لم يكن مستغرباً أن تستثمر «قوى 14 آذار»، انطلاقاً من موقعها المعارض، خطاب وزير الخارجية عدنان منصور، امام مجلس وزراء الخارجية العرب ودعوته لاستعادة سوريا مقعدها العربي، لتشن عليه حملة سياسية عنيفة، مف
عماد مرمل - السفير
لم يكن مستغرباً أن تستثمر «قوى 14 آذار»، انطلاقاً من موقعها المعارض، خطاب وزير الخارجية عدنان منصور، امام مجلس وزراء الخارجية العرب ودعوته لاستعادة سوريا مقعدها العربي، لتشن عليه حملة سياسية عنيفة، مفترضة ان اللحظة مؤاتية لإعادة تزخيم الهجوم على الحكومة عبر بوابة قصر بسترس.
لكن، ما أثار غضب قيادات «فريق 8 آذار» هو أن «يُضرب منصور من بيت أبيه»، بعد ملاحظات رئيس الجمهورية ميشال سليمان وانتقادات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ليرتفع بذلك منسوب «القلوب الملآنة»، في تعبير عن الفجوة الآخذة في الاتساع بين توجهات سليمان ـ ميقاتي وخيارات صقور الأكثرية، على مستوى ملفات ساخنة عدة.
وتؤكد أوساط قيادية بارزة في «فريق 8 آذار» أن طريقة تعاطي بعض المسؤولين مع الوزير منصور «ليست مقبولة»، معتبرة «انها تنطوي على دلالات خطيرة، تتجاوز حدود الاعتراض على موقف سياسي إلى المساس بروح اتفاق الطائف الذي ارسى قواعد واضحة للتعامل مع الوزير بصفته السياسية وليس كموظف كما كان الحال سابقاً».
وترى الاوساط ان رئيس الحكومة انطلق منذ البداية في انتقاداته لوزير الخارجية من أوهام، مشيرة الى انه وجه اليه كلاماً قاسياً في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، على خلفية تصريح لم يُدلِ به، ثم أنّبه لاحقاً على موقفه في اجتماع وزراء الخارجية العرب «علماً ان الامور تقاس بخواتيمها، ومنصور صوّت في نهاية المطاف مع سياسة النأي بالنفس، وإن يكن قد استبق ذلك بعرض وجهة نظره كوزير للخارجية، حيال ما يجري في سوريا».
وتسأل الأوساط: «ماذا فعل عدنان منصور، حتى تُشن عليه هذه الحملة؟ وهل اصبحت جريمة المطالبة بإعادة سوريا الى عضوية الجامعة العربية لتعزيز فرص الحل السياسي، بينما يغدو فتح الأبواب على مصراعيها امام تسليح المعارضة وسفك المزيد من الدماء هو نموذج للموقف الذي يجب ان يُحتذى به؟».
وتستهجن الأوساط أن تقوم القيامة على منصور بتهمة تجاوز قاعدة «النأي بالنفس» لمجرد انه دعا الجامعة العربية الى احتضان سوريا لتسهيل التسوية السياسية، في حين ان بعض الوزراء في الحكومة اللبنانية يهاجم الرئيس بشار الأسد ويشتمه شخصياً من دون أن يرف جفن أي مسؤول دفاعاً عن «النأي بالنفس» والتزاماً بمقتضياته.
وتعتبر الاوساط ان «النأي بالنفس» لا ينبغي ان يكون أحادي الوجهة والتفسير، وبالتالي لا يصح التشدد في تطبيقه حيال النظام السوري فقط، بينما هناك في لبنان من لا يجد حرجاً في التماهي مع المعارضة، قولاً وفعلاً.
وإذ تستغرب الاوساط القيادية في «قوى 8 آذار» ان يوجه ميقاتي رسالة اعتراض الى وزير الخارجية، تلفت الانتباه الى ان اتفاق الطائف لم يسحب الصلاحية من هذا ليعطيها الى ذاك، بل جعل مجلس الوزراء مجتمعاً هو صاحب السلطة والصلاحيات، «وبالتالي كان الاجدر برئيس الحكومة ان يجتمع بمنصور ويشرح له مآخذه، فإن لم تقنعه ردوده وتفسيراته، يعرض الأمر على مجلس الوزراء، أما اعتماد لغة الرسائل في مخاطبة وزير الخارجية، فليس جائزاً».
وتشير الأوساط الى ان رئيس مجلس الوزراء يتكلم باسم الحكومة في الإطار المتفق عليه داخلها، وهو ينسق بين الوزراء ويسهر على حسن سير عملهم، «لكن الوزير يبقى سيد وزارته، ومن غير المقبول مصادرة دوره او اختزاله، تبعاً لعواطف شخصية او حسابات خاصة».
وتلاحظ الأوساط ان سياسة «النأي بالنفس» لا تزال مفردة عامة وعائمة تفتقر الى مضمون محدد وتفصيلي، لافتة الانتباه الى ان الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي أطلقا هذه المفردة ثم اعتمدتها القوى السياسية، من دون أن تُترجم الى قرار حكومي رسمي، مكتمل الحيثيات، ما حوّل عملياً مفهوم «النأي بالنفس» الى وعاء فضفاض، يضع فيه كل طرف ما يحلو له من سوائل سياسية، تبعاً لما تقتضيه مصلحته.
وتعتبر الاوساط البارزة في «8 آذار» انه من المفهوم ان تلجأ المعارضة الى استغلال أي فرصة من أجل التصويب على الوزراء والضغط في اتجاه دفع الحكومة الى الاستقالة والحلول مكانها في السلطة، لكن ما ليس مفهوماً أن يأتي الهجوم من داخل البيت الواحد، وكأن هناك من يتصرف عملاً بالقول الشعبي المعروف: «من دهنو سقيلو»..
وتنبه الأوساط الى ان الحكومة «ليست مدرسة ابتدائية»، والعلاقة بين رئيسها والوزراء، «لا تشبه العلاقة بين الأستاذ وتلامذته»، «وعلى البعض ان يدرك ان الايام التي كان الوزير مصنفاً فيها برتبة موظف لدى رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية قد انتهت، ولن تعود».
وتشدد المصادر على ان عدنان منصور «ليس مقطوعاً من شجرة، وليس يتيماً على المستوى السياسي، ومن يريد إقالته فليحاول»، لافتة الانتباه الى ان الكلام الذي سبق ان أطلقه رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد دعماً لوزير الخارجية إنما يعبر عن كل جسم «فريق 8 آذار».
ورداً على المتحمسين لرحيل منصور، سواء من خارج صفوف الأكثرية او من داخلها، تقول الأوساط البارزة في رسالة لا تخلو من اللهجة الحازمة: «من ركّب الحكومة وحده يقيلها.. وعندما نشعر أن المسألة أصبحت مسألة كرامة، لن نبقي هذه الحكومة».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه