تربط الولايات المتحدة الأميركية بين الانتخابات النيابية اللبنانية وملف الغاز في شرقي المتوسط. وهي تسعى إلى قانون جديد يضمن مصالحها ويعرف في أوساطها باسم «قانون توافق شركات الغاز العالمية» يُحَدّد على أساسه
ناصر شرارة - الاخبار
ما هي حقيقة الموقفين الأميركي والأوروبي مما يجري اليوم في لبنان، ولا سيما إنجاز الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، وذلك بحسب ما يعبّر عنها في اللقاءات الدبلوماسية والرسمية وخارج الإعلام؟
مصادر مطلعة على المداولات الأوروبية والأميركية بشأن الوضع في لبنان تؤكد أن السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي، لم تكن هي أول من أبلغ الرؤساء والقيادات اللبنانيين، خلال جولتها الشهيرة الأسبوع الماضي عليهم، بموقف واشنطن المطالب بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. والواقع أن هذا الموقف الأميركي سُرّب إلى بيروت، من وراء ظهر كونيللي، بواسطة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة لورنس سيلفرمان، وذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع من «زياراتها التبليغية».
دور كونيللي اقتصر على تظهير الموقف الأميركي، وجرى بصدده تشاور لبناني ــ أميركي خلف الكواليس. وأكثر من ذلك، ارتكبت كونيللي خطأً خلال تظهيرها لهذا الموقف على باب عين التينة، حينما سمّت القانون الذي تريد واشنطن أن تجري الانتخابات على أساسه (أي قانون الستين). وقد عاتبتها الخارجية الأميركية على «زلة لسانها» هذه. وأغلب الظن ــ بحسب المصادر ذاتها ــ أن كونللي ارتكبت هذ الخطأ بسبب إحجام المطبخ الأميركي الجديد المنخرط في متابعة الملف اللبناني، عن إبلاغها بأجواء الاتصالات اللبنانية ــ الأميركية الخاصة. ومردّ ذلك إلى أن سيلفرمان الذي يقود هذا المطبخ يمارس تجاه لبنان سياسة تعاطٍ مباشرة، تحاكي ما كان يفعله السفير المتقاعد فريدريك هوف.
وتقول هذه المصادر إن سيلفرمان، كلف رسمياً، من دون إعلان رسمي، أن يقوم بمهمات هوف الذي كان مسؤولاً عن ملفين اثنين في عهد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأولى: ملف الغاز المكتشف حديثاً في المتوسط، وضمنه مهمة حل خلاف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل" وتسوية قضية تقاسم ثروات الغاز. والملف الثاني، متابعة مسار التسوية مع "إسرائيل".
غاز وانتخابات
خلال هذا الأسبوع كان سيلفرمان في بيروت والتقى المسؤولين اللبنانيين المنخرطين في ما يمكن تسميته «مفاوضات هوف» السابقة لحل خلافات الغاز. وخلال مباحثاته مع اللبنانيين، أكمل سيلفرمان من حيث انتهى هوف الذي كان قد اقترح إنشاء ممر أزرق، يضم المنطقة البحرية الغازية المختلف عليها بين لبنان و"إسرائيل"، حيث يصار إلى تسوية نزاع السيادة عليه بين تل أبيب وبيروت، لاحقاً. وبانتظار ذلك، يباشر كل من لبنان وإسرائيل التنقيب ومن ثم استخراج الغاز في المناطق الخاصة بهما التي هي خارج الممر الأزرق وخارج الخلاف الحالي عليها.
وتكشف هذه المصادر أن الموقف الأميركي بخصوص الانتخابات وقانونها كان قد سربه سيلفرمان لبيروت في بدايات النصف الثاني من شهر شباط الماضي عبر قنوات لبنانية معتمدة في نيويورك لنقل رسائل من هذا النوع. وتضمنت هذه الرسالة التي تزامنت مع التحضيرات الواسعة في أميركا لزيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للبنان، خمسة عناصر أساسية:
الأول، واشنطن تدعم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري المحدد.
