07-11-2024 11:47 PM بتوقيت القدس المحتلة

القبيّات تُسقِط تيار المستـقبل

القبيّات تُسقِط تيار المستـقبل

هادي حبيش على درج قلم اقتراع الضهر في القبيات، وزوجته في الداخل. شقيقه زياد في قلم الغربية، والنائب السابق مخايل الضاهر يتهم زوجة زياد بالتجوال على سائر الأقلام

 

غسان سعود - الاخبار


هادي حبيش على درج قلم اقتراع الضهر في القبيات، وزوجته في الداخل. شقيقه زياد في قلم الغربية، والنائب السابق مخايل الضاهر يتهم زوجة زياد بالتجوال على سائر الأقلام، وهي ضابط في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. أما والدهما النائب السابق فوزي حبيش، فينتظر النتائج في منزله والمسبحة في يده، وكله أمل بأن يدبك الليلة. إلا أن القبيات أسقطت تيار المستقبل. وعلى الرئيس سعد الحريري التفكير عشية الانتخابات بمبرر يقنع حلفاءه بإعطائه مقعداً مارونياً لمن لا يحظى بتأييد قلم اقتراعه حتى، فكيف الحال مع طائفته؟

فات عضو كتلة المستقبل النيابية، هادي حبيش، أن من يقع يكثر سلاخوه. حوّل الرجل صداقاته الشخصية إلى عداوات، وما كاد يفتح عينيه على صداقاته الحزبية حتى رآها تتربص بمقعده النيابيّ، من باب الانتخابات البلدية في بلدته القبيات: مسؤول القوات في عكار يشتهي هذا الكرسيّ المارونيّ اليتيم. ومسؤول الكتائب السابق أحق من حبيش بهذا الكرسيّ بكثير. وهي فرصة يتخلص بموجبها من طموح منسق التيار الوطني الحر السابق في عكار جيمي جبور، كما المرشح السابق إلى الانتخابات النيابية جوزف مخايل والنائب السابق مخايل الضاهر، من خصم قوي. ولم يرافقه إلى نهايته السياسية إلا شباب القوات المقربون عائلياً من المرشحين إلى الانتخابات البلدية على اللائحة التي يدعمها سعادته. وهؤلاء هم ذاتهم الذين شجعهم قبل 8 سنوات على الانضواء في القوات والقبض على قرارها القبياتيّ.

مكحلاً عينيه بساعات السهر الطويلة، شمّر عضو كتلة المستقبل عن ساعديه، وجلس عند درج مركز الاقتراع في منطقة الضهر في القبيات يقاتل في سبيل مستقبله السياسيّ. فعل ما لم يفعله نائب من قبل، أخذ يستوقف الناخبين ليطلب منهم ـــ في أكثر الأوصاف تلطيفاً ـــ انتخاب لائحته. ومن سابعة الصباح حتى سابعة المساء، لم يغادر نقطته إلا بضع دقائق؛ حتى الغداء تناوله واقفاً هذا الأحد. ظنه أحد الناخبين «فالي باركينغ» حين هرع إلى سيارته فور توقفه ليفتح له الباب. وظنّه ناخب آخر مسعفاً، إذ حمله وعكازيه ليعجل وصوله إلى الصندوق. وظنه ثالث شيخ طريقة حين سمعه ينادي «الله يخليك يا عم، الله يخليلنا ياك (...)». وفي سرّها ضحكت ماكينة خصومه كثيراً أثناء تقليدها نائب بلدتهم يصافح أحد المغتربين المنقطعين عن زيارة القبيات منذ أكثر من عقدين، فيمسك كفه ويسأله أن يذكّره باسمه لأنه على «راس لساني»، مدّعياً حين يعلمه المغترب الذي لم يلتقه من قبل بهويته أنه يعرفه جيداً. لم يعر نظرات الرجل الذي طرد ابنه من وظيفته في إحدى الجامعات الخاصة لرفضه الامتثال لأوامر الإدارة بانتخاب اللائحة الحبيشية اهتماماً، ولا أسر العناصر في قوى الأمن الداخلي الذين أعلم النائب السابق مخايل الضاهر وزير الداخلية بالتهديد الذي وصلهم «في حال عدم انتخاب أسرهم لائحة حبيش».

«في داخل كل نائب ميشال مر صغير» يقول أحد الشبان، فيما يذكّر آخر بأن «قطع الأرزاق من قطع الأعناق». جلس وهو «نائب عن الأمة» عند درج مركز الاقتراع، يؤيد جزءاً من بلدته ضد الجزء الآخر، يحرّض جزءاً من بلدته على الجزء الآخر، ويتزعم نزاعاً شخصياً مع نصف بلدته. يستفيد في رهانه على حياء المواطنين من قلّة... خجله. يقترب ممن يعرفهم وممن لا يعرفهم، من معه ومن ضده، ليذكّرهم بأن هذا قلم اقتراعه، والناخبون فيه أسرته وجيرانه ممن لا يمكن أن يطعنوه. وبين ترحيب وتوديع، اتصال سريع بناخب تأخر أو صبية وعدته بأن تنتخبه. اتصل بمن يعرفه عشر مرات وبمن لا يعرفه عشرين: «لا تتركوني، أنا اليوم أحتاج إليكم» كان يقول. ويؤكد أحد الكتائبيين أنه واظب على مهاتفة الرئيس أمين الجميل ليطلب منه وقف الدعم الكتائبيّ «المحليّ» للائحة الأخرى، حتى فكر رئيس الكتائب جدياً بإقفال هاتفه.

أعطى تيار المستقبل سياسياً وإعلامياً، كما خدماتياً وإنمائياً، نائبه العكاريّ ما لم يعطه لنائب آخر: في وزارة التربية لا يُرد لحبيش طلب، في وزارة الداخلية يظن من يتابع المناقلات أنه المدير العام لقوى الأمن الداخلي، في مصارف المستقبل وشركات حلفائه وحتى في بلدية بيروت الحصة المارونية ملك حبيش. وفي ظن المستقبل أن النائب العكاري حصانه المارونيّ الذي يلوح المستقبل بصورته كلما اتهمه أحد بعدم تمثيله شيئاً مارونياً. وفي لحظة نشوته السياسية والشعبية، اعتقد حبيش أن في وسعه تحويل الأحزاب الحليفة له مثل الكتائب والقوات إلى مجرد موظفين في ماكينته، و«لبط» أقرب المقربين إليه في حال رفضهم الالتزام بحذافير برنامج عمله، مثل رئيس بلدية القبيات عبدو عبدو الذي يتهم حبيش بفرط البلدية لرفضه الامتثال دون نقاش لأوامره. ولم يلبث حبيش، بعد اتهامه بالتوسط في بيع أراضي بلدته لجيرانها، أن تجاهل علاقة بلدته الوطيدة بالجيش عبر وصفه بالأرعن.

إلا أن ردة الفعل كانت عاصفة: خرج من حزب الكتائب شاب، يدعى شادي معربس، يقول إن من انتخبناه قبل ثلاثة أعوام رئيساً للبلدية لا يمكن أن يغدو «جنساً عاطلاً» بمجرد أن يقرر هادي حبيش ذلك. وخرجت من القوات أصوات كثيرة تقول إن المؤتمرين بأوامر حبيش لا يمثلون ماضينا ولا حاضرنا. وتذكر كثيرون أنهم لا يباعون ولا يشترون. وفي مركز اقتراع «الضهر» أمس، كان ثمة شابان يستوقفان المقترعين: أحدهما نائب ابن نائب؛ والده كان نائباً لأن ضابطاً في الاستخبارات السورية قرر «التمريك» على النائب السابق مخايل الضاهر، وهو اختير للنيابة لأن الحريري قرر بدوره «التمريك» على الضاهر. والآخر يدعى جيمي جبور؛ قلّة قليلة ممن يعرفونه ناشطاً في التيار الوطني الحر يعلمون ابن من هو وماذا يفعل والده. لكنهم يعلمون أن نشاطه واندفاعه وليس أي شيء آخر جعلاه مسؤولاً عن التيار في منطقته. وفعلياً، خيرت القبيات بين مبايعة زعامتها من يقطع عليها درج الاقتراع، متوسلاً أن تنتخبه أو إعادة الزعامة لمن يجلس في صالونه، رافضاً احتساب أصوات القبيات على الورقة والقلم كأنهم مجرد أرقام. وسؤال القبيات الرسمي من يشبهها أكثر: «عنتريات» زياد حبيش (شقيق هادي) أم تهذيب جوزف مخايل وأناقته؟

مر الوقت طويلاً على هادي حبيش. سرّه أن نحو خمسين مقترعاً لخصومه يعيشون في سوريا لم يتمكنوا من المجيء، وسره أن «أخطاء» في الأسماء على قوائم الشطب حالت دون انتخاب خمسين آخرين. وكان يرى تشتت ماكينة الخصم بين مكوناتها الستة (التيار الوطني الحر، حزب الكتائب، «الحركة التصحيحية» في القوات اللبنانية، النائب السابق مخايل الضاهر، المرشح السابق إلى الانتخابات النيابية جوزف مخايل ورئيس البلدية المستقيلة عبدو عبدو)، مقابل وحدة ماكينته وقوات القبيات اللبنانية، علماً بأن مسؤول القوات في عكار بادر إلى العودة فوراً إلى بيروت إثر اقتراعه وأسرته. كان بإمكان حبيش أن يرى سيارات الخصم تحتشد حول مركز الاقتراع، والهواتف تربط المندوبين بغرفة عمليات لم يسبق للتيار الوطني الحر أن أدار أفضل منها. وبدل اعترافه بأنه أخطأ الحسابات، فكتّل أهالي قريته ضده، آثر الانحدار أكثر فأكثر صوب الهاوية الشعبية، متهماً حزب الله بالتدخل في القبيات، جاعلاً هزيمته نصراً لحزب الله. وفي ظل استغراب كثير من أهالي القبيات هذه الاتهامات، التي يعرف حبيش قبل غيره أنها لن تؤثر على صوت انتخابيّ واحد داخل القبيات، تساءل هؤلاء عن نيات ممثلهم في المجلس النيابي وغايته من إعلام السلفيين المحيطين بالبلدة وجيرانها الحانقين على حزب الله أن الحزب يقيم شبكة اتصالات وسطهم وأن أكبر البلدات المسيحية في الشمال تأتمر بأوامر حزب الله، معيداً سيناريو زميله النائب خالد ضاهر في تهديد القبيات وترهيبها إثر مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد. وقد أثرت تصاريح حبيش غير المجدية انتخابياً هذه تأثيراً سلبياً عليه، بينما وقف النائب السابق مخايل الضاهر في صالون منزله يردد: «حزب الله هازم إسرائيل يشرّفنا، لكن له معاركه ولنا معاركنا».

والنتيجة الحتمية لكل ما سبق: مغادرة المندوب الثابت عند درج قلم الضهر من مركز اقتراع أسرته وجيرانه والأقربين قبيل انتهاء الفرز، فور تيقّنه من أن الماروني الأول في مدينة تيار المستقبل خسر أهله في القبيات، مدركاً أن الخسارة ليست خسارته ومندوبيه في حزب القوات اللبنانية فقط، إنما خسارة تياره السياسيّ. فالقبيات، كما أكد كثيرون في اليوم الانتخابي، تحب هادي وتعلم أنه غير والده وحتى شقيقه، لكنها ضد خياراته السياسية التي ترجمت هفوات لا تحصى. أما في الجهة الأخرى، فربح عبدو عبدو معركة كرامته. وربح حزب الكتائب إثباتاً إضافياً بأن تيار المستقبل، كما يقول التيار الوطني الحر، لا يتمتع بتمثيل مسيحيّ يخوله تسمية ثلث النواب المسيحيين. كان «الشيخ مخايل» يضحك مساء أمس كما لم يفعل منذ سنوات، فيما يتحدث جوزف مخايل عن حرية القبيات بشغفه المعتاد، ويحتفل شباب التيار الوطني الحر بـ«عكارنا» في معركة أتقن جبور إدارتها. ورغم غياب المسؤولين في القوات عن الاحتفالات، حضرت ملائكتهم. وليس بعيداً عن هؤلاء جميعاً، كان بعض الشبان يشربون قرب المركز السابق للاستخبارات السورية في القبيات نخب إقفال أحد بيوتاتها السياسية.

