الجزء الأول من التحقيق يطرح أهم ما في كتاب "الإبراء المستحيل" لتكتل التغيير والإصلاح في لبنان. وصفه خبراء أنه وثيقة تاريخية ورأى الخبير حسن مقلد انه ينقصه الاستقراء والنائب كنعان يوضح ماأثير من سلبيات
وُصف كتاب "الإبراء المستحيل" أنه ضوء في نفق الفساد المالي والإداري في حكومات لبنانية متعاقبة، إذ إنه يلقي الضّوء على التّنامي الواسع لحجم الدّين العام خلال الفترة الممتدّة من 31/10/1992 ولغاية 30/9/2011. هذا التّنامي الذي يتحمّله المواطنون اللبنانيون من خلال تأدية خدمة الدّين العام دون أن يكونوا على بيّنة من أسس إدارة هذا الدّين العام والموجب الأساسي للاستدانة ومدى مراعاة مصالح المواطنين أو عدم مراعاتها لأسباب لا نعرفها.
إنّ عدم تدوين سلفات الخزينة وضمّ بيان بوضعية هذه السلفات إلى مشروع قانون قطع الحساب يؤدي إلى عدم إظهار الوضع المالي الحقيقي للدولة. ما يطرح السؤال عن الأسس والمعايير التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة لوضع خططها المالية والمستقبلية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على حدّ سواء. كما تضمّن كتاب "الإبراء المستحيل" حقائق مالية تشكّل مخالفات للقانون المالي للدولة والتي تعد بمثابة إخبار أمام الهيئات القضائية المختصة وأمام المواطنين اللبنانيين. فلا بدّ أساساً من أعمال المساءلة ومحاسبة من أساء إدارة المال العام أو هدره... أو تحميل الأجيال القادمة ديوناً لم يستفيدوا أساساً منها.
مقلد: مقاربة تاريخية تؤسس لثقافة المحاسبة في لبنان
ورغم أهمية ما يبينه كتاب "الإبراء المستحيل" فقد نُقد الكتاب من أكثر من جهة سياسية واقتصادية، حاولت فئات من الجهة الأولى جرح مصدقية المعلومات والوثائق فيه، بينما حاولت الثانية أن تكون موضوعية في النقد، فطرحت إيجابيات وسلبيات حملها الكتاب. بدورنا نحاول أن نقيم الكتاب ما له وما عليه في الطرح الإعلامي لهذه القضية، لذا زار موقع المنار الالكتروني المحلل والخبير الاقتصادي حسن مقلد، الذي استقبلنا في مكتبه في منطقة الطيونة. مقلد بدوره حاول جاهداً أن يكون منصفاً في آرائه فبدأ بالإيجابيات. وقال إنه من الإيجابية الكبيرة أن تقوم جهة معينة يتوثيق مجريات حدثت في المجال الاقتصادي والمالي في الحقبة الماضية من تاريخ البلد. وهذه المقاربة التي يقدمها الكتاب عمل مشروع ومهم للغاية.
وتابع مقلد : "ثانيا، الكتاب فيه كم من الوثائق المهمة والتي وُفرت لفريق التيار الوطني الحر بفضل دخولهم إلى السلطة. ولها قيمة فعلية وقانونية ورسمية ودقيقة لأنه موثقة من بيانات المجلس الصادرة عنه. وهذا على خلاف الوثائق التي كنا ننشرها في الصحف. فمثلا هذه الوثائق كشفت لنا أن المليارات المفقودة هي 11 وليست ستة كما كنا نعتقد. ولقد صوّب الكتاب بعض القضايا العامة لاسيما في الموازانة والمالية العامة للدولة هذه القضايا أجاد فيها أكثر من غيرها. وأعطى بذلك لكل الباحثين، بغض النظر عن اتجاهاتهم السياسية ومدارسهم الفكرية في الاقتصاد، مادة رسمية كي يتمكنوا من تقديم تقييم حقيقي للحقبة الماضية، وشرح ما حدث من صرف وهدر للمال العام".
