28-11-2024 07:52 PM بتوقيت القدس المحتلة

الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية حيال إيران والمنطقة العربية 2/3

الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية حيال إيران والمنطقة العربية 2/3

الاستراتيجية الإسرائيلية اتجاه إيران والتأثير الأمريكي


نضال حمادة - باريس

الاستراتيجية الإسرائيلية اتجاه إيران والتأثير الأمريكي

تعيش النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية  منذ ثلاثة عقود هاجسا كبيرا اسمه إيران وعنوانه البرنامج النووي الإيراني، وهذه النخبة تختلف في كل شيء تقريبا إلا في الموقف الحاد من إيران والسعي الدؤوب لتوريط الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في حرب ضد الجمهورية الإسلامية تقضي على التقدم التقني والصناعي السريع الوتيرة الذي تعيشه إيران رغم الوضع الاقتصادي الصعب، وتعيد رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة.

ورغم التهويلات والتهديدات الإسرائيلية شبه اليومية بقرب شن ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران، فإن الواقع الحقيقي للأمور يشير الى عدم إمكانية إسرائيل تنفذ تهديدها هذا الذي تستخدمه تل أبيب فقط للتغطية على الوضع الفلسطيني الذي لا يشهد اي تقدم او عملية انفراج، فضلا عن الوضع الانتخابي الداخلي وتراجع الثقة الشعبية الإسرائيلية بإمكانية الاستمرار بالسياسات المعتمدة منذ قيام الكيان استنادا على القوة العسكرية الإسرائيلية فقط دون أي بديل او رديف سياسي آخر.

وبعيدا عن سياسة التهدد العسكري الغير قابلة للتطبيق والنجاح تعتمد "إسرائيل" استراتيجية متعددة المحاور ضد إيران يمكن تحديدها بالعناصر التالية:

  • جر الولايات المتحدة لخوض حرب ضد ايران.
  • العمل على تخريب البرنامج النووي الإيراني.
  • الضغط عبر اللوبي اليهودي في أمريكا والغرب للاستمرار في سياسة الحصار الاقتصادية.
  • تعزيز الانتاج العسكري وتطويره.

في الموضوع الأمريكي تسعى "اسرائيل" منذ سنوات عديدة لجر الولايات المتحدة لحرب ضد ايران تأخذ طابع الحرب الدولية، وتكون فيها القوة النارية الأمريكية في خدمة الأهداف الإسرائيلية الراغبة في تدمير ايران، وهذه الاستراتيجية الإسرائيلية ثابتة غير انها تواجه برفض قاطع من إدارة أوباما التي لا تريد خوض حرب ضد طهران لا تعرف نتائجها ولا امتداداتها.

وفي هذا الرفض الأمريكي، يقول أحد الباحثين في وزارة الدفاع الفرنسية في ندوة عقدت في مجلس الشيوخ الفرنسي الأسبوع الماضي، أن "إدارة اوباما وضعت خطوطا حمراء امام إسرئيل في كل ما يتعلق بعمل عسكري اسرائيلي ضد ايران". ويضيف الخبير الفرنسي ان "الإسرائيليين بعد الرفض المتكرر من إدارة أوباما بشن حملة عسكرية ضد طهران او السماح لإسرائيل بالقيام بأي عمل عسكري بدأوا يطرحون على أمريكا فكرة شن ضربة محدودة لا تشعر النظام الإيراني بالإهانة ولا تجبره على الرد وفي نفس الوقت تعطي هذه الضربة رسالة قوية عن قدرة اسرائيل الردعية"، وتقترح "اسرائيل" شن ضربة صاروخية لكن إدارة اوباما ترفض ذلك، وتسال ما الذي يضمن أن لا ترد ايران عبر حلفائها وتشتعل المنطقة لعشر سنوات مقبلة.

هذا الموقف الأمريكي يزيد تعقيد العلاقات بين "اسرائيل" وأمريكا حيث يشعر الكيان أن هناك نوع من التغير في التفكير السياسي الأمريكي نحوه، وهو بأي حال لا يصل الى تغيير في طبيعة العلاقات الاستراتيجية، لكن هذا التفكير يجعل النخبة السياسية الأمريكية تتصرف بعيدا عن الضغوط الإسرائيلية التي أصبحت تعتبرها مهينة وغير مقبولة، وهذا التفكير يظهر بامتعاض اوباما من قرار الكونغرس تشديد العقوبات على طهران تحت ضغط اللوبي الإسرائيلي، وكلنا يذكر الحديث الذي جرى بين ساركوزي واوباما، والذي قال فيه الرئيس الأمريكي لنظيره الفرنسي "أنت لا تطيقه ان يردني اتصال منه كل دقيقتين أصبح الأمر لا يحتمل"، وظهر هذا الامر مؤخرا خلال زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون الى تل أبيب اثناء توقيعها على اتفاق عسكري مع وزير الخارجية الإسرائيلي حيث أظهرت عدسات التلفزة مسؤول كبير في منظمة (أيباك) "يقف فوق رأسها ليرى كيف توقع عل الاتفاق".

في نفس الوقت تعمل "إسرائيل" بقوة على تخريب البرنامج النووي الإيراني، وهي في هذا العمل تنسق مع المخابرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والكندية والألمانية وجهاز المخابرات السعودي، حسب موقع ويكيليكس، الذي تحدث عن اجتماعات اسرائيلية سعودية مغربية في هذا الموضوع، ولا تنفي إسرائيل ضلوعها في عمليات الاغتيال التي طالت العشرات من العلماء الإيرانيين، فيما تؤكد طهران ضلوع الموساد الإسرائيلي في هذه العمليات، وبث الإعلام الإيراني اعترافات لمنفذين تم اعتقالهم، كما تعتمد إسرائيل على "جماعة خلق" المعارضة في جمع المعلومات عن البرنامج النووي الإيراني وعن الطاقم البشري والكادر العلمي العامل في البرنامج، وهي استعانت بعملاء من الجماعة في تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال داخل ايران والتي طالت الكادر العلمي.

في نفس الوقت، عملت اسرائيل على تخريب البرنامج النووي الإيراني عبر شبكة الانترنت عن طريق ارسال فيروسات تسحب المعلومات من الشبكة الإيرانية، وتدمر أجهزة الحاسوب. وقد أشارت السلطات الإيرانية الى تعرض الشبكة الإيرانية لهجوم فيروسات الكترونية، فيما قالت يومها الصحافة الغربية ان ايران تعرضت لهجوم بفيروس اسمه "ستاكس نت" مصدره "اسرائيل"، وفي الحقيقة فإن خبراء الرياضيات والبرامج الإلكترونية والمعلوماتية في اوروبا يسخرون من هكذا هجوم. وفي هذا المجال يقول الخبير في تقنية سرية الأنترنت نيكولاس ارباجيان "هذا الهجوم هو نوع من الدعاية المهم هنا القول أننا ضربنا البرنامج حتى ولو لم نستطع ضربه فعلا".

كما تعمل "اسرائيل" على سياسة الحصار الاقتصادي العالمي ضد ايران عبر استعمال النفوذ القوي لليهود في المؤسسات المالية العالمية، وفي مراكز القرار الصناعي والسياسي في الغرب، وهي تضغط في الولايات المتحدة عبر "ايباك" المنظمة اليهودية الأكثر التزاما بالسياسة الإسرائيلية للضغط في هذا المجال، كما تستعمل نفوذ المال اليهودي في البورصات العالمية وفي المصارف الأمريكية والأوروبية لحصار ايران ماليا واقتصاديا. وهي عبر شركات نفوذ المال اليهودي في البورصات، فرضت على شركات التامين العالمية المسعرة في بورصة لندن وقف كل عقود التامين على البواخر الإيرانية والعالمية التي تتعامل في نقل النفط الإيراني أو في التجارة مع ايران.

في الشق العسكري، عززت "اسرائيل" خلال السنوات الأخير من انظمتها الصاروخية  وانتجت صواريخ بعيدة المدى خاصة بالمواقع تحت الأرض، كما انها أنشأت أنظمة حماية صاروخية بمساعدة امريكية وألمانية، هذا فضلا عن تعزيز أسطولها البحري بغواصات "دلفين" التي سلمتها المانيا عدد منها مجانا، وهذه الغواصات يمكن لها حمل صواريخ نووية. وفي المجال التقليدي تجري إسرائيل تعديلات على دبابة الميركافا، وتعمل على مشاريع عسكرية خاصة بما تسمية التهديد الإيراني، غير أن حصول الاضطرابات العربية أدى الى تعديل في هذه الاستراتيجية، وتوسيع لها على عدة جبهات، فأصبحت العقيدة العسكرية الإسرائيلية تعتبر الجنوب الفلسطيني الخطر الداهم عوضا عن الشمال وهذا ما سوف نفصل في الجزء الثالث..

الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية حيال إيران والمنطقة العربية 1/3