22-11-2024 10:58 AM بتوقيت القدس المحتلة

زوبعة ويكيليكس .. مرحلة إنتقالية للنظام العالمي الجديد

زوبعة ويكيليكس .. مرحلة إنتقالية للنظام العالمي الجديد

كان التأسيس الرسمي لموقع "ويكيليكس" في تموز 2007. منذ ذلك الحين والموقع يخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية

من موقع حواري بين مجموعة من الناشطين على الإنترنت من أنحاء مختلفة من العالم، مدفوعين بحرصهم على حماية حقوق الإنسان ومعاناته، وصولاً إلى الحديث عن مواضيع الرعاية الصحية والتعليم والفساد في الأنظمة، حيث كان هدف هؤلاء الشبان وقف هذه الأعمال. ولتحقيق رغبتهم هذه، اختاروا وسيلة للتعبير عن ارادتهم في مواجهة الاستبداد والظلم، فكان التأسيس الرسمي لموقع "ويكيليكس" في تموز 2007. منذ ذلك الحين والموقع يخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية عبر نشره لوثائق تزوده بها مصادر يرفض الكشف عنها، لا بل يوفّر لها مبدأ حماية المصدر عبر وسائل تشفير وتكنولوجيا متطورة.

تبدأ القصة مع نشر الموقع لوثائق متعلقة بأسرار الحرب في فيتنام وهي أوراق خاصة بوزارة الحرب الأميركية "البنتاغون"، حتى هذا المستوى فإن الحصول على مستندات ونشرها منطقي، إنما المفاجأة كانت إصدار حكم قضائي من المحكمة العليا في الولايات المتحدة يبرئ الموقع! وهذا كان السبب النظري لاستمرار الموقع وتطوير حملته عبر نشر وثائق متعلقة بالإدارة الأميركية.

ورغم أن موقع ويكيليكس يضم شبكة واسعة من المحامين والناشطين، إلا أن حصر الظهور الإعلامي بالأسترالي "جوليان أسانج" يطرح أسئلة وعلامات استفهام خصوصاً وأن الموقع جرى حجبه في العديد من الدول وعلى رأسها الصين، لكنه نجح في وضع عناوين بديلة بفضل إمكانيات التشفير التي يوظفها خبراء لصالح منع حجب الموقع والتي تزامنت مع الصراع الذي جرى بين الحكومة الصينية وموقع "غوغل" للبحث عبر الانترنت.

مدير عام الـ"إستشارية للدراسات الإستراتيجية" الدكتور عماد رزق يرى أنّ هناك أهدافاً غير معلنة لنشر هذه الوثائق وهو يستشهد بوثائق نشرها الموقع العام الماضي قائلاً: "بدأ الموقع منذ أيلول 2010 بإصدار وثائق حول أفغانستان والعراق واستكملها بكل ما هو مرتبط بسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط في فترة حكم المحافظين الجدد، وإذا كان الجندي الأميركي "برادلي مانينغ" من هو قام بتسريب مئات آلاف البرقيات الدبلوماسية والوثائق السرية لصالح نشرها على موقع "ويكيليكس"، فإنّ الأهداف تبقى بين التأثر من ازدواجية الإدارة وفضائح الحروب في العراق وأفغانستان وبين الدوافع غير المعلنة وهي الأهم، بحيث لم يشكّل تسريب الوثائق تهديداً للأمن القومي الأميركي إنما شكل إحراجاً للإدارة الأميركية كما تحدثت وزارة الخارجية والعديد من الديبلوماسيين".

إذاً لم تشكّل هذه الوثائق خطراً حقيقياً على أميركا لا بل شكلت بحسب د. رزق "مدخلاً إلى مرحلة أميركية جديدة بعد قرار الخروج من العراق وخروج المحافظين الجدد من الإدارة الأميركية ومحاولة إدارة التوازنات الدولية، وما نشر من وثائق "ويكيليكس" قد صدر فعلاً في مذكرات رجالات المرحلة، من رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير إلى الرئيس الأميركي جورج بوش إلى كتاب مذكرات الرئاسة الفرنسية في ظل حكم جاك شيراك وصولاً إلى أكثر من كتاب يحتوي العديد من الوثائق وبخاصة بعد التغيير الكبير في السياسة الأميركية الخارجية، من تقرير بيكر- هاملتون حول العراق إلى وصول الديمقراطيين إلى رئاسة الإدارة الأميركية، وعلى الرغم من ذلك صنعت المادة المنشورة والمسربة في الموقع ، شهرة لمؤسس الموقع حتى وصلت قيمة العقد الموقع مع "جوليان أسانج" لكتابة سيرته الذاتية 1.5 مليون دولار وفق ما نشرته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية في مقابلة معه".

من خلال هذا السرد التاريخي للموقع الإلكتروني يمكننا طرح أسئلة أصبحت ضرورية خصوصاً وأن الإعلام في القرن الحادي والعشرين تحول إلى أداة بعد أن كان السلطة الرابعة وصاحب قرار، لأن عناصر التحرير والكتابة والتوثيق والتحليل والمعالجة قد اختصرتها تكنولوجيا عصرنا، بحيث أصبح تسريب المعلومات مصدر اهتمام وتقدير، بينما العمل المهني والإحترافي في الوصول واستخدام المعلومات يشكل ملحقاً للموقع الإلكتروني والثورة التكنولوجية العابرة للحدود والأنظمة والخصوصية الفردية والقومية والإجتماعية.

هذه الزوبعة التي أطلقت صدمة في المجتمعات الديبلوماسية والسياسية والإقتصادية تطرح السؤال حول مستقبل الصحافة الصفراء، وأي كيانات سياسية تحكم العالم، وهل صحيح أن المسؤولية عند السياسيين والواجب عند الصحافيين يسمح بإبتكار أزمات وصراعات تحت عنوان الحرية الإعلامية؟

وفي هذا السياق يؤكد د. رزق أنّ "موقع "ويكيليكس" قد أنتج صدمة إعلامية، لكنه كشف أنّ العمل الأمني المدروس يختلف عن العمل الصحافي المهني والإعلام وبطبيعة الحال عن كل مبادئ الصحافة الإستقصائية، كما أن السياسة قد استفادت من الإعلام من خلال تعميم هذه الوثائق على معظم وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بحيث شكلت قناةCNN  الأميركية، الخطوة نحو عولمة الإعلام وبالتالي تحوله إلى أداة في خدمة استراتيجيات الدول الكبرى، بحيث استطاعت وسائل الاعلام تحويل الوثائق الديبلوماسية إلى وسيلة صراع على السلطة".

ويتساءل د. رزق "هل كشف نية العدو الإسرائيلي شن حرب واسعة على محيطه من خلال الوثائق يشكل مفاجأة أو موقفاً غير معروف؟ وهل ما ذكرته الوثائق عن تآمر بعض اللبنانيين على المقاومة أثناء عدوان تموز وبعده لم تكن قيادة المقاومة على دراية به؟ كما أن نشر خبر صفع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من قبل قائد الحرس الثوري هو مادة إعلامية أم أنه يأتي في إطار الرغبة الأميركية في الإطاحة بهيبة إيران لبسط سلطتها الكاملة وتوزيع نفوذها في المنطقة؟ وهل يعتبر عدم التعاون الأميركي مع شرطة دبي لكشف قتلة القيادي في حماس محمود المبحوح شيئاً جديداً على مواقف الولايات المتحدة؟ في المقابل، هل شكلت تسريبات "ويكيليكس" الإعلامية مادة تحضيرية لثورة الياسمين في تونس، حين وصفت الوثائق محيط بن علي بأنه أشبه بالمافيا وعالم الفساد؟ وصولاً إلى انتقاد أميركا في الوثائق للجيش المصري وقائده والحديث عن استياء العسكريين المصريين من خطط مبارك لتوريث ابنه جمال وكشفهم في الوثائق اعتبار الرئيس المصري حسني مبارك الأخوان المسلمين التحدي الاكبر للسلطة، وما علاقته بما يدور اليوم من حراك في مصر ضد النظام".

في ضوء كل هذه الوقائع، هل أضاف الموقع أي شيء إلى رسالة الإعلامي وإلى وسائل الإعلام أم أنّه غيّر دور الإعلام، وإلى أي مدى أصبح الإعلام مسيّراً لوثائق موقع الكتروني وغير مخير في البحث عن الحقيقة؟ والسؤال الأهم للإعلام يبقى، ما هو الدور المطلوب من هذا الموقع على صعيد العلاقات الدولية بين الدول والأنظمة؟ وهل يجوز التعاون بين مصادر المعلومات التي تغذيها أجهزة أمنية دولية أو الصراعات المالية من جهة والإعلام الباحث عن الصدقية والاحتراف من جهة أخرى، هذا الاحتراف المهني البعيد عن الإبتزاز السياسي والتبعية المالية.

مما لا شك فيه هو صحّة ما ورد في هذه الوثائق، ولكن أحداً لم يلحظ أن الوثائق المكشوفة طالت مناطق الصراعات والتجاذبات ولم تقدّم حقيقة أي معلومات ذات أهمية تذكر عن الدول التي تعتبر مركزاً لصناعة القرار العالمي، لتبقى زوبعة "ويكيليكس" في المشهد الإعلامي المحلي والدولي مرحلة إنتقالية في حقبة إعادة صياغة النظام العالمي الجديد.