الثاني، واشنطن تتابع عن كثب وباهتمام النقاش اللبناني في قانون الانتخاب.
الثالث، كيري لن يزور لبنان خلال جولته على العواصم التسع في المنطقة، ويعود السبب إلى أنه ينوي في جولته اللاحقة زيارة البلدان التي لم يزرها في هذه الجولة. بمعنى آخر، لا أسباب سياسية لعدم زيارته لبنان، بل تقنية.
الرابعة، كشف سيلفرمان أنه تبلغ من الأفرقاء اللبنانيين مواقفهم بشأن الحدود البحرية، ولمس «واقعية بعض الطروحات»، والإدارة الأميركية بصدد مواصلة البحث لإيجاد حل.
قراءة في رسالة سيلفرمان
والأبرز في الرسالة هو موضوع الغاز والبحث عن حل مطلوب أميركياً للحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية. ولم يرد في الرسالة تأييد واشنطن لقانون الستين، بل الاهتمام بالنقاش اللبناني حول القانون الانتخابي. ويستنتج من الرسالة أن واشنطن انتهزت مناسبة الانتخابات اللبنانية والبحث عن قانون لها، لمعاودة تفعيل حضورها في تفاصيل السياسة اللبنانية، ما يعطي سيلفرمان أوراقاً تفاوضية رابحة ضاغطة لتسهيل إمرار مقترحه بشأن الغاز والخلاف البحري، خلال نقاشه مع الأفرقاء اللبنانيين. ويلاحظ أنه ورد في رسالة سيلفرمان عبارة تقول: «تلقينا مقترحات الأفرقاء اللبنانيين حول الخلاف البحري»، ولا تقول: «إننا تلقينا مقترحات الدولة اللبنانية». وهذا يعني أن سيلفرمان يفاوض الأطراف اللبنانية لإنتاج تسوية، لا الحكومة اللبنانية. ويعني أيضاً أنه بقدر ما أنه وسيط تفاوضي بين لبنان وإسرائيل لحل الخلاف البحري، فهو أيضاً عرّاب لتسوية تناقضات تباعد بين الأطراف اللبنانية بخصوص شكل الحل وبالأساس هوية الشركات التي ستُلزَّم عمليات التنقيب عن النفط واستكشافه. ويلاحظ في هذه النقطة الأخيرة أن سيلفرمان في رسالة العناصر الخمسة، يشرح أنه لا يجب «على لبنان أن يأخذ دائماً على محمل الجد اهتمام بعض الشركات النفطية بالغاز اللبناني، فبعضها يندرج اهتمامها، كخيار لديها من بين جملة خيارات أو في إطار استكشاف نيات شركات أخرى».
وبحسب هذه المصادر، فإن كلام سيلفرمان واضح بأنه يتخذ من مناسبة الانتخابات فرصة لجعل التدخل الأميركي في مسارها، غطاء لمعاودة تحريك مسعى هوف حول الغاز والوصول به إلى نتائج عملية سريعة. وأيضاً لجهة أنه يطلق إشارة البدء بالحرب بين الشركات على الاستثمار في حقول الغاز اللبنانية.
أما انتخابياً، فإن ما يهم سيلفرمان الحصول على قانون انتخاب يؤمن للأفرقاء اللبنانيين الذين قدموا مقترحات إيجابية من وجهة نظر واشنطن حول تسوية الغاز، موقع بيضة القبان داخل معادلة الحكم التي ستسفر عنها الانتخابات.
وتلفت هذه المصادر إلى زيارة وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بيروت قبل نحو أسبوعين، وتعمده زيارة مشروع على صلة بقطاع اكتشاف الغاز في لبنان. وتتحدّث المصادر نفسها عن تباين أميركي ـــ بريطاني بشأن تقسيمات الاستثمار العالمي في الغاز، مرجحة أن يؤدي هذا التباين دوراً في تسمية رئيس الحكومة المقبل في لبنان، وخاصة أن واشنطن أبلغت بيروت أن شركات الغاز الدولية لن تاتي للعمل في لبنان إلا بعد حصولها من أميركا على ضمانات بشأن استدامة الاستقرار فيه.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه