منذ وصول باراك اوباما الى حكم البيت الأبيض اعتمد مقاربة مختلفة مع إيران، اعتمدت على القطيعة مع مصطلحات المحافظين الجدد وأساليبهم السياسية في كل ما يتعلق بالشأن الإيراني
نضال حمادة - باريس
الولايات المتحدة وإيران أفق الحرب والاتفاق
منذ وصول باراك اوباما الى حكم البيت الأبيض اعتمد مقاربة مختلفة مع إيران، اعتمدت على القطيعة مع مصطلحات المحافظين الجدد وأساليبهم السياسية في كل ما يتعلق بالشأن الإيراني، دون تغير جدي في الأهداف الأمريكية وعلى رأسها إجبار إيران على وقف برنامجها النووي، ودون أي تراجع في سياسة الحصار المفروض امريكيا وغربيا على ايران منذ أربعة عقود تقريبا.
وليس هناك شك أن سياسة القطيعة مع أساليب المحافظين الجدد وإدارة الرئيس جورج وليام بوش خلال ثماني سنوات اتت حفاظا على المصالح الأمريكية في منطقة شنت فيها الولايات المتحدة حربين في أفغانستان والعراق المحاذيتين لإيران، وشهدت فيها القوة العسكرية الأمريكية انتكاسات عسكرية وسياسية تحمل الولايات المتحدة ايران دورا كبيرا فيها. وفي وقت كانت فيه الجيوش الأمريكية تستعد لمغادرة العراق وتضع جدولا زمنيا للانسحاب من أفغانستان، اتت احداث الربيع العربي لتعيد رسم خريطة القوى والتحالفات السياسية والاستراتيجية في المنطقة والعالم مع وصول جماعة الإخوان المسلمين الى سدة الحكم في اكثر من بلد عربي بفعل الغضب الشعبي، وبالتوافق مع الجيش الذي لا يزال حليفا لأمريكا في كل من تونس ومصر.
ومن ثم أتى تدخل الغرب في ليبيا الذي أطاح بحكم القذافي مع الإطاحة بالدولة الليبية وتماسكها بينما اخذ الحدث السوري العلاقات الدولية والإقليمية الى مواجهة دبلوماسية أعادت انتاج مفاعيل الحرب الباردة وإن كان بأساليب مغايرة، اما ترجمتها العسكرية فهي حرب في سورية امتدت على مساحة الوطن وأوجدت اوضاع جيواستراتيجية جاهزة للتغير وللتفتت على اكثر من صعيد ومنطقة وبلد.
وتأتي حصيلة هذه الأحداث لا سيما الحدث السوري، لتعيد للولايات المتحدة إمكانية الفعل والمبادرة الذي فقدته بسبب حربي العراق وأفغانستان، واصبحت واشنطن التي كانت تتهم النظام في سوريا بضربها في العراق تضرب في الداخل السوري عبر المعارضات السورية المسلحة وعبر حلفائها الإقليمين من عرب واتراك، وهذا الوضع الإقليمي والسوري تحديدا عقد العلاقات الأمريكية الإيرانية المعقدة اصلا لأن سوريا بشار الأسد حليف استراتيجي لإيران، أضعفت أحداثه النفوذ الإيراني الذي يجد نفسه في موقع الدفاع في دمشق بعد ان كان في بغداد وفي كابول في موقع الهجوم.
وفي استراتيجيتها في مواجهة ايران وفي غياب البديل العسكري والسياسي تعمل الإدارة الأمريكية على إنهاك إيران اقتصاديا عبر تطبيق الحصار التجاري بكافة أوجهه، خصوصا في المجال المصرفي وتقنية التحويلات التي تتحكم بها أمريكا عالميا عبر شبكة الانترنت العالمية التي تتحكم بها واشنطن بشكل كامل، وعبر النظام المصرفي العالمي الذي يعتمد مصرفين لنظام التحويلات المصرفية أحدهما في دولة اللكسمبورغ والثاني في لندن وكلا المصرفين تحت السيطرة الأمريكية البريطانية بشكل كامل.
وقد اعتمدت واشنطن على هذا النظام في استراتيجية حصار إيران وأوقفت شركة "كلير ستريم" نظام التعامل المصرفي مع إيران، ما أوقف نظام الحوالات المصرفية من والى إيران وأثر هذا على تجارة النفط مع الدول التي تستورد النفط الإيراني، مثل الصين واليابان وكوريا والهند وذلك بعد ان أوقفت دول الاتحاد الأوروبي شراء النفط الإيراني .
كما تعمل الولايات المتحدة في المجال الصناعي والتقني على منع ايران من الحصول على التقنيات الحديثة في كل المجالات، فضلا عن مقاطعة الجامعات الغربية للطلاب الإيرانيين بكل ما يتعلق بالفيزياء. وتفرض الولايات المتحدة حصارا على ايران في كل ما يتعلق بقطع غيار الطائرات المدينة وتقنية الطائرات وبيع طائرات مدنية، وتتبع سياسة العقوبات على كل الشركات التي تتعاون مع ايران ويشرف على سياسة الحظر المصرفي بنك "غولدمان ساكس" وبنك "ليمان بروزر"، وهذا الأخير مسؤول مباشر عن معاناة اللبنانيين الاقتصادية كونه الشركة المالية التي أوكلها البنك الدولي وضع لائحة الشروط على لبنان أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري، وبناء على تك اللوائح حصلت حكومات الحريري والسنيورة على جميع القروض الدولية بما فيها باريس 1 و2 ..
سياسة الانتظار..
في 12-12-2008، بعيد فوز باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وعلى هامش ندوة في معهد العلاقات الدولية في باريس التقيت "فرنسيس فوكويام" صاحب نظرية نهاية التاريخ، الذي قال لي يومها ان باراك اوباما أتى ليحافظ على القيادة الأمريكية للعالم، وفي خطاب توليه الرئاسة امام الكونغرس تناول باراك اوباما حرب العشر سنوات التي خاضتها امريكا في أفغانستان والعراق، مشيرا الى تغير جذري في الاستراتيجية الأمريكية التي اعتمدت على الحرب وسيلة وحيدة في العلاقات الدولية خلال عهد جورج بوش الابن.
موقف أوباما هذا اعاده هذه المرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالقول، أن الاستراتيجية الأمريكية ليست محددة فقط في الحرب على "الإرهاب" وفي التدخلات العسكرية، معدد اوجه النفوذ الأمريكي في العالم بالأمن الغذائي ومكافحة التغير المناخي التي جعلها باراك اوباما أولويات لولايته الثانية، وفي كلامه عن الاستراتيجية الأمريكية حيال ايران خصوصا في قضية الملف النووي اكد كيري أن واشنطن سوف تفعل كل شيء حتى لا تحصل ايران يوما على القنبلة النووية.
اما باراك اوباما في خطابه الذي دشن به ولايته الثانية، فقد قال أنه يفضل حلا سياسيا ودبلوماسيا مع ايران، مؤكداً على قراره بعدم شن أية حرب حتى يعطي للدبلوماسية كل حظوظ النجاح، وهذا هو أساس الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الموضوع النووي الإيراني. فالولايات المتحدة ليس لديها استراتيجية حرب ضد إيران كما انها لا تملك مسارا سياسيا واضحا، وهي تتعامل مع الموضوع على طريقة المراحل، كما يقول "إيف بونيه" المدير السابق لجهاز مكافحة التجسس في فرنسا في حديث مع موقع المنار، مضيفا ان الولايات المتحدة تريد حلا سياسيا للأزمة مع استمرار اشارتها للحل العسكري عبر القول ان كل الاحتمالات موضوعة على الطاولة .
في ندوة عقدت الأسبوع الماضي في مجلس الشيوخ الفرنسي حول التحولات في الشرق الأوسط، وفي حديثه عن احتمالات التدخل العسكري الأمريكي ضد إيران، قال احد المحاضرين ان الولايات المتحدة لا تريد حربا مع ايران تخرج عن نطاق السيطرة وقد تمتد سنوات طويلة، لذلك تمنع إدارة اوباما اسرائيل من التحرك عسكريا ضد ايران. وقال المحاضر ان إسرائيل لن تخرج عن الإرادة الأمريكية في هذا المجال حتى في ضربة صغيرة ومحدودة، كما حصل في الغارة الجوية التي شنتها أخيرا بالقرب من العاصمة السورية دمشق، حيث كانت إسرائيل حريصة على عدم إغضاب أوباما وهي أخذت إذنا من الولايات المتحدة لتنفيذ هذه الغارة المحددة. وكشف المحاضر أن مسؤولا عسكريا إسرائيليا كبيرا زار واشنطن قبل الغارة حاملا معه كل المعطيات الإسرائيلية، حتى حصلت إسرائيل على إذن واشنطن بشن الغارة الجوية .
وهنا أيضا، نجد تأثيرات الربيع العربي التي لديها مفارقاتها الخاصة في الكباش الإيراني الأمريكي، رغم الوضع السوري الصعب على ايران والمحور الحليف لها، فالولايات المتحدة التي تنسق مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا و بقدر أكثر حذرا في سوريا تبدو غير مرتاحة لرؤية الشرق الأوسط يسقط في يد الإخوان المسلمين بشكل كامل وبطريقة يشعر بها الإخوان على المدى المتوسط بعدم الحاجة لواشنطن، وهذا ما يجعل خيار التوافق مع ايران مطروحا بقوة في امريكا، للإبقاء على توازن قوى في المنطقة يمكن لأمريكا من خلاله ايجاد مساحة وهامش من التحرك لدى ايران وحلفائها، ولدى جماعة الإخوان ومن خلفهم السلفيين، ويمكنها أيضا من استغلال نقاط الخلاف والتناقضات بين الطرفين في عملية تقوية نفوذها، فالحرب على ايران ليست مضمونة النتائج بالنسبة لواشنطن فضلا عن أنها سوف تصب في مصلحة انظمة الخليج وخصوصا العائلة السعودية التي تفقد شيئا فشيئا أهميتها الاستراتيجية بالنسية لواشنطن بسبب الاكتشافات النفطية الصخرية في الغرب أو ما يسمى بنفط "الشيست"، فضلا عن الحمل المعنوي والسياسي التي تتحمله واشنطن جراء دعمها للنظام السعودي ولأنظمة الخليج التي لا تقيم اي وزن للحريات، في وقت تشهد فيها المنطقة حراكا واسعا.
وهذا التفكير الأمريكي بالتحديد والذي بدا يظهر في وسائل الإعلام الغربية تخيف إرهاصاته واتساع رقعة الحديث عنه العائلة السعودية الحاكمة التي تجد نفسها في صراع خفي مع واشنطن "اوباما"، كما هي حال نتنياهو في إسرائيل وهذه الاستراتيجية الأمريكية التي لا تريد صداما عسكريا مع طهران لا تحظى برضى المملكة العربية السعودية التي تريد من امريكا ضرب ايران عسكريا وتبدي استعدادها مع باقي دول الخليج لدفع الفاتورة المالية لأية حرب تشنها امريكا ضد إيران. لكن أحداث الربيع العربي وتحديدا في مصر وما رافقها من عودة روسية الى الساحة الدولية أدت بواشنطن إلى عدم الأخذ برأي السعودية في القرارات الاستراتيجية المتعلقة بشؤون المنطقة ومصيرها، فباراك أوباما ساعد على الإطاحة بحسني مبارك رغم تمسك السعودية به وغضبها من تخلي واشنطن عنه وعن نظامه.
وهنا في ظل هذه التعقيدات ليست امريكا في وضع يسمح لها في الدخول في حرب مع ايران لا تدري متى وكيف تنتهي، كما انها ليست على استعداد لدفع ثمنها البشري بعد الخسائر البشرية في العراق وأفغانستان، فالخيار العسكري غير مطروح مع ايران وليس لديه أرضية عملية تؤكد نجاحه، والخيار السياسي ينتظر نضوج أرضية إقليمية في سوريا وربما الجوار، وما زال امامه وقتا كي يتبلور وتتضح معالمه، ومع كل هذه المفارقات يبقى الانتظار و"الستاتيكو" امرا واقعا مفروضا على الجميع على طريقة "مكره أخاك لا بطل" ..
الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية حيال إيران والمنطقة العربية 2/3