التفاؤل الأميركي في مستقبل المفاوضات مع إيران لا محلّ له تحت سماء الديبلوماسية الفرنسية ، هذا ما يعكسه كلام ديبلوماسي غربي شارك في مفاوضات العاصمة الكازاخستانية الماآتا
محمد بلوط - السفير
التفاؤل الأميركي في مستقبل المفاوضات مع إيران لا محلّ له تحت سماء الديبلوماسية الفرنسية ، هذا ما يعكسه كلام ديبلوماسي غربي شارك في مفاوضات العاصمة الكازاخستانية الماآتا كأحد الستة المفاوضين الذين يعرفون عن كثب، كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي. يعتقد الديبلوماسي الفرنسي أن الأخير لم يقدم شيئاً للستة يُعتدّ به، يمكن أن يوضع في خانة الرغبة بالذهاب نحو تسوية، أو الإيحاء بان الإيرانيين سيتخلون يوماً ما عن برنامجهم النووي، أو حتى يتراجعون خطوة واحدة على الطريق المؤدية نحو القنبلة النووية، تنصب إيران قوة إقليمية على الجناح الشرقي للشرق الأوسط وفي قلب الخليج العربي وآسيا الوسطى. لا يجد الديبلوماسي المفاوض تفسيراً «للتقدم» الذي يتحدث عنه الأميركيون، ذلك أن الإيرانيين لم يقدموا شيئا جديدا في الماآتا. يشرح قائلاً «في اسطنبول، كان الوضع أفضل من اليوم، كنا على عتبة صفقة لسحب اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين في المئة، والأجواء كانت إيجابية».
الديبلوماسي المتعمّق في ثنايا الملف الإيراني، شهد مرات عدة صدّ جليلي يد المفاوضة الأميركية ويندي شيرمان، ولا يعتقد أن الأميركيين، برغم ما قاله الرئيس باراك أوباما، وبعده وزير الخارجية جون كيري، مقبلون على مفاوضات مع إيران، خارج المسار النووي وحوله.
يروي الديبلوماسي الغربي «بدأنا الاجتماع بتبادل الرأي وقول جليلي بأن العقوبات تفيد إيران لأنها تسمح لها بزيادة صادراتها غير النفطية، لكنه لاحظ عناصر ايجابية في العرض الذي تقدمنا به، ثم بدأت كاثرين أشتون بتفصيل وشرح الذي تقدمنا به، ثم حملوا الأوراق التي تقدمنا بها، وقالوا سنعود مساءً، بعدها عادوا في اليوم التالي بورقة تمزج بين عروضهم وعروضنا».
بحسب الديبلوماسي، فإن الورقة الإيرانية وصلت إلى النتيجة ذاتها التي تحدث عنها جليلي: لن يتوقف التخصيب، ولن يقفلوا منشأة «فوردو» التي تعمل على التخصيب بنسبة ٢٠ في المئة ، وطلبوا كالعادة، رفع العقوبات قبل كل شيء. الأمور في النهاية لا تزال عند نقطة الصفر، ولم يتحقق أي تقدم .
في المقابل، يرى الفرنسي أنه إذا كان هناك من تقدم ما فهو «يقتصر على الأمور الشكلية، وربما كانت هناك إرادة من الطرفين لكي نتقدم». والعبارة التي استخدمها كيري لوصف المحادثات بأنها كانت «مثمرة « هي «نتيجة اتفاق بين الستة، ومجرد إخراج إعلامي لا أكثر ولا أقل، ولا علاقة لها بحقيقة أي تقدم».
وبعد عودة الإيرانيين بورقة تخلط بين عرضنا وعرضهم، سيذهب الخبراء في الثامن عشر من الشهر الحالي إلى اسطنبول، «لتوضيح عناصر بناء الثقة التي تضمنها عرضنا»، بحسب الديبلوماسي الذي يوضح «تضمن عرضنا رفع بعض العقوبات التي تخص السماح لإيران بتصدير الذهب والمعادن الثمينة، والمشتقات النفطية. والتعهد بعدم طلب أي عقوبات إضافية على إيران خلال مرحلة بناء الثقة لمدة ستة أشهر، مقابل تعهد إيران وقف التخصيب في ما يتعدى الخمسة في المئة ووقف منشأة فوردو عن العمل وتجميد المخزون النووي لليورانيوم المخصب بنسبة عشرين في المئة عند حدوده الحالية».
كيف فاوض الإيرانيون؟
«لم يخض الإيرانيون النقاش حول العرض الذي تقدمنا به، رفضوا النقاش حول نشاط طارداتهم، ثم تبيّن لنا من قراءة الورقة الإيرانية أنهم يرفعون سقف المطالب أعلى من النقاش الدائر: يريدون الاعتراف بحقهم بالتخصيب، رافضين البحث بالارتفاع المستمر لآلات التخصيب التي بلغت ١٢ ألف طاردة مركزية. كما تجاوزوا الكلام عن منشأة فوردو»، يكشف الديبلوماسي. ثم يضيف «إن رفع العقوبات في دائرة أوسع من الممكن وأبكر لا تسمح به المقايضة المطروحة من قبل الإيرانيين في الماآتا ولا طريقتهم في التفاوض، والنقطة الوحيدة التي تبناها الإيرانيون من عرضنا وادخلوها في ورقتهم كإجراء بناء ثقة، هي نقطة تجميد العقوبات على تصدير الذهب، وعودتهم إلى تصدير المشتقات النفطية»، ليستنتج «إذا بقي الإيرانيون على موقفهم، فلن نذهب بعيداً».
الإيجابي الوحيد في لقاء الماآتا، بنظر الديبلوماسي الغربي، نجاة وحدة الدول الست من أي صدع في مواجهة الإيرانيين. الصينيون والروس لم يعترضوا على مطالب الغربيين، بل دعموها، ونجحت أشتون في الحفاظ على وحدة المجموعة». أما المقاربة الغربية فشبيهة بالموقف الإيراني نفسه، التغييرات طفيفة وشكلية. العروض الغربية ارتقت من مجرّد مقايضة قطع غيار طائرات مدنية تحتاجها إيران، تقنيات تسييل الغاز، إلى مفاوضات مع قوة نووية ناشئة. يقضم الإيرانيون الموقف الغربي بفرضهم الأمر الواقع، وتحولهم تدريجياً إلى دولة نووية. الفارق مع المقاربة الغربية، وهو كبير، أن الإيراني يدفع ثمناً غالياً جداً من اقتصاده ومجتمعه تحت العقوبات، برغم الإجماع على اعتبار اكتساب القنبلة مسألة قومية.
ويقول الديبلوماسي الغربي إن «هدفنا الأول هو منع الإيرانيين من حيازة كمية كبيرة من اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين في المئة عبر آليات مركبة: إما التفاوض لسحب هذه الكميات إلى بلد ثالث لتحويلها إلى وقود نووي لمفاعل طهران التجريبي، وإما مواصلة الضغوط على الإيرانيين ليقوموا بذلك بأنفسهم. لكن لا توجد أي ضمانات إلا أن يعود الإيرانيون إلى تخصيب الكميات التي حولوها إلى قضبان صلبة لتخرج من المخزون العسكري، لطمأنة الغربيين. الإيرانيون يملكون التكنولوجيا اللازمة لذلك، لكنهم لم يقدموا على بناء المنشآت الضرورية لها، بحسب مفتشي وكالة الطاقة الدولية «.
ثم ينتقل الديبلوماسي الغربي ليشكو من أيام الماآتا التفاوضية. المفاوضات الثنائية في العاصمة الكازاخستانية لم تشمل جميع من جاؤوا إليها. الإيرانيون وحدهم حددوا الأجندة والمواعيد. التقوا بالألماني والبريطاني والروسي والصيني، وامتنعوا عن لقاء الفرنسيين الذي ينظرون إليهم بصفتهم رأس الحربة في الهجوم على المشروع النووي الإيراني، منذ ولاية الرئيس ساركوزي. الأخير كان خيّر العالم بين منع القنبلة النووية الإيرانية أو الحرب. كما أن جليلي لم يصافح ويندي شيرمان الأميركية (وهو سلوك يصدم الغربيين)، باعتبار أن الإيرانيين لا يزالون بانتظار تبلور المبادرة الأميركية للحوار معهم، لكن خارج إطار النووي، وفي مسارات متعددة تشمل سوريا والعراق والاقتصاد، وتسمح بصفقة أوسع مما تعرضه شيرمان المكلفة بالملف النووي، والتي طارت من الماآتا إلى تل أبيب مباشرة من دون المرور بواشنطن، لاطلاع إسرائيل على ما وصلت اليه المفاوضات، قبل الخارجية الأميركية.
أما لماذا يذهب الإيرانيون إلى مفاوضات مع الستة، فيما يواصلون برنامجهم النووي، غير عابئين بالعقوبات، التي حرمتهم ما كلفته ٨ في المئة من ناتجهم القومي (٤٩ مليار دولار) العام الماضي؟ جواب الديبلوماسي «لأنهم يريدون الحفاظ على عملية سياسية حية مع الغربيين ومجلس الأمن، لتجنب أي ضربة عسكرية من أي جهة إسرائيلية أو أميركية، بعد تعهد الرئيس أوباما منع إيران من امتلاك السلاح النووي بكل الوسائل. وإذا لم يكن الإيرانيون يخشون من الضربة، كما يدعون، فلما لا يوقفون المحادثات مع الستة؟».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه