تبرز لبنانياً ظاهرة أحمد الأسير كـ «حدث» إعلامي وليس بعيدا ما حصل مع قناة "الجديد" التي اعتذرت عن «كلّ ما تلفظ به ضيفها الذي لم يحترم أصول الضيافة ولم يراع مشاعر اللبنانيين على مختلف طوائفهم..
يمكن تصنيف التعاطي الإعلامي العربي مع حركات الإسلام السياسي، ضمن مسارات متوازية زمنيّاً، متضاربة من حيث الطروحات. تطغى على المسار الأول محاولات شيطنة الإسلاميين، بموازاة مدّ الإسلام السياسي بعد «الربيع العربي».
صهيب عنجريني كتب في جريدة السفير :
وتضطلع بهذا الدور وسائل الإعلام الرسميّة في الدول التي تخوض أنظمتها حروباً مع الإسلاميين، سواء كانت تلك الحروب عسكريّة/ إعلاميّة معلنة كما في سوريا، أم استخباراتيّة/ إعلاميّة غير معلنة، كما في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتعتمد وسائل الإعلام الرسمية في معاركها تلك، لغة متحجّرة، وخطاباً أجوف يجافي الاحترافية المهنية، ويخلق قطيعة مع المتلقي. فتلك الوسائل لم تفلح في كسب ثقة الشارع العربي طوال عقود، نتيجة تبعيتها المطلقة للأنظمة الحاكمة. وترسخت في الأذهان فكرة مفادها أنّ الإعلام الرسميّ، «يكذب حتى في النشرة الجوية»، بحسب تعبير الأديب السوري الراحل ممدوح عدوان.
على المسار الثاني تجهد «وسائل إعلام الإسلام السياسي» في قلب الصورة، عبر تقديم الإسلاميين بصورة «ملائكيّة»، فهم «مضطهدون سياسياً، وضحايا للتشويه الإعلامي». والمفارقة هنا أنّ هذا الخطاب يحظى بقبول أوسع من خطاب الشيطنة. وتتضافر لإنجاح ذلك عوامل عديدة، أهمّها استخدام الدين طُعماً. عشرات الفضائيات الإسلاميّة غزت الفضاء العربي، وراحت تلعب على وتر الدين، لبثّ خطابٍ تهييجيّ تعبويّ. اللافت هنا، أنّ مثقفين ومنظرين وإعلاميين وسياسيين كثراً، وقعوا تحت تأثير تلك البروباغندا، فارتفعت نداءاتهم بضرورة منح الإسلاميين فرصتهم.
للجزيرة دور كبير ..:
تندرج ضمن المسار الثالث فضائيات إخباريّة محترفة، يتبنّى جزء منها خطّ الإسلام السياسي، في حين يجهد الثاني لتحليل الظاهرة وأبعادها. جهود المحطّات المتبنية للمدّ الإسلامي، ليست وليدة العامين الماضيين فقط. إذ أنتجت شبكة «الجزيرة» على سبيل المثال، سلسلة وثائقيّة ضخمة بعنوان «الإسلاميون ـ الإسلام والسياسة»، تألَّفت من 18 جزءاً (بين تشرين الأول 2009 وآذار 2010). ومنذ انطلاق «الربيع العربي»، خصصت «الجزيرة» مساحة كبيرة لحركات الإسلام السياسي. على سبيل المثال، وفي حلقة من برنامج «تحت المجهر» بعنوان «الإخوان ومبارك»، يختتم رفيق حبيب (وكان يشغل وقتَها منصب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة/ الإخوان) الحوار بالقول معلقاً على سقوط مبارك: «المشهد الختامي أثبت أن كل ما هو مبني على أساس تأييد شعبي، يستمر».
كأنّ «الجزيرة» تحاول القول إنّ الثورة المصريّة كانت مجرّد فصل من فصول الصراع بين الإخوان ومبارك؟ القناة القطريّة بثّت مؤخراً وثائقياً بعنوان «اقتلوه بصمت»، ويتناول محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في العام 1997. فلماذا تذكّرت بعد كلّ تلك السنوات أن تتناول الحادثة؟ .
في مقالٍ نشره موقع «الجزيرة.نت» في أيار من العام 2012، نجد تلخيصاً للرؤيا التي تتبناها الشبكة عن واقع الإسلام السياسي في ظلّ «الربيع العربي». ويقول الكاتب: «استهدفت الحركات الإسلامية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى إعادة الخلافة، وتصارعت مع المشروع القومي العربي الاشتراكي، وجاء الربيع العربي ليؤكد وصول المشروع القومي العربي إلى طريق مسدود بعد أن فشل في إقامة النهضة، وليؤكد تجذر الإسلام في كيان الأمة. لذلك فإن المطلوب من الأحزاب الإسلامية في تونس ومصر أن تجعل الإسلام مرجعيّة الحكم، في كل شؤون المجتمع الاقتصادية والثقافية والتربوية والفكرية... إلخ؛ لأنّ هذا سيحدث تطابقاً بين الأمة والدولة، ويضعنا على سكة النهضة والحضارة، ويقلل احتمال الفشل».
"الميادين" دور محايد :
قناة «الميادين»، تناولت بدورها ملفَّ الإسلام السياسي، فأنتجت على سبيل المثال وثائقياً بعنوان «الإخوان المسلمون من الدعوة إلى الدولة»، تناول مسيرة الحركة منذ نشأتها، بطريقة أقرب إلى الحياد. وسأل الشريط عن حقيقة قوة الإخوان في الشارع المصري، وعددهم. وتضاربت الإجابات بين من حدد عدد الإخوان بـ 500 ألف، ومن ذهب حدّ القول إنّهم يبلغون 15 مليوناً.
ظاهرة الأسير لبنانياً :
تبرز لبنانياً ظاهرة أحمد الأسير كـ «حدث» إعلامي شبه يومي. وليس بعيداً عن الذاكرة ما حصل بعدما أطلَّ الأسير عبر قناة «الجديد»، في مقابلته الأولى الشهيرة. يومها اعتذرت القناة عن «كلّ ما تلفظ به ضيفها الذي لم يحترم أصول الضيافة ولم يراع مشاعر اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم روطوائفهم، وسمح للسانه أن يهين ويشتم ويتوعد بسهر الليالي وأرق المجتمع».
لكنّ الأسير يجد دوماً منابر إعلامية تحتفي به. ففي شهر كانون الثاني الماضي، عرضت قناتا «روتانا خليجية» ضمن برنامج «لقاء الجمعة» تقريراً يصف الأسير بأنّه «مصلح اجتماعي». وفي الحلقة ذاتها يشتكي الأسير من «تجاهل الإعلام له»، ويؤكدُ أن ذلك جزءٌ من «الحرب على الإسلام»، ثمّ يبشر بقرب إنشاء قناة فضائيَّة خاصة بـ«الحركة الأسيرية». ثمة مفارقة تستحقّ التوقف عندها، وتتجلى بتكرار عبارة «الإعلام يشوه صورة الإسلاميين» على لسان عدد من شخصيات الإسلام السياسي، فقد قالها أحمد الأسير في كانون الثاني 2013، ومحمد الظواهري في أيار 2012، ومحمد مرسي في نيسان 2012، وحازم أبو إسماعيل في كانون الأول 2011.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه(مع بعض التصرف)