجل أن توحّد نفسها وأن تصبغ المنطقة بهوية عربية كبرى، فأنا لم أرَ أحداً يرفع مثل هذا الشعار، أفضلهم يتحدث عن نشر الديموقراطية في بلده وإحداث دور قطري لها، ولكنهم غير مدركين بأنّه مع غياب الأمن المركزي في دولهم ستصبح التناقضات التي تكلمنا عنها قابلة للتفجير كما يحصل اليوم في العراق.

هل نتحدث هنا عن الوقوع في فخ نصبه لنا الغرب؟

الثورات التي تحدث اليوم في العالم العربي هي مخطط غربي سابق، وعمل بذكاء على تطبيقه مستخدماً الواقع القائم، تماماً كما الثورة العربية الكبرى حيث استفاد الغرب وقتها من غضب الناس ولم يخلق هو هذا الغضب، بل كانت الأمبراطورية العثمانية في آخر أيامها، مفلسة إقتصادياً وسياسياً وليس لديها هدف تجمع العالم حوله، فاستفاد الغرب من ذلك وحرّض الطرفين وهو كان له دور في بعث القومية التركية والقومية العربية في الوقت نفسه ليصطدموا.
فإن أخذنا ليبيا على سبيل المثال سنجد أنها "النقطة الحامية" التي تساعد على كي الوعي العربي، فعندما يصرخ الليبي "الله أكبر" ويصلي في الساحات رافعاً الأعلام الأميركية والفرنسية لأن الغرب والقوات الأطلسية يدافعون عنه، وتصبح عملية اغتيال القذافي، بغض النظر عن سياسته، كما اغتيال اسامة بن لادن، شيئاً طبيعياً يهلل له الناس ويفرحون لحدوثه كما حدث منذ أيام عند الإعلان عن وفاة نجل القذافي وأحفاده، نعي أن هناك تبدلاً جذرياً في نظرة الشعوب العربية إلى الغرب.
الواقع هو أننا اليوم منقسمون، فالذي أيد الثوار في ليبيا أحرج عندما تدخل حلف شمال الأطلسي، وأصبح أسير موقفه، لذلك يجب أن نعترف بأن الشعب الليبي استغل ويمكننا تلخيص ما يحصل هناك بأنه "حراك ثوري على أرضية المؤامرة الكبرى". فلا نستطيع أن نقول له أنت متآمر، هو ثوري ولكنه لا يمسك بالأرضية الكبرى، ويجب اليوم أن تتدخل مصر كوسيط في ليبيا وأن توقف ما يحدث هناك وتكف اليد الغربية عن جارتها، وهنا نطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا لا يتدخل العرب بجيوشهم لكي يوقفوا القذافي عما يفعله وفي الوقت نفسه يبعدون قوات الأطلسي عن المنطقة؟

ماذا عن التعاطي مع ما يحدث في البحرين وسوريا؟

الإعلام العربي موجّه وقاعدته الأساسية هي "ممنوع المسّ بدول الخليج"، فـ 80% من الصحافة العربية سعودية، أما على صعيد الإعلام المرئي فالجزيرة تستحوذ على الرأي العام بنسبة 50% وكل هذا الإعلام يصب في نفس الخانة ولذلك لا يريد أن يتكلم عن البحرين لأن ثورة البحرين شعبية ولا سيطرة أميركية عليها كما أنها تضرب في صميم القاعدة الملكية الخلجية التي تشكل جزءاً من اللعبة. أما سوريا فهي هدف رئيسي حيث يعتبرون أن سقوط النظام في سوريا وضرب الحلقة ما بين إيران والمقاومة في لبنان وفلسطين هو جزء أساسي من المخطط الكبير، وقطر ليست بعيدة عن لعبة الإستراتيجية الطويلة الأمد، فالإستراتيجية القصيرة الأمد الأميركية هي الهجوم العسكري المباشر بعد 11 أيلول، أما الطويلة الأمد فهي إعادة تفصيل ورسم العالم العربي والإسلامي وهذا له علاقة بالأفكار والأحزاب والمؤسسات، أي تركيب التناقضات الأساسية والثانوية بشكل مختلف، وتكوين صراعات مختلفة وقطر هي التي كانت ملتزمة بهذا الموضوع تحت إشراف مؤسسات حكومية أميركية وبريطانيا، ولم يكن دعمها للمقاومة سوى بطلب أميركي وعند لحظة الصفر تحركت للإتجاه المطلوب منها لإسقاط المقاومة، ولمن يسخرون اليوم منا لرفعنا شعار "شكراً قطر" في السابق نقول أننا لم نشكر قطر بالمطلق بل شكرناها على مساهمتها بإعادة إعمار لبنان فقط ونقطة على السطر.

صفحة أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، التي كتبت المخابرات المركزية الأميركية معظم سطورها انطوت بالإعلان عن مقتله، بعد أن صنعت الولايات المتحدة الأميركية من جريمة بن لادن مبرراً لشن حربها "المقدسة" على الدول الإسلامية ابتداءً من افغانستان إلى العراق إلى الصومال إلى السودان إلى اليمن، مسخّرة النظم الديكتاتورية في الدول العربية لخدمة أهدافها ومصالحها ضد رغبة شعوبها متذرعة بحجة الحرب ضد الارهاب، وها هي اليوم تنقلب تدريجياً على حلفائها، متخلية عنهم إن لم نقل متواطئة عليهم، محاولة ابتداع شرق أوسط مفدرل، وكل ذلك في سبيل حماية وصيفها الإستراتيجي إسرائيل، الموثوق به والقادر على حماية المصالح الأميركية عند الطلب.