في تلك الحلقة نعت تشافيز بوش بالـ«غبي والسكّير والمختلّ عقلياً والمجرم القاتل» وفي حلقات شبيهة، هاجم الرئيس إسرائيل وهتف أمام الكاميرا والحضور «اللعنة على إسرائيل الإرهابية التي تقتل الفلسطينيين
من مزرعة في إحدى البلدات الفنزويلية أو من داخل سوبرماركت في كراكاس أو من على مدرّجات ملعب رياضي أو من القصر الرئاسي، أطلّ هوغو تشافيز، طوال 13 سنة، على شعبه في برنامج أسبوعي يدعى «ألو بريزيدنتيه» Aló Presidente، أول تجربة تلفزيونية من نوعها في تاريخ الإعلام المرئي.
كتبت صباح أيوب في جريدة الأخبار :
أدرك الرئيس الفنزويلي «سحر» التلفزيون وأحبّ الناس وأراد أن يتواصل معهم بشكل دائم ومباشر. فاستبدل برودة المنابر الرسمية الثابتة بطاولة صغيرة وميكروفون متنقّل واستوديو مفتوح. أراد الرئيس أن يقول للفنزويليين: بإمكاننا أن ندير شؤون البلاد معاً... مباشرة على الهواء! وبدل أن يحلّ الرئيس ضيفاً على مذيع في مقابلة متلفزة، تحوّل تشافيز بنفسه الى الضيف والمحاور في برنامج واحد منذ عام 1999.
تحدّث في حلقاته عن كل شيء أمام جمهور حيّ وآخر وراء شاشات التلفزيون الرسمي على امتداد الوطن. استمع الى مداخلات الحاضرين وتلقّى اتصالات هاتفية من المناطق، ومرة من الرئيس فيديل كاسترو، واستقبل ضيوفاً (مثل دييغو مارادونا والممثل الهوليوودي داني غلوفر) ووضع أعضاء حكومته في مواجهة مباشرة مع أسئلة المواطنين... وأحياناً اتخذ القائد قرارات سياسية وعسكرية على الهواء.
على مدى 330 حلقة تلفزيونية، استطاع تشافيز أن يكون رئيساً ونجماً تلفزيونياً بامتياز، لتكتمل الصورة في أذهان المواطنين: هو قائد البلاد والرفيق الثوري والنجم التلفزيوني الذي ننتظره كل يوم أحد عند الساعة 11 صباحاً.
لم يغيّر القائد هندامه كما تملي قواعد الظهور التلفزيوني، ولم يكترث بالماكياج أو الديكور. بقيمص أحمر دائماً وبسترة عسكرية أحياناً، أطلّ تشافيز، في تجربة هي أقرب الى تلفزيون الواقع مما هي الى استعراض رئاسي متكلّف. قرأ أبياتاً شعرية في بعض الأحيان، وغنّى وصفّق وصافح الأطفال وضحك ومازح الحاضرين، وخطب وعلّق على الاحداث التي تجري في أميركا اللاتينية وفي العالم... قدّم الرئيس ــ النجم برنامجاً متكاملاً، ودائماً من دون مسوّدة إعداد مسبقة. برنامج الرئيس يبدأ عند الساعة 11 من قبل ظهر كل يوم أحد ولا ينتهي في وقت محدد، وأحياناً قد يستغرق سبع ساعات من البث المتواصل.
العناوين الثابتة في الحلقات تدور دائماً حول الاشتراكية ومبادئها وحب الوطن ومحاسبة المسؤولين والتعاون لبناء البلاد والتصدي للهيمنة الاميركية والتحذير من مخاطر الرأسمالية. وفي السياسة الخارجية، إدانة الإرهاب الاميركي والإسرائيلي ورفض الظلم أينما كان...
في إحدى الحلقات، يقترب الزعيم التلفزيوني مع ميكروفونه من أحد الأطفال الحاضرين، يطلب منه أن يعطيه لوح الشوكولا الذي يأكل منه، فيمدّ الطفل يده ويُطعم تشافيز من الشوكولا. يبتسم الرئيس ويقبّل يد الفتى، ويقول للجمهور: «انظروا ما أكرمه. لقد تخلّى عن لقمته وأعطاني إياها. هكذا هم أبناء بوليفار. لسنا أبناء الرأسمالية التي لا تعلّم سوى حبّ الذات والأنانية».
«يسوع المسيح اشتراكي. الأنبياء كلّهم اشتراكيون. فهم حاربوا الأغنياء من أجل الفقراء، ونحن نخوض المعركة ذاتها»، قال تشافيز في حلقة أخرى، أمام حضور حماسي.
وبين الحضور، يصطفّ عادة وزراء في حكومة تشافيز ومسؤولون عسكريون. حضورهم ليس عرضياً، فهم قد يستدعيهم في أي لحظة الرئيس كي يجيبوا عن سؤال يوجهه هو أو أحد المواطنين الحاضرين. مرّة، وقف تشافيز يحمل الميكروفون لمواطن من بلدة فنزويلية اشتكى من عدم استكمال الأشغال في كامل صفوف مدرسة القرية. وعندما أنهى المواطن مداخلته، استدعى تشافيز الوزير المعني الموجود وقال له: «أيها الوزير، ما هو جوابك؟ كيف سنحلّ المشكلة؟». وأحياناً كانت شكاوى المواطنين المتتالية تثير حنق الرئيس، فيوجّه مساءلات الى الوزراء على الهواء ويطلب منهم التحرّك فوراً.
«أشاهد البرنامج كل أسبوع، لأنها الطريقة الوحيدة لنعرف حقائق الامور. بوضوح»، يقول أحد المواطنين في تقرير للتلفزيون الرسمي من الشارع، ويضيف «لأن الرئيس يقول كل شيء، ولا يخفي عنّا أمراً».
ومن أبرز المداخلات لتشافيز في «ألو بريزيدنتيه»، والتي اتخذت صدى عالمياً، تلك التي تناول فيها جورج والكر بوش بعيد غزو العراق. في تلك الحلقة نعت تشافيز بوش بالـ«غبي والسكّير والمختلّ عقلياً والمجرم القاتل»، كما أطلق عليه تسمية «مستر دانجر» Mister Danger، وهي لشخصية من رواية للكاتب الفنزويلي رومولو غاليغوس. تشافيز لم يتردد في التهجم على رئيس الولايات المتحدة السابق واتهامه بقتل الأبرياء والاطفال في العراق، محذّراً من أن يفكّر حتى في شنّ حرب على فنزويلا.
وفي حلقات شبيهة، هاجم الرئيس إسرائيل وهتف أمام الكاميرا والحضور «اللعنة على إسرائيل... القاتلة... الإرهابية التي تقتل الفلسطينيين المحاصرين وتقطع عنهم المياه». وأردف «باراك أوباما يدين الإرهاب لكنه يرتكبه كل يوم بالسماح لإسرائيل بالقيام بأعمالها الارهابية بحق الفلسطينيين... يحيا الشعب الفلسطيني!».
ما عادت أيام الآحاد كما عهدها الفنزويليون وانتظروها بحماسة، منذ استفحال مرض الرئيس وتخلّيه عن البرنامج العزيز على قلبه وعلى قلوب المواطنين. الشاشة الفنزويلية فقدت نجماً استثنائياً. والفقراء خسروا بطل شاشتهم الصغيرة. ترى مَن سيصرخ مجدداً «تحيا فلسطين!» على الهواء اللاتيني؟.