ورأى الخبير حسن مقلد أن الكتاب من شأنه أن يعمل على تأسيس ثقافة الاقتصاد والمحاسبة في بلد يفتقر لهذه السياسة الحيوية، ويأمل بأن تتكرس لدى الشعب اللبناني. "وهنا لا بد من القول إن مبدأ المحاسبة بدأ من قبل التيار الوطني الحر أكثر من أي طرف أخر ولهم أسبابهم، فعندما عاد الجنرال ميشال عون من الخارج ووضع الكتاب البرتقالي تسنى لي ان أعطي رأيا لجماعة عون بأن هذا الطرح القادم أكثر ليبرالية وانفتاحاً من طرح آل الحريري وفؤاد السنيورة". وتوقف هنا الخبير مقلد منتقداً السياسة المالية لهذا الفريق بعدما أصبح في السلطة، برأيه، أنه وقع في ما وقع فيه فريق الحكومات السابقة التي يكشف الكتاب فسادها المالي والإداري. وفي هذا الرأي جدل كبير هو ليس مورد بحثنا في هذا التحقيق.
مقلد: من السلبيات وثائق مهمة لم تستقرأ وأخرى ما زالت مغيّبة ..
ولكن ماذا عن السلبيات التي يراها الخبير حسن مقلد في الكتاب؟..
أول ما يبادرنا به مقلد متأسفاً بأن هذا الجهد الوثائقي المتوفر في الكتاب كان بحاجة إلى قراءة وتحليل واستنطاق. "فما أهمية الوثيقة إذا لم يرافقها القراءة المتأنية لتتحول الأرقام إلى معلومات توثيقية حتى يمكن لنا أن نعدّها حجة على الطرف المتهم بالهدر والفساد؟... وبذلك يمكن فعلاً أن يتحول حجة قانونية ودامغة لكل من يحاول التنصل من المسؤولية.
لقد وُعدنا من قبل التيار الوطني الحر بكلام عال جداً عن أهمية الكتاب ونحن كنا ننتظر صدروه إثر هذا الترويج المكثف لهم، ولكن ما أن نشر حتى تبين أن هناك أيضا قضايا محقة عديدة، كان يفترض بالكتاب أن يدرجها ضمن طياته، ولكن لم نجد لها أثراً في باب المالية العامة والموازنة مثلا". ووصف مقلد هذا الأمر بأنه "شيء مريب، وكأن هناك مساومة سياسية حصلت حول مضمون الكتاب.. وإما ليس لديهم المعطيات التي بشرونا بها".. وبرأي مقلد أنه لو تمّ نشر هذه الوثائق فإنه لا يمكن لريا الحسن أو السنيورة أو الحريري أن يتهرب منها. و"لكن ما تمّ نشره فيه ثغرات عديدة وغير محللة برأي خبراء مما يمكن حتى لريا الحسن التي يمكن كشفها بسهولة أن تتنصل من مسؤوليتها". وهنا لفت مقلد إلى أن تاريخ بعض هذه الوثائق غير الموجودة في الكتاب تبدأ من حكومة رفيق الحريري، حيث قام من قام بتعديل القوانين بطريقة غير شرعية حول قضايا مثل الأملاك البحرية ومنطقة سوليدير وغيرها ..".
وتابع مقلد : "أشعر من خلال قراءتي للكتاب أنه أعد للطبع بطريقة مستعجلة كما نصفها بالعامية "مسلوقة"، إذا لا أعتقد أن خبراء هم من عمل عليه وأعده. إذ إنه أتى بطباعة رديئة، وكأنه من من عهد المطابع السرية، حيث كان المنع والاضطهاد يلاحق حرية النشر. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، مفترض بكتاب على هذا المستوى أن يكون قد مر على أكثر من شخص مختص ولجنة وتم التدقيق فيه وتكتب الصياغة بطريقة توصل برنامج عمل وطني ..فما معنى أنه مكتوب باللغة المحكية ؟!!.. وكان يجب أن يكون بحرف كبير ومقروء بصورة واضحة .. والوثائق ليست مرتبة مثلما يفترض بكتاب اقتصادي يتعاطى مع الأرقام .. فلو الجنرال ميشال عون قرأ الكتاب على مهل ومن كان مكلفا به أعطاه الوقت اللازم من البحث والتنقيب والتدقيق لكانوا أجلوا نشره لتحسينه .."
في الجزء الثاني من التحقيق النائب المحامي إبراهيم كنعان، عضو تكتل التغيير والإصلاح، يشرح ويوضح كل هذه الملابسات التي تحدث عنها الخبير حسن مقلد، ويكشف سر تلك "السلبيات" معلناً في خبر حصري لموقع المنار الالكتروني أن لكتاب "الإبراء المستحيل" جزء ثان...