الفارق 750 صوتاً

شهدت انتخابات بلدية القبيات في قضاء عكار معركة سياسية بامتياز، فازت على أثرها لائحة «أرضي هويتي» المدعومة من التيار الوطني الحر وحزب الكتائب والنائب السابق مخايل الضاهر على لائحة «القبيات بالقلب» المدعومة من النائب هادي حبيش وحزب القوات، بفارق أكثر من 750 صوتاً. وقد تفوّقت اللائحة الفائزة على منافستها في مراكز الاقتراع السبعة، ومن بينها مركز حارة الضهر، خزان حبيش الرئيسي. وفي بلدة البيرة العكارية، أتت النتائج متقاربة جداً بين لائحة «البيرة أولاً» التي يرأسها جمال مرعب، المدعومة من نائب تيار المستقبل خالد ضاهر والأمين العام للتيار أحمد الحريري، وبين لائحة «قرار البيرة»، برئاسة رئيس البلدية السابق محمد وهبة.

وحتى ساعات الفجر الأولى، كانت النتائج متضاربة بعد إعادة فرز أحد الصناديق مرات عدة. لكنْ تأكد فوز لائحة وهبة بـ 6 مقاعد، فيما قالت مصادر في سرايا حلبا إن هذه اللائحة حصلت على 9 مقاعد من أصل 15.

وفي بلدة رمّاح القريبة من البيرة، فاز العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، حنا المقدسي، برئاسة البلدية المستحدثة، بعد انتخابات قاطعتها الأقلية العلوية (زهاء 30% من الناخبين) بعد رفض المقدسي، والقيّمين على تشكيل اللائحة، ترك مقعد نائب الرئيس للعلويين. وترشح 10 مرشحين لملء تسعة مقاعد شاغرة، فازت بها لائحة المقدسي المبنية من العائلات الأرثوذكسية في القرية.

ومن عكار الى المتن الشمالي، حيث اختبرت بلدة حملايا، مسقط رأس الكاردينال بشارة الراعي، الانتخابات البلدية للمرة الأولى. أظهرت النتائج فوز «حملايا الغد» برئاسة شهيد الريّس بكامل أعضائها على لائحة «إنماء حملايا» التي ضمت أربعة مرشحين من آل الريس والراعي. وكان ابن شقيق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي جان كلود الراعي، قد أعلن أمس انسحابه من المعركة قائلاً: «أقف اليوم متأملاً ما خسرناه في هذا الاستحقاق البلدي الأول من فرصة للتلاقي والوفاق والمشاركة والتعاون لبناء محطة انطلاق لغد من الأيام الحلوة السعيدة».

وفي بعبدا، ارتدت الانتخابات البلدية في بلدة قرنايل الطابع التوافقي، وفازت لائحة التوافق الأهلي بالمقاعد الأحد عشر من أصل اثني عشر، فيما سجل خرق للمرشح المستقل علاء الأعور بعدما فشلت لجنة أهالي قرنايل في سحب المرشحين المستقلين الأربعة. أما مرشح اللائحة الخاسر فكان ابن شقيقة النائب فادي الأعور، فرج الأعور.

من جهة أخرى، اتخذت انتخابات بلدية الكحالة في عاليه منحى عائلياً مع انقسام كل التيارات السياسية في البلدة. وفازت اللائحة التي يرأسها رئيس البلدية السابق جورج بجاني باثني عشر مقعداً، فيما خرقت اللائحة المنافسة التي يرأسها جهاد بجاني بثلاثة مقاعد.

وفي مزرعة الشوف، فازت لائحة الحزب الاشتراكي التي يترأسها مروان ذبيان كاملة بالمقاعد الخمسة عشر على لائحة المستقلين المدعومة من التيار الوطني الحر واشتراكيين سابقين غير المكتملة، والمؤلفة من سبعة مرشحين.
أما في بلدة الدبية الشوفية، فقد فازت لائحة «الكرامة والقرار الحر» المدعومة من التيار الوطني الحر برئاسة رئيس البلدية السابق جورج البستاني بالمقاعد الاثني عشر بنتيجة 505 أصوات، مقابل 228 صوتاً للائحة المدعومة من تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي والنائب دوري شمعون.

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه