إن محاولة تغلغل واشنطن في فنزويلا من خلال إيصال المعارضة الى الحكم له اهداف إقليمية وعالمية
إن محاولة تغلغل واشنطن في فنزويلا من خلال إيصال المعارضة الى الحكم له اهداف إقليمية وعالمية متمثلة بالسيطرة على النفط في فنزويلا وفضّ الإرتباط الإستراتيجي مع إيران وروسيا والصين.
مقابلة مع الباحث في إدارة الصراعات الدولية حمزة عباس جمّول.
معدّ المقابلة وائل كركي
لقد أثار هوغو تشافيز الجدل في حياته ومماته، فهذا "الجندي الثائر" كما أحبّ دائماً ان يُطلق على نفسه إستطاع وبفترة قصيرة جداً أن يعمم الفكر التشافيزي في اميركا اللاتينية. تبنّى تشافيز سياسة خارجية مناهضة للامبريالية وعلى راسها الولايات المتحدة الاميركية والكيان الغاصب، وفي الوقت ذاته سياسة داعمة لجميع قوى التحرر والممانعة في العالم، لهذا السبب كان لفنزويلا علاقات مهمة مع إيران وروسيا والصين وكانت داعمة للمقاومة في لبنان وفلسطين. أثارت وفاة هوغو تشافيز التساؤلات حول مستقبل العلاقات مع محور الامبريالية الولايات المتحدة الاميركية من جهة ومع المحور الإيراني الروسي الصيني. نطرح هذه الاسئلة على الباحث في إدارة الصراعات الدولية حمزة عباس جمّول.
لماذا أثار رحيل تشافيز كل هذه الضجة في العالم ؟
إن هوغو تشافيز لم يكن رجلاً عادياً يمر مرور الكرام في التاريخ الدولي الحديث، فمنذ بداية نضاله السياسي والإجتماعي أثار الجدل بسبب سياساته الداخلية والخارجية بالإضاقة إلى مواقفه وتصريحاته الصاخبة والنارية بوجه كل من إعتبرهم حلفاء الإمبريالية الأميريكية والصهيونية الذي صنفهم بكونهم أعداء الشعوب والفقراء. من هذا المنطلق كات تشافيز مثيرا للجدل لانه إستطاع ان يوفّق ويشكّل حالة إرتباط بين كل من السياستين الخارجية والداخلية لفنزويلا، وفي هذا المجال كانت تصريحاته بحق رؤساء الولايات المتحدة الاميركية واصفهم بالجهلة والشيطنة ومواقفه من الكيان الغاصب وتحالفاته مع إيران والصين وروسيا.
يتحدث العديد من الباحثين عن مستقبل العلاقات الاميريكية الفنزويلية من بعد هوغو تشافيز، البعض يرى ثباتا وإستمرارية في نهج تشافيز والبعض الأخر يرى تغييرا، كيف ترون هذه العلاقة من بعد تشافيز ؟
لا بد من التذكير بأن السياسة الخارجية لفنزويلا مبنية على إستراتيجية واضحة وأهداف محددة يمكن تلخيصها على الشكل التالي :
• مواجهة الإمبريالية الأميركية والصهيونية في اي مكان في العالم
• تحويل أميركا اللاتينية إلى حديقة خلفية أميركية مليئة بالأشواك والمطبات العميقة
• تعزيز التحالف والتقارب مع ايران، الصين وروسيا وفتح جبهة جديدة مع واشنطن في القارة الاميريكية
• الإعتماد على مبدأي العالمية والإقليمية في السياسة الخارجية
• استعمال الإقتصاد كوسيلة أساسية لتحقيق إشتراكية القرن الواحد والعشرين.
هذه الإستراتيجية أصبحت نهجا متغلغلا في السياسة الفنزويلية وان رحيل تشافيز لن يكون سبباً لرحيل التشافيزية. هذا هو الإنجاز الذي حققه تشافيز في مسيرته السياسية في فنزويلا، وإن تصريح نائب الرئيس مادورو باتهام واشنطن بضلوعها بوفاة تشافيز و طرد المسؤول العسكري في السفارة الاميركية في كراكاس بعد اتهامه بمحاولة الاتصال بمسؤولين عسكريين فنزويليين لاقتراح "مشاريع تزعزع استقرار" البلاد، كل هذا يدخل ضمن إطار ما اسميه إستمرار التشافيزية من بعد هوغو تشافيز . إن العلاقات الأميريكية الفنزويلية تتعدى كونها عداوة بين شخصين أو بين رؤساء، العلاقة مبنية على إستراتيجيتين مختلفتين، تشافيز يجد نفسه محارباً للإمبريالية والصهيونية والولايات المتحدة الاميريكية تجد نفسها في الحلف الآخر محاربة للفقراء والمظلومين. إن مستقبل العلاقات الاميريكية مرتبط إرتباط وثيق بنتائج الإنتخابات الرئاسية القادمة، فان فوز مادورو وريث التشافيزية سيكون بمثابة الاستمرار في نهج الرئيس الراحل ولكن من الطبيعي ان مادورو الذي لا يتمتع بنفس الكاريزما الشعبية الخاصة لهوغو تشافيز، إنه سيضيف على هذا النهح عناصر من شخصيته البراغماتية. أما فوز المعارضة المتحالفة مع واشنطن سيكون له تداعيات خطيرة قد تتمثل بعودة الإنقلابات على الساحة الفنزويلية في بلد شهد عدة إنقلابات عسكرية .
كيف ستتعامل واشنطن مع كاراكاس الجديدة ؟
إن الإدارة الأميريكية ومنذ إنشغال كاركاس بمرض الرئيس بدأت " بمغازلة " الإدارة التشافيزية عندما قامت الدبلوماسية العليا للولايات المتحدة لأمريكا اللاتينية بالاتصال بنائب شافيز نيكولا مادورو واعربت عن استعداد واشنطن لتحسين العلاقات مع فنزويلا. أعتقد أن الولايات المتحدة ستحاول في هذه المرحلة الإنتقالية وخصوصاً في فترة الإنتخابات، ستحاول الضغط الناعم على النظام الحالي وفي الوقت ذاته ستحاول تقديم كل أشكال العون والدعم للمعارضة من أجل إيصالها للحكم. فقط وبوصول المعارضة الى الحكم تستطيع واشنطن ان تتخلص من حديقتها الخلفية المليئة بالاشواك وان تُزيل كل العقبات الإجتماعية، الإقتصادية والسياسية التي وضعها شافيز في اميركا اللاتينية. إن تغلغل واشنطن في فنزويلا من خلال إيصال المعارضة الى الحكم له اهداف إقليمية وعالمية متمثلة بالسيطرة على النفط في فنزويلا، زيادة النفوذ الاميركي في اميركا اللاتينية وفض الإرتباط الإستراتيجي مع إيران وروسيا والصين.
لقد تحدثتم عن التحالف الفنزويلي الإيراني الصيني الروسي، والدعم التام للمقاومة في لبنان، كيف ستكون هذه العلاقة في المستقبل ؟
إن العلاقة بين فنزويلا من جهة وإيران، الصين وروسيا من جهة اخرى هي علاقة متينة مبنية على رؤى إقتصادية وسياسية واضحة لمستقبل العالم. تشافيز بمناهضته السياسة الأميركية ومحاربته سياسة الهيمنة والغطرسة يجد نفسه في ذات الخندق، فهو رافض لهيمنة القطب الواحد وداعم لفكرة العالم متعدد الأقطاب، ويعترف بروسيا كأحد هذه الأقطاب العالمية.أما بالنسبة للعلاقة مع إيران والصين فهناك تقارب عميق بينهما خصوصاٌ في الملفين النفطي والسياسي، هذا الامر أثار قلق واشنطن واعتبرته تهديدا لامنها القومي وتقلصا لنفوذها. تاتي مشاركة الرئيس الايراني في تشييع تشافيز كتأكيد على محورية العلاقة الثنائية وعلى ضرورة الاستمرار بهذا التحالف الاستراتيجي الايراني الفنزويلي. هذا التقارب كانت له اثار هامة على المقاومة في لبنان وفلسطين وبالاخص بعد طرد سفراء الكيان الغاصب من كاركاس بعد حرب تموز 2006 في لبنان وحرب غزة 2008- 2009 ووصفه ما جرى كونه " هولوكست جديد ".
ان العلاقة مع هذه الدول ستكون رهن نتائج الإنتخابات الرئاسية القادمة ومن الطبيعي ان الولايات المتحدة الاميريكية وبغض النظر عمن هو الفائز في الانتخابات ستحاول ان تزيد من نفوذها و تتخلص من الوجود الايراني الروسي الصيني السياسي والاقتصادي في أميركا اللاتينية وان تجعل من اميركا اللاتينية اولوية في سياستها الخارجية