هوغو تشافيز ليس مجرد ضابط نجح في الانقلاب على النظام السابق ليتولى السلطة، ولا هو رجل سياسي أتى ليُنفّذ برامج دول أو منظمات خارجية، بل هو حالة شكّلت منعطفاً تاريخياً شهدته أميركا الجنوبية
معمر عطوي
هوغو تشافيز ليس مجرد ضابط نجح في الانقلاب على النظام السابق ليتولى السلطة، ولا هو رجل سياسي أتى ليُنفّذ برامج دول أو منظمات خارجية، بل هو حالة شكّلت منعطفاً تاريخياً شهدته أميركا الجنوبية انعكس إيجاباً على قضايا العرب والشرق الأوسط
منذ تسلّمه السلطة في 6 كانون الأول عام 1998، أصبح هوغو رافاييل تشافيز فرياز امتداداً أساسياً لقائده وملهمه الثوري فيدل كاسترو، في جبهة واحدة ضد الإمبريالية العالمية، والتي امتدت من أميركا الجنوبية وصولاً الى إيران وسوريا وكوريا الشمالية، وفي السابق شملت العراق وليبيا واليمن. إلا أن السؤال المطروح الآن هل تستمر هذه البنية في ظل القيادة الفنزويلية الجديدة؟
من الطبيعي أن القائد البوليفاري الذي أعلن مرةً لإحدى القنوات العربية:«أنا ناصري منذ كنت عسكرياً شاباً»، قد زرع بذرة صلبة في منظومته الحاكمة، سواءً في المؤسسات الدستورية أو في قيادة الجيش والاستخبارات، بما يضمن استمرارية النهج البوليفاري. لكن استمرارية هذا النهج رهن بقدرة نائب الرئيس نيكولاس مادورو ورفاق دربه في القيادة على ملء الفراغ الذي تركه الرفيق الأعلى.
على ما يبدو _ على الأقل _ في هذه المرحلة، لن تكون علاقة فنزويلا مع الدول العربية واضحة في ظل التحولات الحالية، وخصوصاً أن التجربة الناصرية التي أُعجب بها تشافيز لم تتكرر في أي مشهد من مشاهد الدول التي شهدت ثورات ومتغيرات خلال العامين الماضيين، مثل مصر وتونس واليمن.
لعل النخبة السياسية التي تسلّمت مقاليد السلطة في البلدان الثلاثة، وبحكم تنسيقها مع دوائر القرار في الولايات المتحدة وتباين موقفها مع موقف كراكاس في العديد من الملفات، لا سيما الملف السوري والإيراني، لن تكون على علاقة وطيدة مع القيادة الفنزويلية الجديدة، إلا في حال بادر خلف تشافيز الى إعادة النظر في العلاقات الدولية على ضوء التحولات العالمية، وهذه قد تحتاج الى وقت لترسو على شط واضح.
فالقائد الشيوعي الذي اخترق الحصار وعارض الهجوم العسكري على العراق وليبيا في عهد صدام حسين ومعمر القذافي، كان مقتنعاً بأن الأولوية في نسج التحالفات هي العداء للإمبريالية الأميركية والصهيونية، بقطع النظر عن طريقة الحليف في التعاطي مع شعبه، استبداداً أو ديموقراطيةً.
هذا الاقتناع ظلّ راسخاً في وجدان الرجل حتى في الموضوع السوري، مؤيداً نظام بشار الأسد وداعماً دولته بالسياسة والسلاح والنفط (ديزل) رغم الانتقادات العنيفة لطريقة تعاطي الأخير الأمني مع شعبه.
أما على مستوى القضية الفلسطينية، فلم تكن كراكاس محرجة من استمرار تأييدها لحل الدولتين (الإسرائيلية والفلسطينية) ونبذ عمليات الاستيطان ما دام هذا الموقف بات جزءاً من سياسات دول يمينية تدور في فلك الولايات المتحدة.
لقد عمل الزعيم الراحل على ترسيخ سياسة داعمة لفلسطين. فكان سبّاقاً إبان العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008_2009 الى إعلان السفير الإسرائيلي شخصاً غير مرغوب في وجوده على الأراضي الفنزويلية، وأعلن خفض مستوى التمثيل مع تل أبيب إلى حده الأدنى. وذهب تشافيز أبعد من ذلك قائلاً «ينبغي جرّ الرئيس الإسرائيلي إلى محكمة دولية ومعه الرئيس الأميركي، لو كان لهذا العالم ضمير حي».
لكن لم تسمح ظروفه بزيارة فلسطين، مع أن نظيره الفلسطيني محمود عباس زاره في 2009 فأهداه وسام الحرية الفنزويلي من الدرجة الأولى، وكذلك سيفاً تذكارياً نسخة عن سيف سيمون بوليفار، وفتح لبلاده سفارة في فلسطين، وطلب من وزير التعليم توزيع خرائط للأراضي الفلسطينية على الطلاب ليتبيّنوا كم هي ضيقة على شعبها ومكتظة في غزة وحدها بأكثر من مليون و500 ألف نسمة.
وظهرت علاقة فنزويلا في عهد تشافيز متمحورة أكثر حول الدول «المغضوب عليها» أميركياً، والتي لها تاريخ نضالي ضد الاستعمار. لهذا زار تشافيز الجزائر 4 مرات، وأطلق اسم الأمير عبد القادر الجزائري على ساحة في كراكاس، ثم نصبوا فيها تمثالاً للأمير الثائر قبل عام، رداً على بادرة قامت بها الجزائر في 2009 حين رفعت نصباً تذكارياً في عاصمتها لسيمون بوليفار.
يبقى الملف الأهم في لائحة العلاقات الدولية لفنزويلا الملف الإيراني. فكما هو معروف أن العلاقة بين الجمهورية الاسلامية والجمهورية البوليفارية قد تخطّت الخلاف الإيديولوجي بين النظامين لتتعمق بشكل كبير ولافت على المستوى السياسي والاقتصادي. ولعل غنى البلدين بالنفط قد أفسح المجال أكثر لتعاون واسع تحت شعار «مقارعة الإمبريالية ونصرة المظلومين». تعاون أدى إلى توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية، من إقامة مصانع سيارات وشاحنات إلى اتفاقات تمكّن طهران من العمل في حقول النفط في فنزويلا التي كانت بدورها تمدّ طهران بالبنزين المكرر.
ولطالما كان الرئيس الراحل ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد يعلنان عقب كل مؤتمر صحافي مشترك أو مناسبة علاقتهما الوطيدة في وجه «الإمبريالية» ويتبادلان صفة «الأخ» في التخاطب بينهما.
وزار تشافيز إيران 13 مرة، فيما قام نجاد بزيارة فنزويلا 6 مرات، وأعلن أمس أنه قد يشارك في جنازة «أخيه» في كراكاس غداً. لقد لعبت إيران دوراً محورياً في فنزويلا وباقي دول أميركا اللاتينية التي اتجهت يساراً، فكانت الحديقة الخلفية للبيت الأبيض مجال منافسة حامية وحرب باردة بين واشنطن وطهران، بينما كانت كراكاس تحاول تعبئة الفراغ الذي سبّبته العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية.
وكان الضابط الثائر مهتماً جداً بتسوية لائقة للملف النووي الإيراني، حيث عرض في عام 2007 القيام بالوساطة للتوصل الى حل لائق، في وقت كان يحذّر فيه من أن شنّ حرب ضد حليفه الإسلامي سيسبّب ارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني قد يتجاوز معها سعر البرميل حاجز الـ200 دولار.
في أي حال، تبقى علاقات فنزويلا مع حليفاتها الحالية رهناً بقدرة النخبة الحاكمة، التي شكّلها تشافيز، على التوفيق بين الحفاظ على مصالحها في ظل الضغوط الأميركية والوفاء لمبادئ التشافيزية في محاربة الظلم والدعوة الى العدل ونصرة المظلوم.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه