لم يعد شمال لبنان يُشبه نفسه. تحوّل محميةً أمنية لمسلّحي المعارضة السورية. قاعدة خلفية ينشطون فيها، متسلّحين بحصانة الغطاء السياسي والقضائي الذي أوجد غالباً نأياً أمنياً بالنفس
رضوان مرتضى
لم يعد شمال لبنان يُشبه نفسه. تحوّل محميةً أمنية لمسلّحي المعارضة السورية. قاعدة خلفية ينشطون فيها، متسلّحين بحصانة الغطاء السياسي والقضائي الذي أوجد غالباً نأياً أمنياً بالنفس. هكذا، يسير الشمال وعاصمته، نحو ما سيُعرف بـ«الحُرّ لاند». جزيرة أمنية بحكم ذاتي، يقودها سوريون. وشبيهٌ بما عُرف سابقاً في الجنوب والبقاع بـ«فتح لاند».
أن يستوقفك مسلّحٌ فلسطيني، فتلقائياً سيفهم المستمع أنك دخلت مخيّماً يخضع لسيطرة القوى الفلسطينية. أو ربما عاد بالذاكرة إلى مرحلة سطوة الفدائيين الفلسطينيين خلال الأحداث اللبنانية. أما أن تقول إن مسلّحاً سورياً استوقفك، لا بل منعك من المرور في بقعةٍ تقع ضمن خريطة الأراضي اللبنانية، وأن تقول إن ذلك حصل بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، لا بل تحديداً إثر اندلاع الأزمة السورية، فسيُثير ذلك تعجباً، لا يلبث أن يتحوّل إلى قلق فور أن تشير إلى أن مسلّحين سوريين استوقفاك في محلة أبي سمراء بالقرب من مجمع الأبرار خلال الشهر الجاري، وطلبا إليك تغيير وجهتك أو سلوك طريق آخر يوصلك إلى مقصدك لمجرد رؤية كاميرا بحوزتك. ولدى إلحاحك يأتيك جواب حاسم يُفهمك أنك مضطر إلى الاستجابة لدواعٍ أمنية تتعلق بهم، علماً أن المجمع يؤوي جرحى سوريين. كل ذلك سيعني أن مرحلة جديدة مقبلة تسير إليها المنطقة هناك. مرحلة يُشبّهها الأمنيون بمرحلة وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، التي عُرفت يوماً بـ«فتح لاند». وفي هذا السياق، ينطلق أحد القادة الأمنيين من فرضية القول إن الشمال يحتضن مئة ألف نازح سوري فقط. رقمٌ يؤكد المسؤول نفسه أنه أقل بكثير من الواقع، لكنه يطرحه على سبيل المثال، مؤكداً أن ثُلث هذا الرقم مستعد لحمل السلاح. ليس هذا فحسب، بل يُشير المسؤول نفسه إلى أن المعطيات الأمنية تؤكد وجود مئات المسلحين السوريين الذين يتنقلون بحرية على الأراضي اللبنانية.
في موازاة ذلك، تشير المعلومات الأمنية إلى أن شقيق أحد نواب عكار النافذين، يواصل تنظيم المجموعات السورية المنتشرة في عكار وطرابلس في خلايا أمنية موزّعة في نقاط تُحدَّد وفق خريطة عسكرية، وضعها ضباط متقاعدون من الجيش ينشطون في دعم المعارضة السورية، حسب مقتضيات الأمن والوضع الملائم لكل منطقة وبلدة. وفي هذا الإطار، تكشف المعلومات الأمنية عن وصول الضابط السوري الفار عناد ع. برفقة الناشط العكاري إلى حلبا، بعدما كان قد لجأ حين فرّ من سوريا إلى منطقة خاضعة لنفوذ النائب وليد جنبلاط، حيث خضع للحماية. وتشير المعلومات إلى أن الضابط الفار شارك في اجتماع عُقد في منزل المدعو محمود ز.، بحضور عدد من العناصر، حيث جرى التباحث في مسألة متابعة تسليح السوريين وتوفير مستلزماتهم المادية وتوزيع نقاط انتشارهم في ساحة حلبا، وعند مدخل حلبا الشمالي في نطاق بلدة الشيخ محمد العقاري على الطريق العام، حيث يقع مخزن أسلحة يُشرف عليه محمود ز. وتذكر المعلومات أن الضابط السوري شارك في إعداد لوائح اسمية مع الحاجات التي يجب توفيرها، وعُلم أن الغاية من إعداد اللوائح الاسمية مع وضع ملاحظات ومعلومات هي إنشاء شبكة أمنية سرية تُعدّ بمثابة مخابرات تابعة لـ«الثورة السورية»، على أن يُوزَّع عناصرها في مناطق الشمال اللبناني، بإشراف اللبناني خ. ح.
كذلك شملت جولة الضابط السوري الفار بلدة خربة داوود، حيث عقدت اجتماعات مع مقاتلين عادوا من مدينة القصير السورية. وعقدت اجتماعات أيضاً في بلدة عمار البيكات خُصصت للبحث في مسألة العناصر السوريين الموزعين ما بين عمار البيكات والقشلق والبيره والكواشرة والدبابية والطلب إليهم الحيطة والحذر وضبط التحرك من دون لفت النظر. وتحدث الضابط السوري إلى المقاتلين، فطمأنهم إلى أنّ الثورة السورية ستنتصر، وأن المطلوب منهم جاهزية كاملة؛ لأنّ دورهم سيكون كبيراً في عكار كمنطقة خط دفاع خلفي، مؤكداً لهم أن تيار المستقبل والقوى الإسلامية سيكونان داعمين بكل الوسائل من مال وسلاح.
في مقابل ذلك، يتردد أن نوعاً من مجلس عسكري سوري أُنشئ في الشمال. تتوزع الأسماء الناشطة فيه الأدوار في ما بينها، فيكون هناك الممول والمنسق ومسؤول التسليح والإعلامي والسياسي. يشكل هؤلاء ما يُشبه حكومة ظل عسكرية. وهناك مؤشرات قوية على صلة لهؤلاء بسياسيين وأمنيين لبنانيين، وتنطلق من الأراضي اللبنانية نحو سوريا. وفضلاً عن التمويل الخارجي، يتولى السوري أنور ش. ب، المعروف بـ«أبو حسن السوري»، تمويله وتسليحه بالتنسيق مع ضابطين متقاعدين من الجيش وأحد نواب تيار المستقبل الشماليين، علماً أن «أبو حسن» المذكور سبق أن أصيب في انفجار مستودع السلاح في أبي سمراء وعولج في لبنان، وتحديداً في المستشفى الإسلامي بطرابلس. ولم يمكث المذكور طويلاً في المستشفى؛ إذ نُقل إلى منزل نائب شمالي من تيار «المستقبل»، حيث بقي لنحو شهر ونصف شهر. كذلك يبرز اسم محمد ع. ف، المعروف بـ«أبو عفيف»، الذي يعمل على توفير أموال ومخصصات شهرية ونقلها إلى منطقة القصير من طريق عرسال، علماً بأن معظم هذه الأموال تُجمع من التبرعات في أوروبا والخليج ويضعها كأمانة لدى النائب الشمالي نفسه.
على خط شراء السلاح، يبرز اسم الثري إسماعيل ر. الذي يصفه سوريون معارضون بأنه مسؤول التسليح، والذي يعمل على شراء الأسلحة من ضباط سوريين موالين للنظام السوري وبعض تجار الأسلحة. كذلك يستقبل جرحى «الجيش السوري الحر » ويوزعهم على مستشفيات لبنان. أما إعلامياً، فينشط ياسر ع. الذي يتولى مسؤولية العلاقات العامة ويلتقي بالصحافة الأجنبية. ويُنسق هؤلاء مع مكتب تابع للمعارضة السورية في شارع نقابة الأطباء مقابل سنترال الميناء خلف منزل اللواء أشرف ريفي. كذلك يقوم يوسف ح.، المعروف بـ«أبو ماهر»، بتوفير بيوت وشقق للضباط المنشقين والمعارضين الفارين من سوريا أو القادمين عبر مطار بيروت. إضافة إلى إيجاد بيوت الأمان التي ينقل إليها الجرحى بعد إنهاء علاجهم. أما أمين م.، فينشط على شبكة الإنترنت ويتولى العمل الإعلامي. ويبقى كل من طارق د. وخالد ف. م. المعروف بـ«أبو رائد ». الأول أحد الأعضاء المؤسسين لتنسيقية اللاجئين السوريين في طرابلس، فيما يتولى الثاني مسؤولية الجرحى السوريين، علماً أنه كان يعمل محامياً لشركة بترول في بانياس. وقد توزع هؤلاء بعد مغادرتهم مستشفى الزهراء، فانتقل قسم منهم إلى مجمع الأبرار والقسم الآخر يقيم في مبنى قرب الجامعة اللبنانية في القبة. وهناك السوري محمد ي. المعروف بـ«القبطان»، من بانياس، الذي يتولى مسؤولية أمن مجمع الأبرار في أبي سمراء، علماً أن هذا المجمع يحتضن جرحى سوريين يعالجون بدعم من دولة قطر.
وتفيد المعلومات عن اجتماعات ليلية تعقد دورياً لضباط سوريين منشقين ورجال دين وآخرين. ومنذ مدة قريبة، شهد مجمع الأبرار إطلاق نار نتيجة خلاف بين أحد الجرحى والأطباء. وذكر جيران المجمع أنهم سمعوا دوياً قوياً، ربما نجم عن انفجار جسم مشبوه داخل المجمع لم تُعرف طبيعته. فضلاً عن مشاركة مسلحين سوريين في الاشتباكات التي كانت تدور بين باب التبانة وجبل محسن.
كما في طرابلس، كذلك في عرسال وعكار؛ ففي جرود عرسال تحديداً، ثمة خيم تؤوي جرحى يمنع الاقتراب منها. وهناك منازل يتولى حراستها مسلحون سوريون، فضلاً عن الانتشار الليلي لهؤلاء. نازحون تراهم بين المدنيين نهاراً، ثم يأخذون الليل ستاراً للتحرك مسلحين لأداء «الواجب الجهادي». وفي عكار هناك نقاط حدودية يستحيل المرور فيها أو الاقتراب منها دون أن يستوقفك مسلحون، بينهم سوريون، لسؤالك عمّا تفعل ومن أين أتيت وماذا تريد.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه